الصارخ بالحق
الشاعر ضمير عصره وكل العصور هذا ما نعرفه جميعا فإن كان حقيقياً وملتزماً بقضايا الإنسان الحقيقية سيكون أكثر رؤيةً واندماجاً مع كل ما يحدث في مجتمعه وحوله. وإذا ألقينا نظرة سريعة على نتاج ومواقف الشعراء الملتزمين نجدهم قد كانوا ضمن كل حراك شعبي وجماهيري، وصاغوا من مآسي شعوبهم ملاحم وأساطير تحكي للزمن عن كل ما مر بهم. اليوم وفي وطننا ومجتمعنا نبصر مآسي وحوادث وظلماً وفساداً وهجرة وموتاً وخراباً لا يمكن أن يتصورها أيّ عقلٍ إنساني سليم.
لهذا لا بدّ أن يكون للشاعر الحقيقي موقف وكلام، عليه أن يصرخ ويتألم ويلعن ويفضح كل زيف وأن يرسم الجريمة بكل أشكالها ومآسيها ومؤامراتها، مأساة الإنسان ومؤامرات وفساد⊇الحكام أو بمعنى أصح وأكبر عليه ألاّ ينشغل بأمور الرومانسيات والغزل والركض وراء المغريات وما إلى ذلك، بل عليه أن يكون المرآة العاكسة لما حدث ويحدث. أن يشارك بشكل فاعل وملموس بالكلمة والفعل والموقف، أن يفضح زيف الحاكمين وفسادهم ويؤشر على نقاط الخلل، وأسباب الفساد وكيفية معالجته ومحاربته وكشفه للناس. كما عليه أن ينادي بالقيم النبيلة والأخلاق الحميدة وإشاعة المحبة والتآلف والأخوّة بين الناس لا بل يعلّمها لهم، لأن أغلب الناس وتحديدا البسطاء والعامة منهم مخدوعون بالكلام المعسول عن الدين والمذهب والطائفة والقومية وغيرها، وهذه أساس الخراب والسبب الحقيقي للتفرقة والتناحر والدمار. عليه أن ينادي بتهذيب النفوس والكلام وتمحيصه ونبذ التفرقة بكل أشكالها، وأن يطرح رأيه ويُسمعَ صوته للجميع بما يدلل على عمق درايته ومعرفته وإحساسه الحقيقي بالوطن والناس.
الشاعر قبل أن يكون شاعراً هو إنسان يتحمل كل ما يقع على الآخرين وتقع عليه مسؤوليتان الأولى انتماؤه لهذا الوطن والثانية ثقافته ووعيه واختلاف رؤيته للأحداث عن الآخرين لهذا يقع عليه القول والفعل في آنٍ واحد أنه صوت وضمير كلمة وسيف وسوط بوجه الظلم والفساد والمؤامرة فما عليه إلا أن يحارب بكل ما أوتي من قوة ولسان وصرخة حق.
