الرواية صوت الذين لا صوت لهم

الجمعة 2016/04/01

أولًا، الرّوائيّ هو إنسان وله عائلة وأقارب وأصدقاء واقعون تحت وطأة هذا المناخ العصيب المشحون بالحروب والقتل والخراب والاستبداد والقهر، وحياتهم مهددة في أيّ لحظة لذا فإن اهتمامه الأول منصبّ على التفكير والعمل على نجاتهم وخروجهم أحياء من هذا الجحيم، بعد ذلك يأتي فعله الكتابي والذي عادة ما يدور وينصبّ على وصف كل ذلك، لأن الكاتب في النهاية يكتب عمّا يعرفه، لذا نجد أن أغلب رواياتنا اليوم تتناول واقعنا المرّ، وهو من خلالها يفعل التالي: يسجل شهادته على ما يحدث، يبين موقفه حياله، يضيء الجوانب الخفية منه، يصرخ بأوجاع ناسه ووطنه، الرّوائيّ يُدوّن ما يَسعى المستبدون لمحوه، يحافظ بالكتابة على ما تقوم بمحوه الحروب من ذاكرة وبشر وطبيعة ومدن وتاريخ وثقافة.. وغيرها، يُذكّر الإنسان بإنسانيته وسط هذا التوحش، يُشخص لأن التشخيص نصف العلاج، يطرح رؤى أنضج وأعمق وأكثر إنسانيّة من رؤى المتصارعين، يعزّز الأمل والحلم بغد أفضل عند قرّائه، يعيد إليهم الثقة بالإنسان وبكل ما هو إنساني، يمنحهم فسحة ـ ولو صغيرة ـ من التأمل والخيال والتفكير وحتى الراحة ونسيان ضغوطات المحيط على أرواحهم، يذكرهم عبر عمل فني جمالي بوجود الجمال، يقف إلى جانب الضحايا دائمًا في وجه الظلم والاستبداد والقهر، ويشعرهم بأنه معهم ويفهمهم، يشاركهم انشغالاتهم وهمومهم اليومية التفصيلية الصغيرة التي لا يكترث بها المتحاربون، يعبّر عمّا يختلج في أنفسهم، ينشغل بالضحايا كبشر لهم عواطف وذكريات وأحلام مقابل الصحافة والسياسة والاقتصاد التي لا ترى فيهم إلا مجرد أرقام تُحسب بمقاييس الربح والخسارة المادية والمصالح، يبكي مع المحزون، يؤانس الخائف، يسلّي الوحيد، يبارك للعاشق ويشدّ من أزر الضعيف أمام قوة الظالم، ينادي بالحرية والحق والاحترام، يكون فمًا للذين كُمّمت أفواههم، صوتًا للذين لا صوت لهم، صرخة للذين ضاعت صرخاتهم في السجون والمعتقلات ووسط ضجيج قعقعة الأسلحة، يكشف الأكاذيب عِبر صدقه ويفضح الفاسدين والمتلاعبين بأوراق السياسة والدين على حساب أرواح الناس، يدعو للسلام في مواجهة الداعين للحرب، يحتفي بالأحياء والأموات، ينتصر لكل مظاهر الحياة ضد كل مظاهر الموت.

أعتقد بأن هذه هي صورة لمجمل ما يشغل كُتّابنا وكتاباتنا اليوم، روائية وغير روائية، وما أنا إلا واحد منهم فكل ما كتبته كان عن حالنا العربي، وتحديدًا عن العراق وأناسه وجراحه وهموم أهله الذين هم أهلي، على الرغم من أنني قد غادرت وهاجرت عن وطننا العربي منذ أكثر من عشرين عامًا، لكنه لم يغب عن عيوني وذاكرتي وكتاباتي وانشغالاتي ولا حتى يومًا واحدًا.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.