العالم لا يحدث خارج الشاعر
الشاعر ليس مفكرا، لا أعتقد أن من واجبه أن يقدم أجوبة واضحة ومباشرة لما يحدث من حوله، الشاعر يعيد إنتاج العالم وفق رؤيته الحسية له. ووفق ذكائه الحسي. أي أنه لا يتعامل مع الأشياء بثنائية المشكل/الحل، أو السؤال/الجواب، الأزمة/المخرج. ردود فعل الشاعر ليست شرطية، ولا آنية، وهو لا يتعامل مع محيطه وفق مفهوم الانعكاس والتأثر والتأثير بقدر ما هو تشبع واستقبال، أي أنه يتخذ موقفا سلبيا مما حوله، فيستقبل ويتأثر ويتألم وينكسر.. و.. و.. و… هو يضمن ما يراه ويعيشه في رؤية كونية شاملة للعالم والإنسان، تبدأ قبله بكثير، وتنتهي بعده بكثير. هكذا أرّخ شعراء كبار لفترات عصيبة من واقع الإنسانية بقصائد ذاتية جدا لم تشر لا من قريب ولا من بعيد لواقعهم الخارجي. العالم لا يحدث خارج الشاعر، بل داخله، ولا يحدث دفعة واحدة بل على مراحل حسية متفاوتة وانفعالات وتشنجات فكرية أيضا، لكنها ليست موقفا. وظيفة الشاعر (إن كان يصح أن نكلفه بوظيفة) في فترات كالتي نمر بها الان، هي الحفاظ على توازنه ⊇الداخلي والنأي بنفسه عن الأيديولوجيا والتطرف والموقف. في أوقات كهذه يجب على الشاعر أن يجاهد ليحافظ على قدرته على الحب، وإيمانه بقيم السلام، والتسامح، أن يعلي من هذه القيم، وباقي القيم الانسانية، لأنها الوحيدة القادرة على إخراجنا من مآزقنا. لا استغرب من شعراء توقفوا نهائيا عن الكتابة بسبب الوضع الحالي، أو تحولوا إلى كتابة الرواية أو القصة أو التقارير، أو حتى كتب الطبخ، لكن أستغرب من شاعر يكرّس شعره لحل أزمة الإنسانية ومشاكلها الراهنة. الشعر ليس للمنابر ولا المواقف، والشاعر ليس مطالبا أن يتخذ صف هذا أو ذاك، حتى في أسوأ مراحلنا وأكثرها حلكة وراديكالية، ولا يجب أن نطالبه بذلك لأن في ذلك سقطته.