الذكورية الدينية
يرجع إخفاق العقل العربي في التخلص من أوهامه، كلّها، إلى حاضنته الكبرى الإسلامية والتي بلغت فيها الذكورية أقصى ذروتها، فالمتون الإسلامية لا تتيح للمرأة أن تتساوى مع الرجل مطلقاً، وهي تنظر لها على أنها وسيلة للتكاثر والمتعة، وتهمّشها في الحياة الاجتماعية والحضارية بشكل عام، وكلّ كلامٍ غير هذا ما هو إلاّ تسويف وتبرير وترقيع. الأمور بخواتيمها، كما يقال، وهاهي المرأة المسلمة مغطاة بالسواد ومحتقرة ومشكوك بها ومقصود نفيها في البيت بعيداً عن العمل والدراسة والاختلاط الطبيعي بين الجنسين. وهذا هو الحال المزري الذي وصلت إليه النساء المسلمات في العالم الإسلامي وهنّ في أقصى أشكال التخلف والحيف.
المسؤولون الأساسيون عن ترسيخ كل هذا هم رجال الدين ومن يتملّقهم من الساسة والمشرّعون والحكومات، هؤلاء دمّروا مجتمعاتنا وأذاقوها الذلّ والهوان وخصوصاً المرأة التي شكّلت منطقة الصدام الأول لأنهم بذلك يسيطرون على نصف المجتمع، أما نصفه الثاني من الرجال فالتخلف كفيل به.
أتعجب من الناس كيف يرضون بهذا الذلّ والحل بين أيديهم؟ هل هناك أبسط من أن يغيّر الإنسان طريقة تفكيره ويتحمل نتائج ذلك لكي ينعم بحياةٍ أفضل تحمل المعنى المشرّف للإنسان وعقله.
الفكر النكوصيّ صنعه فقهاء الأديان بعناية فائقة على مدى قرونٍ طويلةٍ وكانت أجيالهم الجديدة تحتذي خطى أجيالهم القديمة وتكرّسها.. والمطلوب هو قانون مدنيّ يضعهم ويضع الجميع تحت طائلته ويعاقب من يخالفه.
إن الإسلام “شرعن” (من الشريعة الدينية) دونية المرأة، كما أن الحضارات القديمة والديانات الوسيطة (اليهودية، المسيحية، الإسلام) امتهنت المرأة كليًا، فيما عدا حضارتين فقط (السومرية/ البابلية والمصرية)، لكن الحضارة الغربية الحديثة بدأت ببناء الأسس والقوانين المادية لحرية المرأة على مدى خمسة قرون، وما زالت تطمح في إزالة ما يعوق حرية المرأة وانعتاقها.
من ثم فإن أفضل ما يجب البدء به هو فضح الذكورية الدينية منذ الانقلاب الذكوري الأول في العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت حوالي 5000 ق.م) ووصولاً للذكوية الإسلامية التي هي ذروة هذا الحدث.. ولا بد من معرفة الطريق الذي جعل الرجل في الغرب ابتداءً من عصر النهضة إلى اليوم يخضع لفكرة مكانة المرأة الهامة في المجتمع وضرورة تحررها ويقتنع بها. خاصة وأن الفكر النكوصيّ صنعه فقهاء الأديان بعناية فائقة على مدى قرونٍ طويلةٍ وكانت أجيالهم الجديدة تحتذي خطى أجيالهم القديمة وتكرّسها.. والمطلوب هو قانون مدنيّ يضعهم ويضع الجميع تحت طائلته ويعاقب من يخالفه.
لا بد أن تتمتع الحركات النسوية بفهم علميّ وتاريخيّ عميق للعلاقة بين الرجل والمرأة على مدى التاريخ، ومنها حاضرنا المعاصر وتحديداً في منطقتنا العربية الملتبسة.. الفهم العام لموضوع المساواة والمطالبة بالحقوق فقط ليس كلّ شيء، يمكن أن تقوم به منظمات نسوية متخصصة، وإذا جرى تكريس الأمور بهذه الطريقة فقط فلن نحصل على ما نريد، لكن العمق الثقافي لفهم العلاقة بين الرجل والمرأة ستضيء الكثير من الموضوع وستشخّص الأسباب وتصحّح مسارات التاريخ الحادة والضيقة..لا بد من تثقيف الرجل أيضاً وجعله يتفهم كيف حصل كل هذا ولماذا؟ المرأة اليوم، في مجتمعاتنا العربية وصلت إلى أقصى حدود الخسارة في حقوقها ومكانتها وحوّلتها الأحداث إلى الهامش وتكرست وظيفتها المنزلية على حساب تعليمها وحريتها.