الكتابة عن المهملين والمخدوعين

الجمعة 2016/04/01

الرّوائيّ الحقيقي يعيش مواجهة يومية مع كل شيء حوله. لذا عليه أن يكون منسجمًا مع نفسه بالدرجة الأولى، وألاّ يكون شيئا، وكتاباته شيء آخر. يفترض بالرّوائيّ صاحب المشروع التنويري -الأقدر نظريًا على قراءة الأحداث وتقشيرها- الوقوف بصلابة أمام حالة الاختطاف السّياسي والدّيني التي منيت بها مجتمعاتنا العربية على مدى تاريخها الطويل. ثمّة مشروع ظلامي موجع وخطير، يؤرقنا ويجثم على صدورنا، ولا بد من مواجهته وتعريته وفضحه، هذا المشروع للأسف يقتات على فكرتين اثنتين: واحدة دينية متطرفة، والأخرى دكتاتورية عسكرية وأمنية، وكلا الفكرتين، يحتم بقاءهما، سلب الشعوب وتجريدها من كلّ شكل من أشكال الحرية والحياة، فهما على النقيض تمامًا من الحرية ومفرداتها، لذا مَن غير الرّوائيّ، يمكن أن يتصدى للكتابة عن المتروكين والمهملين والمخدوعين، التوّاقين للحرية والساعين لغد أجمل! للأسف العالم العربي اليوم يدفع ضريبة الصمت الذي تواطأ عليه الجميع سنوات طويلة، وعندما لا يعود الصمت خيارًا، لا بد أن ترتفع الأصوات ويدافع الناس عن حقهم في هذه الحياة. شخصيًا لا أعتقد أن ثمة قيمة في هذه الحياة أعلى شأنًا من الحرية، الحرية أوّل وأهم قضية تمس حاضرنا ومستقبلنا وشغفنا بالحياة. الحرية لا تنبت على الشجر، ولا نعثر عليها عند مفارق الطرق، درب الحرية من أطول الدروب وأقساها، لأنه ببساطة ما يميز الشعوب الحية عن تلك التي ارتضت العيش على الهامش، لذا أتمنّى أن نصل لذاك اليوم الذي تصبح فيه الحرية قيمة عليا في عالمنا العربي، ندافع عنها كما ندافع عن حقنا في الحياة وفي رغيف الخبز، الحرية ليست حلمًا يغفو على الوسادة، بل اشتباك ورهان حقيقي على الحياة وأشكالها المختلفة، ولا يجب تحت أيّ ظرف من الظروف أن نقبل المساس بها. نحن ببساطة مكبّلون من شتّى الجهات، وإزاء هذه الخيبات والإخفاقات التي تحيط بنا من كل اتجاه، أظن أن أقل شيء يمكن للواحد منا أن يفعله، هو أن يُبقي هاجس الحرية حيًا في داخله، وأن يغذّيه ويدافع عنه قدر استطاعته. وتلك مهمة الرّوائيّ والأعمال الرّوائيّة التي تحكي حاضر الناس ومستقبلهم. أي شخص يمعن النظر قليلًا لن يرى سوى الكبت والظلم والقمع والفساد، وحتى القتل الذي استشرى حولنا، فوسط هذا العالم الغارق في الألم والمرارة والبشاعة، يجد الرّوائيّ نفسه مدفوعًا للوقوف في وجه كلّ من يحاول أن يسلب منا أشياءنا البسيطة والجميلة، التي لم نعد نملك غيرها في هذه الحياة التي تريق علينا مرارات لا حصر لها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.