الضفة الأخرى من الجنة

شعر من أجل غيابها
الأحد 2020/11/01
لوحة لأراندا يعقوب

ريش

1

بعد النهر هناك غابة. وبعد الغابة هناك نافذة تطرزها الفراشات بأجنحتها.

حين أصل إلى تلك النافذة مثل موجة ستراني الفراشات باعتباري شجرة مطرودة من الغابة وتشفق عليّ.

2

ما الذي يسميه الحطاب يده إذا كانت الفأس مكسورة؟ هناك سناجب تضحك لأن الماء أغرق بيوتها من غير أن يترك أثرا على جذوع الأشجار. يشم الحطاب عصاه ويتنفس هواء حياة لم يعشها من قبل ويبكي.

3

تلك قبلة تنبت مثل زهرة، تستيقظ الشجرة بعيدا عن زقزقة عصفور. “أنا تائه في خريف لم يسبقه ربيع ولم يثنه الصيف عن البكاء على ريش أجنحته التي استسلمت لشتاء لفها بصمته” تلك قبلة، صمتها ساخن كالألم.

4

لن يتمكن الرعاة من التعرف على خرافهم في ظل العاصفة. ربما ستعيد أنّة ناي الخراف إلى حظائرها غير أن ذلك لا يعني أنّ خروفا ضائعا سيجد الطريق سالكة نحو حريته. الحرية هي ثغاء خالص.

5

ولدت قبل الشمس بدقيقتين. كان الطقس صاخبا.

لم تكن هناك ديكة تكفي لإطلاق صيحة مسموعة. بعد سنوات وحين تسلقت جدار المدرسة هاربا من درس الأحياء رأيت شعوبا تذهب إلى موتها برؤوس طواويس مرفوعة ولم يكن الفجر ملوّنا بصيحة ديك.

6

ذلك الصباح الذي لم يعد من نومه ملأ مخدته بريش ملاك وتركني تائها أبحث عن الشجرة التي حين لمستها انبثقت منها صيحة فتاة أغرقت الشهوة عينيها بمياه ارتجت حين اخترقت مرآتها أجنحة نوارس هربت ببياض ظلالها إلى الضفة الأخرى من الجنة.

 

فاكهة النهار

انزلق النهار على صحن الفاكهة

وظلت قشوره عالقة بالهواء

هنالك ضوء وزهرة بنفسجية وحيدة تتدلّى من رقبتها. تلك المرأة، حافية القدمين تقف عند البئر في انتظار يوسفها.

لا يكفي أن ترى. ما لا تراه يقيم تحت أهدابك مثل ليلة لم تعشها.

إذا انفتح الباب ولم أجدك جالسة تقرأين في كتاب فلأنّ السماء قد محت من أعالي الأشجار طيورها وزينت أقداح الشاي بزهور يابانية وألصقت جناحين لكل كتاب من كتبك التي تتلفت بحثا عني في الريح التي تضرب النافذة.

 خفة ذرة الرمل تخفي صحراء من الدموع.

إذا كانت يدك فارغة فلأنّ النهار لم يُسقط فاكهته بعد.

في مرآة الوردة

كما لو أن نجمة شقت طريقها في العتمة ورفست بضوئها أهدابي وشهقت “يا فتاي”.

كان حصاني يحلم ببرية يلمع رملها فيما كنت أردد أغنية تركها الفجر على شفتي.

لستُ الفتى المفعم بالريح.

قدماي. آه يا قدميّ ألا تقويان على حملي؟

لو أن وردة وضعت رأسها على ركبة الفجر لضعت في مرآتها.

“الشظية أنت” “وأنت الجرح”.

في ظهيرة يوم غامض سنمشي تائهين بقدمي بجعة طوت بلادها الغيوم.

 

مطر بعد غيمتين

في المطر القادم

ستكون الأرجوحة جاهزة لجلوس فراشة

مثل زجاج  تُكسر الأجنحة

في عتمة المطر.

ما بين سطرين

يتسلل المطر إلى خريفه

يضع رأسه على الوسادة وينام

ليحلم بورقة انزلق على خضرتها

ذلك الصبي أغلقت عينه قطرة مطر بدموعها

لو أنه لم يبك لكان ملكا.

لوحة لأراندا يعقوب
لوحة لأراندا يعقوب

تحت الورقة يغفو ملاك

هو الآخر لا يعرف أن يداً ستراه في حلمها

لقد هلك الاثنان قبل أن تتعرف عليهما الورقة.

لا تزال الورقة خضراء كما لو أن ملاكا لم يغف تحتها

غرباء ينتحلون وجوها لعابرين

نهبط من قطارات، سيُقال لنا إن أحدا لم يرها

وحين نلتفت لا نجد أثرا لسكة

كل ما رأيناه أطفال يرسمون بالطباشير خطوطا تمحوها الريح

تلك فكرة عن سفر لم يقع، قضينا سنوات ونحن ننتظر أن يصل بنا إلى مكان ما.

شارع يحن إلى أرصفته

لمَ لا تغفو المدينة قبل صياح ديكتها؟

لمَ لا تفتح الفتاة نوافذ غرفتها قبل أن يصدأ قلبها؟

لمَ لا يخرج المسافر من الغابة قبل يأكل الصفير عينيه؟

لمَ لا يسمح النهر لأسماكه بالرحيل قبل أن يميتها عشبه الضار؟

لمَ لا تخبر المرأة عينها اليسرى عما تراه عينها اليمنى؟

لمَ لا يتخلّى الحارس عن عصاه وقد أكلها النمل؟

لمَ لا تعود الأرصفة إلى شوارعها بعد كل تلك الأقدام؟

لمَ لا يحن شارع إلى أرصفته وقد فاض هذيان حصاه؟

لمَ لا يطبق عصفور منقاره على زقزقة ينتظرها الصيادون؟

لمَ لا يرجع النهر إلى طفولته في النبع؟

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.