الحبّ بلا يدين

ثلاث قصائد
الأحد 2020/04/05
لوحة للفنانة ريم ياسوف

التاسعة بتوقيت منتصف الليل

1

أمس، أجل أمس، تحديداً عن الساعة التاسعة بتوقيت منتصفِ الليل، سقطت عن مكتبي المعمّر صورتي وأنا طفل. رغبتها في الشيخوخة لم تعد تلزمها.

2

أتخيل لو قال لي سائق الباص إن الطريق إلى المدينة غير سالكة: تتعطلُ ذاكرتي، وتسقط محفظتي المحشوّة بالثياب والكتب العتيقة عن ظهري، ويتوقّفُ صوت فيروز عن القول “عهدير البوسطة”، ويصبح الكراج حلبة رقصٍ دون موسيقى ولا تتسعُ حتى لقدمي كارلوتا غريسي.

3

حالما يطلعُ صوتُ فيروز في مذياع الباص “طريق النحل الطاير فوق الضو المكسور” أسمع صوتك القروي مكانها، صوتك المعجون من دعابة الماء وعمى الغبار الكلسي، صوتك الذي كلّما دخل حقلَ ألغامٍ تكسّرت قوائمُ الحرب وهربت كبالونِ هليوم أفلتَ من يد طفل.

ألمسُ صوتك، ثم أطرده، فألمسه، وأطرده، قبل أن يضيء تلفوني معلناً وصول رسالةِ واتس آب، ووجهكِ الأبيض كغرفةِ سجنٍ انفرادي في الحلم تضيئه.

4

سبقني النهار ووصل، على جسدي تلك الليلة تصلب جلدي كحراشفِ تمساح، إنها الليلة التي سخنت بها غرفتي كحلمة ثديك الأيمن. الليلة التي سبقت إعلان الحرب.

5

أمس أيضاً عند التاسعة بتوقيت منتصف الليل بلّغ جاري عنّي للشرطة، قادوني إلى المخفر بدعوى الإزعاج، كنت فقط أستمع لآخر قطعة ريجتايم أداها جاي روبرت قبل انتحاره.

6

شفتاكِ الساخنتان مرّتا من هنا، من هذا السرير البارد

شفتاكِ الباردتان مرّتا من هناك، من ذاك السرير الساخن

……….

مرّتا…

سيتيغرافيا

1

أسحبُ سعف الأشجار

وأصواتُ بائعي الخضار المتجوّلين

أدفعُ ثقلَ جسدي

وشتائمُ السائقين التي تشقُ طرقاتٍ جديدة

أسحب – أدفع

أدفع – أسحب

وأنشّفُ عرق إبطي بالشمس.

2

بيك – آب على ظهره خردة الأغنياء

وكراكيب الفقراء

مع بعضها متباينة كفردتي حذاء في البالة

تشرُّ منه رائحة الصدأ والوقت المأكول.

3

باعة عرق السوس

الجلاب

الماء البارد

شعراءَ أرادوا قراءة لغة الأفواه

الباعة، برندحاتهم العالية

يُبصَق الحب

والكره

والضحك

والبكاء

الباعةُ يخرجون من الحي

وأصواتهم تضع كراسينا وتنتظرهم.

4

في هذه المدينة التي لا مكان لوضع مسمارٍ فوق آخر

العاطلون يفتقدون لزجاجات البيرة

التلامذة الصغارُ يحاولون أن يتأخروا عن الباص

أغاني مسجّلات السيارات مثيرةٌ للمرح والموت

وأنا

سارقُ الكتبِ

حامل حقيبة الظهر السوداء

لابس حذاء القماش نايكي

أنسلُّ كالغبار

أسيرُ كضفدعٍ

بينما يحاول النهر تغيير ملابسه المتسخة من فوق.

5

الأشجارُ في قاسم الطريق

التي تحاول تسلّق وجه الله

تلملمُ رائحة المياومين المستريحين في ظلالها

كأنّها آخر جنّةٍ

حلم بها هؤلاء

أو سيجارةً تنفضُ الراحةُ فوق رؤوسهم.

6

الشحّاذُ وراكب الشيفروليه

يتقاسمان معاً

هذا الهواء المدنّس بالمازوت وبكاء العاهرات

هذه السماء المزنّرة بالأبنية وحمّالات الصدر الزاهية

فقط هذا ما قيل في المسافة بينهما:

شتائمُ عالية

وساندويش فلافل

ومراكبُ لا تحمل أسماءً.

لوحة الفنانة ريم ياسوف
لوحة الفنانة ريم ياسوف

كراساتٌ مهملةٌ لرجلٍ لا علاقة له بنشرات الأخبار

1

على باب الخزانة لا أعلّق صورَ عشيقة ما

ينقصني الكثير من ممارساتي وإياها

ما لا يمكن لصورةٍ أن تحكيهما

على باب الخزانة

أكتبُ بعض أغاني البيتلز وإلفيس بريسلي

وأترك الموسيقى تتسلل لوحدها

على باب الخزانة

الحبّ لا أيادي له

أكلتها تتمّة الغرفة.

2

ليلةَ حدثني أبي عن الحرب

ربطتُ يديّ بأطراف مخدّتي لئلا ألمح مسلّحاً في منامي

كانَ منامي موحشاً

كانَ منامي آخر صلاةٍ رتّلها الرهبان قبل وصول البرابرة.

3

بماذا كنت تحلمين أيّتها الموسيقى قبل صعودك؟

غرفةٌ مغلقةٌ

كلّما خبطت بجدارٍ لها

سمعت ضجيجي

“العويل في التلفازِ لا يرغبُ بالخروج منه”؛

بماذا كنتِ تحلمين أيّتها الموسيقى قبل صعودك؟

مدينةٌ مفتوحة

أنسّل في أزقّتها خفيةً

لئلّا أزعج الموتى

“القتلة يخرجون بصمتٍ من دور ضحاياهم”.

4

الأشجار

الأشجار المتناقصة التي تُبتلعُ من خلفيةِ الشباك

أصابعُ يدٍ تحكّ فرج السماء لتمطر؛

الأشجارُ ثيابُ الأرض الرثّة

أصابعُ خشبيّةٍ من ثقوبٍ لا تتسعُ لشهواتنا.

5

الأشجارُ تنفض رمادها البرتقالي

وتتركه على حواف الطريق

طريقٌ لم تفكّر للحظة أن تسمّي نفسها خمارةً للموتى

تتنفّض على حوافّها ما يعلق بالجسدِ من أزمانٍ

كلّما سقط زمنٌ

نزّ من الكونِ أثرُ انفجارٍ لا يرى.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.