العرب وثقافتهم في مرايا إيطالية
مع ذلك فإن ما ينقل من النتاج الثقافي العربي اليوم لا يتناسب مطلقا مع كمية ما ينتج أدبيا، فكريا، ثقافيا واجتماعيا في العالم العربي الشاسع. هناك اشتغال شخصي ومحدود جدا من قبل عدد قليل من المترجمين الإيطاليين عن العربية، أو المترجمين العرب الأقل عددا من زملائهم الإيطاليين، يعملون على نقل ما استطاعوا من النتاج الثقافي العربي. ويقتصر معظم ذلك على الرواية، القصة والشعر، والقليل القليل من النتاج الفكري، الفلسفي أو الاجتماعي، ربما لأن الغرب لا حاجة له بذلك. في حين تفتقد عملية نشر الثقافة العربية للدعم المؤسساتي بشكل تام.
وحاولنا في هذه المقالة أن نشير إلى ما تُرجم بين العامين 2015 و2016 إلى اللغة الإيطالية من النتاج العربي، سواء ترجم عن العربية، وهو أغلب ما أشرنا إليه، أو عن لغات أخرى اتخذها الكتّاب العرب أداة لنتاجهم الثقافي. ومن الكتب التي صدرت في العام 2015 نجد: رواية “تمر الأصابع” للكاتب العراقي محسن الرملي، “هند والعسكر” للكاتبة السعودية بدرية البشر، “كمن يشهد موته” للكاتب السوري محمد ديبو، رواية “فرانكشتاين في بغداد” للكاتب العراقي أحمد السعداوي، رواية “ذات” للكاتب المصري إبراهيم صنع الله، كتاب أدونيس “العنف والإسلام“، و”مدينة اللذة” للكاتب المصري عزت القمحاوي. هذا فضلا عن كتب أخرى تُرجمت عن لغات أخرى، كالإنكليزية والفرنسية.
في حين صدرت في العام 2016 الكتب التالية: نزار قباني “قصائدي الأجمل“، مجموعة مختارات من قصائد قباني، “خاتم ” رواية الكاتبة السعودية رجاء عالم، “استخدام الحياة” رواية الكاتب المصري أحمد ناجي، التي أثارت جدلا واسعا وبسببها أودع السجن، “التعليمات بالداخل” مجموعة أشرف فياض التي تسببت له بالسجن أيضا، “ترمي بشرر” رواية الكاتب السعودي عبده خال، “نجوم سيدي مومن” رواية للكاتب المغربي ماحي بينبين، رواية الكاتبة المغربية ليلى سليماني “في حديقة الغول” التي حازت على جائزة غونكور، رواية “جوابا” للكاتب العراقي سليم حداد، رواية “كلب بلدي مدرب” للكاتب المصري محمد علاء الدين، والمجموعة الشعرية “حمامة مطلقة الجناحين” للكاتب السوري فرج بيرقدار.
وقد شاركت معظم الكتب التي صدرت هذا العام في معرض كتاب تورينو، وهو معرض الكتاب الأشهر في إيطاليا. وخصصت خلال المعرض قراءات شعرية لكل من الراحل محمود درويش والراحل نزار قباني، فضلا عن قراءات كل من الكاتبين أحمد ناجي وأشرف فياض، تضامنا مع قضيتيهما. ولم تغب أيضا سوريا عن المشهد، فقد دار الحديث عمّا يجري هناك مع الكاتب شادي حمادي، صاحب كتاب “المنفى السوري-2016” أحد الكتب التي صدرت هذا العام.
صورة سوريا
احتلت سوريا ما بعد الثورة موقعا بارزا بعدد الكتب التي صدرت حولها في الأعوام الأخيرة في إيطاليا، ونذكر منها، على سبيل الذكر لا الحصر، كتاب الناشط السوري شادي حمادي سابق الذكر، فضلا عن كتاب كان قد صدر له مسبقا، تحت عنوان “السعادة العربية-2013” الذي قال عنه الراحل داريو فو إنه “فرصة نادرة لتُطلعنا على ما يدور في هذا العالم الصغير”. وصدر أيضا في إيطاليا كتاب “يوميات سورية-2012” للكاتب الأميركي جوناثان ليتل، الذي يتناول فيه بدايات الثورة السورية في حمص مطلع العام 2012. وصدر أيضا “سوريا: من العهد العثماني حتى حكم الأسد، وما بعد ذلك-2013.” للباحث الإيطالي لورينزو ترومبيتا، الذي أقام لفترة في سوريا للدراسة.
ويتناول الكتاب التاريخ السوري في القرن الماضي حتى حكم عائلة الأسد، ثم يعمد إلى تحليل الثورة السورية، أسبابها ودوافعها. كل هذا، برأي الباحث، يساعد على فهم ما ستكون عليه سوريا المستقبل. بينما صدر كتاب للكاتبين الإيطاليين دومينيكو كويريكو وبيير دا براتا، تحت عنوان “بلد الشر، 152 يوما من الأسر في سوريا-2015“. يتناول فيه الكاتبان قصتهما، وقد دخلا عن طريق لبنان إلى سوريا، برفقة عناصر من الجيش الحر، لتوثيق ما يجري في سوريا.
وما لم يكن في حسبانهما هو أن من كانوا يظنونهم أصدقاء كانوا سيسلمونهما إلى عناصر جهادية، تحتجزهم في أسوأ الأماكن وتذيقهم العذاب والأهوال، لمدة 152 يوما. ثم صدر أيضاً كتاب لمراسلة الشبكة التلفزيونية الإيطالية “راي 24» لاورا تانغرليني بعنوان “سوريا المنفية، الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان والأردن-2013“. وكانت تانغرليني قد التقت بالسوريين اللاجئين، ووثقت شهاداتهم وقصصهم عمّا يجري في سوريا، وعمّا يواجهون من حالات مأساوية في بلدان المنفى.
وصدر أيضا “تاريخ سوريا المعاصر-2013” للكاتبة الإيطالية ميريلا غاليتي، باحثة وأستاذة جامعية في تاريخ البلدان الإسلامية في كلية العلوم السياسية، جامعة نابولي. ويبحث الكتاب في تاريخ سوريا وصراعاتها الطويلة مع البلدان المحيطة حتى الاستقلال، متناولا في الوقت ذاته القضايا الكردية، اللبنانية والفلسطينية، لفهم دور سوريا المركزي في الشرق الأوسط. ويلقي الكتاب الضوء أيضا على الثورة السورية وإشكالاتها، نظام الأسد وعلاقاته السياسية، المشكلة مع تركيا ومواقف الغرب ممّا يحدث في سوريا.
وحضر بعض الكتاب في معرض الكتاب في تورينو لتوقيع كتبهم التي صدرت هذا العام، بينهم ليلى سليماني، أدونيس، طاهر بن جلون وياسمينة خضراء. وحين سألوا ياسمينة خضراء (محمد مولسهول) عن أعماله التي تناول بها الإرهاب، أجاب الكاتب “كفى أسئلة عن الإرهاب، نعم لقد تكلّمت عن الإرهاب، ولكني لست مهووسا به. قمت بذلك بدافع الواجب المدني لأنني عسكري قارع الإرهابيين طويلا، ولكنني تحدثت في كتبي أيضا عن الرحلات، عن العواطف وعن المشردين”.
تسويق الإرهاب
والحقيقة فقد صدر كمّ هائل من الكتب التي تتناول في ثناياها الحديث عن التطرف الإسلامي، بالذات بعد الاعتداءات التي تعرضت لها بعض الدول الغربية. لذلك أخذ الحديث عن الوجه السيء للحضارة والثقافة العربية حيزا كبيرا، مقابل الفراغ والفقر الذي يعاني منه انتشار الثقافة العربية في إيطاليا. وتصب معظم الأبحاث على تنظيم داعش، نشأته وعناصره وسياساته. ومعظم هذه الكتب هي لكتّاب غربيين، ونحن هنا نتطرق في الغالب للباحثين الإيطاليين، وتوازي هذه الكتب عدد الكتب الثقافية والفكرية التي ترجمت عن اللغة العربية، من العالم العربي، إلى اللغة الإيطالية. وهذا برأيي يشكل أزمة ثقافية حقيقة استمرت طويلا ولا زالت قائمة، بغض النظر عن أهمية تلك الكتب، ذلك أن الغرب لا زال ينظر إلى الشرق من زاويته الخاصة تماما، ولا يتعرف عليه عن طريق أقلامه.
ونذكر من بين هذه الكتب “داعش، الإرهابيون الأوفر حظا في العالم” للكاتب الإيطالي أليساندرو أورسيني. ويقوم الكاتب بدراسة الأوضاع السياسية والجغرافية التي ساعدت على نشأة داعش، لهذا السبب تماما يعتبرهم الكاتب الأوفر حظا. ثم يتناول دراسة الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة داعش، واعتناقها من قبل مجموعات كبيرة من الشباب، في الشرق وفي الغرب أيضا. ويقوم كذلك بتحليل ودراسة لكل الشخصيات التي نفّذت هجمات إرهابية في الغرب، سواء في أميركا أم في أوروبا، حتى اعتداءات باريس. ويساعد ذلك على فهم الشخصية المتطرفة والإرهابية.
وصدر أيضا كتاب الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري “أفكار حول الإسلام-2016“. أصدر أونفري هذا المقال، وتُرجم مباشرة إلى الإيطالية، بعد اعتداءات شارلي إيبدو، وينتقد فيه الثقافة الأوروبية، معتبرا أن الحضارة المسيحية حضارة منهكة تماما، وأن الأوروبيين بشكل عام فقدوا إيمانهم بحضارتهم. بينما لا زالت الحضارة الإسلامية، حسب رأيه، في أوجها وشبابها، لديها رجالات يدافعون عنها ويفدونها بأرواحهم. ثم ينتقد أيضا السياسات الأوروبية، يمينية كانت أو يسارية، تجاه البلدان العربية والإسلامية.
بل ويشير الفيلسوف بإصبع الاتهام إلى تلك السياسات، كونها العامل الأساسي لخلق “داعش” وتغذيته، ذلك بعد أن قامت الدول الغربية بتدمير بلدان عربية مسلمة بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان أو بحجة حماية أمنها الداخلي، وقد أدى ذلك إلى نشوء هذه النزعة القتالية لدى المسلم. ويقول الفيلسوف إن الدول الأوروبية تحافظ على علاقاتها السياسية والتجارية مع دول يعتبرها ممولة للإرهاب، في حين تقوم بقصف مدن وقرى بسيطة في أفغانستان.
ويعلل أونفري ذلك قائلا بأن الصراع الحقيقي والحروب التي تشنها الدول الغربية إنما هو من أجل مصالحها الاقتصادية، ولا شأن له بحقوق الإنسان أو بالأمن الداخلي وما إلى ذلك. وقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة في الشارع الأوروبي. ونذكر أيضا كتاب “تسويق الإرهاب-2016“، لمجموعة من الدارسين. ويتناول الكتاب عملية تسويق الإرهاب. ويثبت الدارسون في هذا الكتاب أن الإرهاب كان قد مورس في الظل ولسنين طويلة.
أما الآن فكل شيء يمارس علنا، وينشر حول العالم عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد ساعدت وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة على نشر رسالة الإرهاب، وتفشّي الرعب والخوف بالفيديوهات والصور التي يقومون بنشرها. وتعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تحويل العالم بأسره إلى مسرح يعرض عليه الإرهابي ممارساته اليومية وبطولاته، فيشعر بنفسه بطل اللحظة في هذا العرض. ويبحث الكتاب أيضا عن الطرق التي استخدمها تنظيم داعش عن طريق الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة لكسب مشجعيه وتجنيد الشباب، وأيضا لإثبات وجوده وانتشاره وفرض سطوته في كل مكان.
وصدر أيضا كتاب آلدو جانّولي “الحرب ضد داعش، الأخطاء التي اقترفناها، لماذا نكاد نخسر الحرب، ماذا علينا أن نفعل لنربحها-2016»، وجانّولي هو أحد كبار الخبراء الإيطاليين بالشؤون الاستخباراتية والجيوستراتيجية. قام ببحثه هذا حول داعش، وهو برأيه “الوحش” الذي يحاول الجميع قتاله، في حين يحاول بعضهم أن يستخدمه لمصالحه الخاصة، فيقوم بتمويله.
ويقدم جانّولي وجهة نظر مشابهة لتلك التي قدمها الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري، إذ يعتقد أن قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، تحارب الإرهاب منذ أكثر من خمسة عشر عاما، ولكنها لم تعمل سوى على تقويته، بل وخلفت في كل مكان حاربت فيه مسرحا يجول به الإرهابيون. فجاءت النتيجة أن خُلق هذا الوحش اليوم، والذي أزاح الحدود بين بعض الدول، وتمكن من نشر خلاياه وتنفيذ هجماته في كل مكان، حتى في الغرب. ولا يفوتنا أن نذكر صوفي كاسيكي وكتابها “هاربةٌ من داعش-2016“. ولا يروي هذا الكتاب رواية من نسج الخيال، بل هي قصة حقيقية لفتاة فرنسية عاشت جحيم داعش في مدينة الرقة السورية.
كاسيكي شابة فرنسية متزوجة ولديها طفل عمره أربع سنوات، تعمل في مركز استقبال المهاجرين في باريس. يقرر ثلاثة شباب مسلمين مهاجرين فجأة أن يلتحقوا بتنظيم الدولة في سوريا. تتصل بهم صوفيا وتحاول إقناعهم بالرجوع، ولكن يحصل ما لا يتوقعه أحد: يقنع الشباب صوفيا على اللحاق بهم. صوفيا التي تعاني من مشاكل عائلية مع زوجها ومشاكل جانبية أخرى، تجد ضالّتها في الوعود والحياة التي يزيّنها لها الشباب. فجأة ترحل صوفيا إلى سوريا للالتحاق بالتنظيم، حاملة معها طفلها الصغير.
تكتشف الشابة في سوريا الجحيم الذي يعيشه السوريون جراء تصرفات قوات داعش الوحشية، وقسوتهم بالذات مع النساء. تُصدم صوفيا بالحقيقة المرة التي لا تمتّ بصلة لما وصفه لها الشباب، فتتجلى لها الجنة الموعودة جحيما حارقا. فتحاول الفتاة جهدها للهرب من الجحيم، بالذات بعد أن هددوها بفصلها عن ابنها، وبعد مغامرات وأهوال، تتمكن الشابة من الرجوع إلى فرنسا لتروي حكايتها.
طبعا لقد سبقت هذه الكتب كتب أخرى تتناول ذات الموضوع، صدرت بين العامين 2014 و2915، منها “ما يدور في رأس جهادية” للكاتبة الإيطالية أنّا إرلّه، و”داعش، دولة الرعب” للكاتبة الإيطالية لوريتا نابوليوني، و”داعش خلف مشهد الرعب-2015” للكاتبة المغربية سعاد السباعي، و”جندية الخلافة” للكاتبين الإيطاليين سيمونه دي ميو وجوسيبه يانيني. ويروي الأخير قصة الفتاة التونسية التي كانت تدير شبكات الإنترنت الخاصة بالتنظيم، فعرفت عن كثب التنظيم الداخلي لداعش، وتفاصيل دقيقة عن سياساته وكيفية تعامله مع الآخرين.
لا شك أن هناك محاور أخرى يمكن التطرق لها والحديث عنها، فهناك كتب تصدر عن مختلف القضايا العربية، السياسية بشكل خاص، ولكن نحتاج إلى مجال أوسع لإجراء البحث، لذلك نضطر إلى إرجائه إلى مناسبة أخرى، علها تكون سببا ودافعا لمقالة أخرى.