"العقل الخرافي: آثار أور السومرية والمسألة الإبراهيمية"
مجموعة كتاب
المشاركون أمجد شيخة، شوقي عبدالأمير، ليث عبدالأمير، ماجد العامري، ليلى ليلى، د.عبدالأمير الحمداني، د. غسان حكيم حسن، علي محسن الوائلي، فاروق محمد سعيد، كلكامش نبيل صدقي، د. عمر جسام، طالب. ك. محمد، أمل بورتر، باسم فرات، سامي مهدي، د. أباذر الزيدي، د. سعد سلوم، أنور ميتزر، علي حسين، عواد علي، فراس الشيخ الخطيب
نشرت مجلة “الجديد” في عددها الـ74، الصادر في مارس/آذار الماضي مقالاً للباحث الآثاري العراقي عبدالسلام صبحي طه بعنوان “العقل الخرافي: آثار أور السومرية والمسألة الإبراهيمية”، وذلك تزامناً مع زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، ومن بين محطاتها مدينة أور بمحافظة ذي قار (الناصرية) الواقعة في جنوب العراق، على أساس أنها مسقط رأس النبي إبراهيم. وقد فنّد الباحث في المقال وجود بيت للنبي إبراهيم في المدينة؛ متتبعاً جذور المسألة في عشرينات القرن الماضي، ومستنداً إلى آراء علماء آثار وباحثين ومؤرخين أوروبيين وعراقيين. وبيّن الباحث طه في هذا المقال أن المنقّب وخبير النقوش الإنجليزي السير تشالرز ليونارد وولي، مدير بعثة المتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الأميركية في عشرينات القرن الماضي إلى آثار أور، قد ترجم خطأً رقيماً مسمارياً عُثر عليه في إحدى الدور السكنية التي تبعد مئات الأمتار عن زقورة أور على أنه اسم “أبرامو” الوارد في التوراة، ما يعني أن أور مسقط رأسه. وقد دفع ذلك زميله الآثاري البريطاني ماكس مالوان (زوج الروائية آجاثا كريستي)، الذي كان يعمل معه، إلى التسرع في إرسال برقية إلى صديق له في إنجلترا ذكر فيها ذلك الاكتشاف، وحين علم وولي بالأمر وبّخ مالوان بشدة، وجعله يبعث برقيةً ثانيةً إلى الصديق ذاته يلتمس منه فيها الصمت حتى يحين وقت إعلان النبأ، ويعترف في النهاية بأن ذلك الوقت لم يحن أبداً. وقد رافق الأمر آنذاك الكثير من اللغط في الأوساط الآثارية، وتم تفنيد هذه الترجمة، بل والموضوع برمته لاحقًا. وفي كتابه المعنون “النبي إبراهيم”، الذي صدر عام 1936، تغيرت نبرة اليقين المتعلقة بالأمر لدى وولي، وحاول مسك العصا من الوسط من خلال توظيف تعابير لغوية تحتمل أوجه قراءة مختلفة، وهو أمر ربما يُفسَّر على أنه اتقاء لشر الاختلاف مع الجمعيات الدينية التي كانت قد ساهمت في تمويل جزء من حملاته التنقيبية في مدينة أور.
ودعّم الباحث طه مقاله بآراء علماء آثار وباحثين ومؤرخين عراقيين بهدف التحقق من مسألة الدار المنسوبة إلى النبي إبراهيم، وما إذا كانت مدينة أور مسقط رأسه لكي لا يتم تثبيت بعض الوقائع الملتبسة على الخرائط، ويتحوّل مبنى عادي إلى محج ديني مقدس، وربما يتجاوز الأمر ذلك بعد كذا عقد من الزمان ليجري اعتبار منطقة “سهل أور” برمتها جزءاً من ثوابت السرديات الدينية، وما قد يترتب عليها من تغييرات ديموغرافية وسياسية. وقد أجمع هؤلاء الآثاريون والباحثون والمؤرخون على عدم وجود أيّ دليل آثاري يثبت أن الدار التي تقع على بعد بضع مئات الأمتار من زقورة أور هي دار النبي إبراهيم، الوارد ذكره باسم “أبراهام” في العهد القديم، وإنما يرقى أصل هذه الدار إلى العصر الحضاري العراقي القديم الذي يُطلق عليه (عصر إيسن/لارسا)، ويمتد تقريباً من عام 2025– 1730 ق.م.
أثار مقال الباحث طه سجالاً في مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة موقع فيسبوك، تعقيباً عليه، وكذلك على مقال قصير للباحث الأكاديمي والخبير في شؤون التنوع الديني في العراق الدكتور سعد سلوم بعنوان “رسالة موجزة إلى المجتمع العراقي بمناسبة زيارة البابا فرنسيس” نشره في إحدى الصحف، وأعاد نشره في صفحته بالموقع. وقد ارتأت “الجديد” توثيق ذلك السجال وتحريره ونشره، ودعوة الباحثين والكتّاب إلى التوسع فيه بمداخلات ومقالات حول الموضوع تعِد بنشرها في أعدادها القادمة.
سجال مع مقال عبدالسلام صبحي طه
أمجد شيخة
من أين أتى اليهود بأصل فكرة أن موقع بيت إبراهيم في أور؟ على ماذا استندوا في نشر هذه الفرضية؟
عبدالسلام صبحي طه
سؤال مهم لا بد أن يردّ عليه كتبة النصوص، أو من يشتغل على أوليات الموضوع. في المقال جرى إيراد حقائق على أرض الواقع لا غير. فكرة مواجهة النص نفسه خارج نطاق هذا المقال.
أمجد شيخة
سؤالي كان بناءً على ما ذكرته في آخر المقال حين قلت “لا أصل له إلا في مخايل كتبة السرديات”، فسألت لأستشف إن كان لك اطلاع على كيفية تبلور الفكرة في الأصل مما دفعك إلى القول إنه في مخايل الكتبة.
شوقي عبدالأمير (شاعر)
أحييك وأشد على يديك لنشرك هذا البحث الرائع والذي يأتي في وقته.. دمت مسباراً في ظلمة تاريخ صارت اليوم تطغى على شمس الحاضر.
ليث عبدالأمير
عاش العالم القديم على الأسطورة، أمّا الحديث عن وجود بيت لإبراهيم في أور فإنه قائم على كذبة، والفرق بينهما: الصدق في الأول والزيف في الثاني! أحييك على هذا المقال الرائع.
عبدالسلام صبحي طه
حملت البراءة بجنين يدعى الأسطورة والمخيال العفوي، ثم تم السطو عليها من قبل لصوص النصوص، واستحالت إلى جنين لعقائد مؤدلجة.
ماجد العامري
قليلون هم حملة القناديل في هذا الزمن المظلم، دام عطاؤك المخلص.
ليلى ليلى
شكرا لك على المقالة، وكنت قد تابعت حلقات في إحدى القنوات من سنين تؤكد أن هذا الموقع الحالي هو بيت إبراهيم الخليل، وتتتبع هجرته منه إلى سيناء، وقد فند الباحثون والمؤرخون مروره بمكة لأنها لم تكن موجودة وغير مسكونة، بل مجرد صحراء قاحلة.. وليس هنا مجال لتكرار ما ذكروه من تحليلات. ولكن أرجوك لماذا تريد أن تحرم أور من الاهتمام العالمي بها، وتنسب بيت إبراهيم الخليل إلى مكان آخر؟ هذا بالضد من الاستفادة السياحية لنا.. لماذا دائما نحرم الاهتمام بالآثار، وبخاصة أن الآثاريين السابقين من الغربيين هم أعلم وأعرف لأنهم هم مَن اكتشفوا وحللوا.. هو مكان بيت إبراهيم الخليل وإن بُني بالإسمنت.. فهل تريد بيتا بسيطاً يعود للنبي إبراهام كان ليصمد كل تلك السنين لأكثر بكثير من ألفي عام؟ وأيّ تغيير ديمغرافي تتحدثون عنه؟ ألم يكن قوم إبراهيم الخليل يسكنون في أور وكانوا من الكلدان ثم جاء الغزاة من كل مكان ليشردوا العراقيين الأصليين؟ فلماذا تدافعون عن غزاة أور من الصحراويين واليمن والحضارات المجاورة والتتر والمغول وقد غيروها ديموغرافيا، وهجروا الكلدان العراقيين الاصلاء؟ ووارد جدا أننا حالياً أحفاد هؤلاء الغزاة
د.عبدالأمير الحمداني (عالم آثار ووزير الثقافة السابق في العراق)
كلديا وكلدايا ليسوا مجموعة عرقية أو شعب، بل هم حرفيا طبقة من الشعب تراقب حركة النجوم والأجرام، وهم من المشتغلين في مجال الفلك من سكنة المدن العراقية القديمة. ظهرت التسمية متأخرة في العصر البابلي الحديث في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. حينها كان حكام العراق، خصوصا نابونائيد، يهتمون كثيرا بالنجوم ومتابعة السماء، وشجعوا على ذلك. كلديا دلالة على طبقة معينة من الفلكيين في مدن بابل وأور وأورك.
د. غسان حكيم حسن
المقال علمي ورصين، لقد قرأت الكثير عن هذا الموضوع، وفعلاً أن الموطن الأصلي لإبراهيم في أور لم يكن سوى خرافة اخترعها ليونارد وولي لإضفاء القدسية على عمله هناك، ولأغراض التمويل. أشكرك جداً أستاذ عبدالسلام، إنه بحث علمي متكامل، ويضع النقاط على الحروف في موضوع شائك يُراد به ترسيخ أسطورة: من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل. اعتزازي وتقديري.
علي محسن الوائلي
العراق هو مهبط الأديان وبلد الأنبياء والأئمة والصالحين، وهذه الحقيقة بعرفها العالم كبديهية لا تحتاج إلى تحقيق وتأكيد ودلائل. فلا نستكثر على العراق أن يكون محطة وقبلة يحج لها البابا.
عبدالسلام صبحي طه
لو أنك، يا أخ علي الوائلي، اطلعت على المقال جيداً لوجدت أنه لا يبحث في موضوعات التمنيات، أو يقلل من شأن البلاد لا سمح الله. نحن لا نستطيع تغليف ما لا يمكن إثباته، وجعل مجموعة أبنية عامة مزاراً مقدساً. يوجد خيط رفيع لا بد من احترامه. للعراق وأهله منجزات تتجاوز الأكاذيب البيضاء. لنركز عليها لأننا بها نجعل الآخر الغريب ينحني ويرفع القبعة.
فاروق محمد سعيد
أعتقد أن الإجابة عن سؤال ما سبب الإصرار على أنه بيت إبراهيم ستكشف عن الجهة التي تريد تاريخاً لطائفتها ولو على حساب العقل والمنطق والحقيقة. هو بحث عن استمرار المشروعية ومزيد من الإقناع للاتباع بحقيقة وجودهم. شكرا لهذا الحجر الذي القيته في البركة الساكنة.
كلكامش نبيل صدقي
لا يوجد بيت لإبراهيم هناك، وارتباط أبراهام بحرّان التي عاش فيها أكثر من أور التي ترد بذكر سريع فقط، والكلمة غير واضحة لأن كلمة أور تعني مدينة وأرض بالعبرية.
د. عمر جسام
رائع. لديّ فقط ملاحظتان وردتا إلى ذهني أثناء قراءة المقال:
الأولى: إن كلمة أور هي تطوير لكلمة أورو التي تعني مدينة.. فهل أن أور الكلدانيين تعني مدينة الكلدانيين أو مكان تواجدهم؟ أي أنها لا تعني أن أور، المدينة السومرية، كلدانية.
الثانية: في النص القرآني يبدو أن النبي إبراهيم أقرب لأن يكون سومرياً، إذا ما أخذنا دلالة النص القرآني في سورة الأنعام: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ﴿76﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿77﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿78﴾. وهنا توضيح للكوكب والقمر والشمس.. وهو ثالوث الديانات في المعتقدات السومرية.
عبدالسلام صبحي طه
بالنسبة إلى الملاحظة الأولى، نعم أتفق معك، وقد وردت في المقال. ولكن الورطة تكمن في دخول وولي وإحيائه للفكرة بتلفيق الكشف الذي أثار اهتمام، بل وتشجيع الجمعيات الدينية. أما في ما يتعلق بالملاحظة الثانية، فلا أعتقد بإمكانية القول إن السومريين وحدهم عرفوا ثلاثية ديانة أوتو وننار وإينانا، بل إنها وجدت في مصر والمكسيك والبيرو. وذلك ربما لأن هذه الكواكب واضحة وقريبة من بصر المراقب والفلكي والكاهن وحتى الفلاح، ولها علاقة بالزمن وأحوال الزراعة.
طالب ك محمد
المقال إضاءة جميلة لمكان عريق لم نهتم بما يستحقه أو بالتشويه الذي طاله في عمليات ترميم غبية كما حدث لبابل أو غيرها من معالم عباسية مهمة تم طليها بالكلس، مثل المدرسة المستنصرية أو قصر البركة العباسي شرق سامراء. ولا أعتقد أن الأمر ينطوي على هدف أعمق بقصد تأسيس شرعية جديدة لتوراتيين يحلمون بدولة يهوه تمتد من النيل إلى الفرات. أنا أرى أن العالم غادر هذه الروايات، كما أعتقد أن الأنبياء تصنعهم المدن للرد على الرذيلة وغيرها من الممارسات التي لا نراها إلا في المدن، فتنبثق الديانات التي تتوعد الضالين. ثم إن الصحراء والبداوة لا تصنعان نبياً أو ديانةً. هذا هو رأي الشخصي، علماً أنه غير متخصص أكتبه هنا ولا يرقى إلى تخصصكم.
أمل بورتر (باحثة وفنانة تشكيلية بريطانية/عراقية)
المقال بحث مهم جداً كان لا بدّ منه، فهو يستند إلى الوقائع والتحريات والتنقيبات والتراجم وما خلفته لنا حضارات العراق كلها من وثائق ومدونات على الطين يجب أن لا نغفلها أبداً، ولا يمكن نكرانها والاعتماد على خطأ جرى الاعتراف به لمجرد استمرار الدعم المادي، شكرا عبدالسلام طه، إنك تغبطنا بما تكتب ولا تتردد.
عبدالسلام صبحي طه
نحاول أن نكون جزءا من حل لا مشكلة مستقبلية. الورطة أن من هم على الأرض، وبعضهم متخصص، إما يغضون النظر أو يصفقون للموضوع، وكان علينا أن نستجدي اهتمام العالم بتسويق الأكاذيب. هل تحتاج أور إلى تسويق في رأيك؟ والله أتمنى لو أن غطاءً يهبط من إحدى زوايا الكون ويغلفها حتى أساساتها، فلا نراها إلاّ عبر الزجاج، ولا نلوثها باللمس، بل ندعها ترتاح بعد أن تبوأت مكانها المشرّف في التاريخ.
باسم فرات (شاعر وكاتب)
أحيي جهودك صديقي. يجب إزاحة الخرافة عن التاريخي. استمتعت كثيرًا بالمقال.
سامي مهدي (شاعر وكاتب)
أبرام نفسه شخصية أسطورية وليس شخصيةً تاريخيةً.
د. أباذر الزيدي (أستاذ آثار)
اطلعت على مقالكم الرائع وآراء الباحثين، وأتفق مع ما ذهب إليه الأخوة، وأود أن أوضح بأنه لم يُعثر على أي لوح يَذكُر “أبراموا”. وقد تبنيت البحث عن هذا الموضوع ولم أتوصل إلى نتيجة. سألت العديد من الباحثين والمختصين في علم الآثار، ومنهم البرفيسور مانويل مولينا الإسباني الذي جمع أغلب النصوص السومرية المنشورة، فلم يؤكد لي أنه اطلع على مثل لوح كهذا. في رأيي القاصر أن البيت المزعوم للنبي إبراهيم هو بيت من العصر البابلي، ولأسباب سياسية ودينية ومالية أطلق عليه بيت النبي إبراهيم.
سجال مع مقال سعد سلوم
استهل الدكتور سلوم سعد مقاله قائلاً “ليست زيارة البابا فرنسيس فريدةً من نوعها لأنها رحلة للكرسي الرسولي يمر فيها في أرض إبراهيم، في أرض سومر وبابل وآشور فحسب. إنها لحظة تاريخية لأن العالم يراكم، أيها العراقيون، كما أنتم، لأول مرة”. وابتدأ السجال حول ما جاء في المقال بتعليق كتبته الدكتورة أمل بورتر، وأسهم فيه كتّاب آخرون.
أمل بورتر
حتى الآن ليس من إثبات أن أور أرض إبراهيم. ما قاله تشالرز ليونارد وولي كان خطأ تم تصحيحه.. إقرأ بحث عبدالسلام طه، وعد إلى سجلات المتحف البريطاني وبعثات التنقيب… في سومر وأكد وبابل وآشور كتبوا على الطين. سجلوا كل شيء… لا يوجد حتى الآن دليل مكتوب…
د. سعد سلوم
لم أكتب ما كتبت لأثبت أو أنفي دليلاً من التاريخ، بل لأحتفي بأرض فقدت هويتها، تخيلي أن البابا يريد زيارة أور كأرض إبراهيم ونرد عليه بالقول نعتذر لأنها ليست كذلك.
أمل بورتر
لا نعتذر، ولكن كل شيء ممكن أن يكون صريحاً، حقيقياً. نقول له أهلاً وسهلاً في أرض كلكامش وإينانا وحمورابي وشولجي وكربلاء ونينوى ولا نكذب.. في دينه الكذب من الخطايا الكبيرة. نحن نراعي الأدب ونحترمه ولا نكذب عليه. نقول له حتى الآن لا نص مكتوباً على الطين… لو وجدناه ستكون يا بابا أول من يتسلمه منا.
أنور ميتزر
الإيمان والدين لا يتوافقان بالضرورة مع التاريخ والآثار.. العراق الرافديني هو فعلاً أرض حمورابي وآشور وأريدو وأكد وووو.. لكن البابا يمثّل الجانب الإيماني، ولا ضرر من أن يتواجد في العراق العمق الإيماني الديني مع الدليل الآثاري.
علي حسين (كاتب وصحافي)
لا أعتقد أن البابا بهذا الغباء حين يقول إن أور أرض إبراهيم، فهو أيضاً يقرأ ويدرك ما يقوله.. ما يهم هو الزيارة وهي مهمة للعراقيين جميعاً، أما ما يؤمن به البابا ويعتقده فهو شأنه وعلينا احترامه. لم يكن من المناسب أن ينشر عبدالسلام طه هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، وكأنه يقول له لا تأتي إلى هذه البلاد.. والغريب أنني قرأت مقالات لكتاب عراقيين يطالبون البابا بعدم زيارة العراق.
أمل بورتر
كلنا نرحب بالبابا، ولا نشك أبداً في كونه ليس غبياً، ونتفق معك في ذلك. ولا أعتقد أن البابا وغيره سيبحث عن تقارير التنقيبات في العراق في بداية القرن الماضي، فهي أولا لم تنشر إلا ضمن رسائل البعثات التنقيبية.. ولو طلبها الآن من المتحف البريطاني والكنيسة الداعمة مادياً لتلك التنقيبات، ويطلع البابا على رد رئيس البعثة حينها سيجد النص الذي تحدثت عنه. نعم نحن لا يهمنا ما يؤمن به، ولكن كلنا نحب أن يكون كلامنا لا شائبة فيه، وأن يكون حقيقياً وصائباً.
علي حسين
اسمحي لي أن أسال: منذ زمان توجد دراسات عن أن أور بلاد إبراهيم، أين كانت البحوث التي ظهرت الآن ورافقت زيارة البابا؟ لست بصدد التشكيك في ما كتبه عبدالسلام طه، وأيضاً بالمقابل أنا أحترم قناعات البابا وإيمانه. تعليقي كان: لماذا الآن نقول للبابا إنك غلطان وتبحث عن الوهم، وإن إبراهيم الذي قطعتَ مئات الأميال وخاطرتَ بنفسك لزيارة بيته لا وجود له في العراق. شيء غريب أن تظهر هذه الدراسات الآن بالذات.
أمل بورتر
لم تظهر الآن، نحن نعرفها من زمان، وكُتب عنها بلغات أجنبية، وكتبنا عنها أيضاً. كم شخص يقرأ مجلة سومر منذ أن ظهرت في أواخر الأربعينات، وغيرها، أو ما يُكتب عن الآثار والتنقيبات في دول غربية بلغات غير عربية؟ هذا مثال لا أكثر، ولكن لنعاتب من لم يقرأ ولا يهتم بعملنا وبما نكتب… ما زلت أرحب بالبابا، وأرجو أن يذكر أرض العراق وشعبه في صلواته، ويتبرك بأرض الشهداء. وستبقى التنقيبات مستمرة، وربما سنجد البرهان. لا تصدروا الأحكام قبل وجود الدليل.
عبدالسلام صبحي طه
كنت قد نشرت موضوع بيت إبراهيم في أور عام 2010 على صفحة عالم الآثار الراحل د. بهنام أبوالصوف، أما لماذا الآن فإني أجيبك بالضبط حين تجيبني على سؤال: لماذا تتزامن زيارات الباباوات فقط حين يكون العراق إما محاصراً أو ضعيفاً منهاراً؟ لماذا لم نسمع عن رغبة البابا بزيارة العراق إبان السبعينات مثلاً؟ السؤال افتراضي محض، لكنني سأكرر عليك السؤالين الذين طرحتهما عليك مباشرة على صفحتك ولم ترد عليهما حتى الآن: هل تعتقد بتاريخية النبي إبراهيم؟ وهل تعتقد أيضا أن أور (تل المكير) هي مسقط رأسه؟ أجبني عن هذين السؤالين وأترك السؤال الافتراضي.
علي حسين
ربما لأن الموضوع الذي أثرته في تعليقاتي لا يتعلق بصحة أو عدم صحة وجود بيت إبراهيم في أور، فالموضوع بالنسبة إليّ يتعلق بأهمية الزيارة في هذا الوقت الذي يمر به العراق، ومثلما لا أستطيع أن أناقش بوذياً أو هندوسياً في قناعاته الروحية والدينية، فإنني أحترم أيضا قناعات البابا الذي يعتقد أن العراق مهد الأديان. أما لماذا الآن، فنحن نعرف أن البابا يوحنا بولس كان يرغب في زيارة العراق أيام صدام، والحكومة آنذاك وجدت أنها لا تستطيع توفير جوّ آمن للزيارة بسبب الحصار، والمعارضة العراقية اعتبرت الزيارة دعماً لنظام صدام فتم إلغاؤها. يا أستاذنا، عندما زار البابا مصر لم نجد أحداً من الكتًاب أصرّ على أن حكاية موسى خرافة، أو أن زيارته لها أغراض سياسية مثلما يتصور البعض الآن للآسف. ما تبقى من المسيحيين في العراق يحتاجون إلى التضامن والدعم والتأكيد على أن هذه البلاد بلادهم مثلما هي بلاد جميع طوائف العراق.
عبدالسلام صبحي طه
لم يتعلق موضوع المقال برفض الزيارة بتاتا، لذا أرجو أن يكون الأمر واضحاً. منذ البداية نرحب به وبمن هم على شاكلته من الذين يحملون الهم الإنساني، ويشعرون بالأوجاع التي يعاني منها الآخرون. على العكس هذه مبادرة نبيلة نشكره عليها، ونشد على يده، وأهلاً وسهلاً به في العراق برمّته، ولينتقِ أيّ كنيسة، أو حتى المنطقة الخضراء ويجعل منها كرسياً لرسالته الإنسانية بما فيه خير البشر. ونحن في هذا الأمر متفقان، ولكننا سنختلف حين تقول لي لنغض النظر عن أمر أصل إبراهيم أو مسقط رأسه، فلدينا أولويات وهي مصلحة العراق. فليكن هذا البيت الذي تحوم حوله الشكوك بيته، وليصبح مزاراً مقدساً يوحد الجميع. أين المشكلة؟ ولماذا نطرحها الآن تحديداً؟ هنا سأقول لك توقف أرجوك، أنت الآن تسمح بتمرير أكاذيب وتجيزها، وحينما تهرب إلى ملاذك ربما ستحاور نفسك بطريقة مختلفة (بخصوص السؤالين اللذين طرحتمها عليك ولم تجبني عنهما). الكاتب يتحرك ضمن منطقة ملغومة ولا يوجد هنا لغم حميد وآخر خبيث، أما الميليشيات والولائيون والعصابات المارقة فهذه منهجها مختلف، ولا علاقة لما نطرحه بأفكارها. وأيضا لا علاقة لنا بما فعله المصريون مع موسى، دعهم يتعلموا منا لا العكس، أم كُتب علينا أن نتبع إما المصري أو الايراني؟
علي حسين
للأسف، عندما نختلف في قضية نتهم الآخر بتمرير الأكاذيب. لقد أجبتك عن الأسئلة التي طرحتها، وأنا لا أناقش الزيارة من ناحية أثرية أو تاريخية، بل من نواح أخرى، والاختلاف في الرأي لا يدفعنا إلى أن نشكك في نوايا الآخر.
عبدالسلام صبحي طه
لم يتهمك أحد بشيء، فلا تتحسس من فضلك، أنا أناقشك من باب ذكرك للمقال وتوقيتاته، وهو مقال مجتزأ من دراسة أكاديمية تبحث في قضية حساسة، ولها أبعاد لا يمكن أن نغض النظر عنها، أو نبلع حبة أسبرين لتهدئة الألم في صحة العراق وشعبه. وأنا نشرت في كتاب دراستي الأولى عن القبر المنسوب للنبي يونس، وسيسرني أن تقبل به هديةً. نحن على أرض مستوية وتحت الشمس، وأقولها لك، بكل صراحة، لا يمكن غض النظر عن هذا الأمر علمياً بسبب حراجة التوقيتات. إن كان لك رأي أثري أو تاريخي فإليّ به وأكون لجنابك، ولمن تعتقد أن لديه هكذا دليل، من الشاكرين.
عواد علي
عزيزي دكتور سعد، نعم ينبغي أن نرحب بزيارة قداسة البابا للعراق، لكن هذا لا يمنع مناقشة صحة أو عدم صحة وجود بيت لإبراهيم في أور، فقد أكد الآثاريون عدم وجود بيت يُنسب إليه، وثمة التباس في الموضوع. لذا لا أجد ضيراً في ما كتبه الصديق الباحث عبدالسلام صبحي طه، فقد استند إلى آراء علمية يُشكر عليها.
فراس الشيخ الخطيب
شكرا دكتور سعد على كلماتك الجميلة والصادقة. تختلف الآراء ويجب احترامها. أقول إن قداسة البابا يعتمد على ما ورد في العهد القديم عن إبراهيم الخليل، ولو لم تكن أور موطنه لماذا لم يعتمد كتاب التوراة على ما قيل عن “أورا” الواقعة حاليا جنوب تركيا؟ ما هي مصلحتهم في عدم ذكر الموطن الحقيقي في كتابهم المقدس؟ المهم الآن أن العراق يحتاج في هذا الوقت بالذات لهذه الزيارة، التي قد تعيدنا إلى العالم كدولة، وإن كنت شخصياً غير متفائل لا بحكومتنا ولا بأحزابنا، ونحن نعرف أن أغلبهم ليسوا من بلاد ما بين النهرين في أصولهم. ختاماً، يجب استقبال قداسة البابا ضيفاً عزيزاً، والرجل يستحق كل تقدير، ليس فقط بسبب مكانته الدولية، بل كونه إنساناً لديه محبة وإنسانية وشعور بالمظلومين.