الشاعر‭ ‬والمذبحة

الخميس 2015/10/01

في رهان الأخلاق والمصير المتعلق بالوجود والقيمة الواقعية البعيدة عن أيّ لغو أو فنتازيا، مطالب الشعر والشاعر من الناحية الوجدانية بالانخراط في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من شعب يتعرض للإبادة الجماعية، قبل أيّ شيء آخر‭.‬ إذا نظرنا إلى المشهد العربي العجيب والغريب، نجد أنفسنا أمام مشهد بدأت معه الدول والناس، إلا في ما ندر، تتخلى عن أبسط مضامين التضامن‭.‬ فما حيلة الشعر، وبعض أصحابه يتحولون إلى لاعبي سياسة وجزءا من الجريمة المنظمة؟ فإذا به يتخلى عن تلك القيمة الجمالية، إذ هو ينكر ما حدث ويحدث على أرض الشام من فظاعات وقفت وراءها دولة الاستبداد، أو تسببت بها‭.‬ منكرا في الوقت نفسه على شعب وشباب صادق نزل شوارع أوطانه ينشد كرنفال الانعتاق والحرية لينهي عصر الصمت والخوف والنظام الأبدي المخابراتي‭.‬

أسماء كبيرة في عالمنا العربي ممن يشتغلون باللغة والشعر والفن والجماليات تواطأوا مع الظلم وتحالفوا مع الكراهية وتخلوا عن دورهم في نصرة المظلوم فأرسلوا أقلامهم ضد الضحية في لعبة قذرة ومكشوفة‭.‬

فكان الشعر والفن ضحية أخرى في جوار الضحية الأصل‭.‬

لماذا يذهب الشاعر العربي إلى أقاصي الأرض ليطلق صوته ويقول فكرته، بينما ساحته العربية مغلقة وتكاد تكون مختومة بالشمع الأحمر‭.‬ تلهو الجغرافيات العربية بأسرار المطبخ والدراما المسلية بالهرج والمرج، مشلولة بلا أيّ قيمة للمعرفة أو موقف أخلاقي مما يحدث في مدن الثورات العربية وأريافها‭.‬

لا أحد سيمنح الشاعر فرصة إطفاء نار الجريمة وإشعال شمعة المعرفة‭.‬

لكن الشاعر مطالب بأخذ دوره الريادي في اللحاق بمتغيرات العصر والواقع الجديد في زمنه‭.‬ لكن هل مات الشاعر العربي أم دفن حيّا؟

لعله جلس في المقعد الخلفي خائفا من الاغتيال أو خائفا على منفعة عينية تسحب منه‭.‬

متى كان الشاعر متهما في ضميره، إن لم يكن في هذه اللحظات شاهراً قصيدته، لكونه جَبُن، وتقهقر ولم يلعب دوره في أخذ زمام المبادرة وارتياد ركب التغيير المنطقي لناموس الوجود‭.‬

لمن يكتب الشاعر قصيدته اليوم وأيّ حبيبة خانعة ستقبل بتلك القصيدة المتواطئة مع الصمت؟

الشاعر العربي متّهم بالتخلي عن شعره‭.‬ لم نسمع أو نقرأ إلا للندرة من الشعراء الذين كانت لهم الجرأة وامتلكوا ما يكفي من النبل للحاق بالشارع والشباب الثائر مباركين تلك الاندفاعة الشبابية والشعبية باهظة الثمن من أجل عالم عربي ينهض بطاقات الشباب المكبوت‭.‬ لكن هذه الندرة من الشعراء ظلت ندرة، ولم يتغير المشهد الجمالي العربي‭.‬

على الأقل سجلت تلك الأصوات الشعرية الشجاعة والحرة موقفاً جماليا وأخلاقيا تاريخياً من الجحيم المستعر للسلطة القمعية العربية ممثلة بالعسكر والمخابرات والتي قررت قتل كل شيء ولطالما كانت الثقافة، والشعر خصوصاً فهو محرك الوجدان، في عداد الضحايا‭.‬

هل سيستعيد الشعر مكانته ملهماً الشباب والشارع في هذه الأزمنة العاصفة، فيكون صوتا للحرية وشريكاً في فكرة الخلاص‭.‬

هل سيعلن الشعراء العرب عن مهرجانهم الشعري المتواصل لنصرة فكرة التغيير، وخوض معركة إنقاذ البشر من القتل والتهجير والإبادة الجماعية؟ ألا يستحق الشعب السوري المكافح لأجل الحرية أن يخاطب الشعراء العرب شعراء العالم بوقفة تضامن إنسانية كبرى، وإدانة للمذبحة؟

لا يريد السوريون غداً قصائد عن المقابر الجماعية والحرائق والحطام، لا تريد سوريا أن تستقبل غدا شعراء يقفون على أطلالها ليصفوا هول الحدث بعد فوات الأوان‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.