الرواية في مواجهة الحرب
يكتب عن الإنسان. الإنسان الذي يعيش داخل هذه الظروف، معاناته مع هذه الظروف وتأثيرها عليه، وتأثره بها. كثير من الأعمال الأدبية عن الحرب تحوّلت إلى بكائيات بجمل وعبارات مكرّرة لأنها تناولت نفس الموضوع وإن اختلف الأسلوب. حتى أن بعض هذه الأعمال كانت كأنها تصوغ نشرة الأخبار بشكل روائي أو أدبي، تعيد عليك ما عرفته وسمعته وربما عايشته بنفسك. برأيي، لن تضيف هذه الكتابات الكثير للأدب أو لتاريخ الحرب أو “لحظة الدّم” والأزمات الإنسانيّة. أغلب هذه الروايات ستظل في ذاكرة الأدب ــ هذا إن ظلت في الذاكرة ــ كتب وأسماء تظهر مع الأزمة وتنتهي معها. أو لنقل إنها من نوع الروايات التي تكون مادتها الأساسية هي الأزمة أو الحرب.
رغم أن الرّواية جزء منها تأريخي، تسجيل للزمن والأحداث، ولكن أن تتحول فقط إلى مهمة التدوين، سوف يحصرها في مكان معين، وتبتعد كثيرًا عن الفكرة أو الخيال وهو، كما أظن، الجانب الحيوي الأهم في الرّواية، أو هو ركيزتها. بالإضافة إلى ذلك، لن تضيف للقارئ شيئا، لأنها تخاطب الأحداث لا الإنسان.
نجح العديد من الكتّاب الغربيين في تجسيد الأزمات بالأدب، وتركوا إرثًا غنيًا عن الحرب العالمية الأولى والثانية، الأنظمة الدكتاتورية، الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية لأنهم في رأيي كتبوا عن المشاعر التي يعانيها الإنسان في الحرب، معاناته منها، كيف يتعامل معها، ما هي الآثار التي تتركها الحرب عليه وعلى الأجيال القادمة، وما تأثيره هو في مجتمع يعاني من الحرب، الإرهاب والفوضى. مثال على ذلك ومن قراءاتي الشخصية، الرّوائيّ الهولندي هاري موليش خاطبت رواياته وأشهرها “اكتشاف السماء” الإنسان في الحرب، ولم يتعمق كثيرًا في الخوض في الجانب السّياسي والعسكري للحرب وهذا ينطبق على الكثير من الروايات التي تناولت الحربين العالميتين والفترة النازية. مثال آخر أيضًا الكتّاب الأفغان، وأشهرهم رحيم عتيقي وخالد حسيني، يُلاحظ في أعمالهم الإبداع والتميّز لا التكرار، المحرّك الأساسي للرواية هو الشخصية وسلوكها في مواجهة الحرب والدّمار.
باختصار: يكتب الرّوائيّ عن الإنسان في لحظة الدّم. الإنسان هو الشخصية الرئيسية المحركة والفاعلة في هذا المشهد الدّموي والمأساوي. والحرب، أسبابها ودوافعها السّياسية، هي خلفية ذلك المشهد فقط.
