الروائي العربي ليس حرا

الجمعة 2016/04/01

ماذا بإمكانك أن تكتب وأنت في وسط أهوال الحرب ومخاضها. كل حكاية مؤلمة هي رواية لا يمكن كتابتها، ليس بإمكانك أن تكتب سياسيًا فتسقط في فخ الانحياز لطرف مقاتل ضد طرف آخر. وإذا ما قررت أن تختار الإنسان فسترى أن كل ما يمكنك فعله هو أن الألم لا الكتابة.

خوف الرّوائيّ من أن يسقط في المباشرة الفجة وهو يكتب عن الدّم الطازج الذي ينتشر حوله هو ما سيمنعه من الكتابة. الخوف من عدم اقتراب الخيال الرّوائيّ من خيال الواقع الذي يفوق كل خيال، الخوف من جنون الواقع الذي يطغى على كل جنون. الكتابة الرّوائيّة على العكس ربّما من القصيدة هي حرفة تستدعي اللجوء الكامل إلى الاطمئنان النفسي والمكاني وهي تأتي غالبًا في وقت لاحق للأحداث الكبرى.

تلك حالة بالإمكان الرجوع إليها إلى كتابات روائية وقصصية سابقة في أثناء الحرب العراقية الإيرانية وهي كتابات مباشرة فشلت في البقاء وسقطت نقديًا. وحالات أخرى من الكتابة التي انتشرت بسرعة في الكويت بعد التحرير فجاءت مباشرة لم ترق إلى واقعية وجنون ما حدث ولم تحقق الشرط الفني الذي يضمن لها البقاء.

فيما يخص الاستبداد السّياسي والدّيني أعتقد بأن تلك مسألة ليست طارئة كالحالة العربية فنحن نعيشها من تقسيم الوطن العربي إلى دويلات ونعرف أزمتها الحقيقية. نعرف أن المثقف بشكل عام والرّوائيّ والشاعر ليسوا إلا قلة غيبها الإعلام الحكومي كانت تفيد من ضرع الحكومة ومؤسساتها، وكانت تعيش وتعتاش على هذه الحكومات وتغيّر جلدها السّياسي والدّيني أيضًا بناء على توجّهات هذه الحكومة.

الرّوائيّ العربي ليس روائيًّا حرًا، فهو لا يعيش من كتبه ولا ينتمي لمؤسسات ثقافية مستقلة ولا يعمل في أكاديميات خاصة وبالتالي هو نتاج المحيط الذي تهيمن فيه السلطة على مقاليد كل شيء. أغلب المثقفين اليوم يجري خلف جائزة حكومية ودعوة حكومية وعلاقة مع جريدة حكومية، فكيف نطلب منه أن ينتج عملًا حقيقيًا يناقض ما يعيش عليه.

لست متشائمًا تمامًا وأتمنى أن يتخذ الجيل الجديد طريقًا غير الذي سلكه أسلافه من الأدباء، أن يفرق بحريته الشخصية أولًا لكي ينتج عملًا حرًا. ستأتي الأعمال عن هذا الألم العربي حين يبتعد عن هذا الألم ليستطيع النظر إليه جيدًا.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.