المرأة‭ ‬تنقذنا‭ ‬من‭ ‬القسوة‬‬‬

الأحد 2015/03/01
لوحة لأحمد عنان

لم يسبق للحديث عن أزمتنا الثقافية والفكرية والاجتماعية أن بلغ ذروته كالتي يستعر فيها هذه الأيام‭.‬ بل إن اشتباك تناقضات مكوّناتنا الثقافية والتاريخية جعلتنا أخطر ثقافة على مستقبل الحياة على هذا الكوكب‭.‬‬‬

في الوقت نفسه، يمكن القول إن جميع شعوب العالم كانت تتصف بمعظم ملامح أزمتنا وقسوتنا وتطرفنا حتى وقت قريب، ولنقل حتى نهاية الحرب العالمية الثانية‭.‬ وحين بدأ العالم بالانفتاح، ركبنا مع بقية شعوب العالم موجة التحرر حتى نهاية السبعينات أو أكثر من ذلك بقليل‭.‬‬‬

لم تكن ملامح الحياة المعاصرة في باريس ولندن تختلف كثيرا عن نظيراتها في بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة وتونس والجزائر والدار البيضاء‭.‬‬

كان من النادر أن تجد قرويا أو بدويا، أو أي إنسان بسيط لا يريد لابنه أو ابنته أن تنتمي للمجتمع المدني المتحرر وأن يتخرج هؤلاء البنين والبنات من الجامعات ويرتادوا أفضل المسارح ودور السينما والمراكز الثقافية‭.‬‬

نكستنا الشاملة بدأت بعد ذلك، مع بدء انهيار بنية المجتمع المدني وظهور أحزاب الإسلام السياسي، التي أشعلها وصول الخميني إلى السلطة في إيران، لينفتح قمقم التاريخ وتخرج أمراضه الغافية‭.‬‬

أولى ضحايا زلازل الإسلام السياسي كانت المرأة، التي بدأ دورها بالانحسار مع إيقاظ بعض الكتب الدينية الهامشية المتخلقة من العصور المظلمة‭.‬‬

وكلما انحسر دور المرأة وتزايدت ذكورية المجتمع، ازدادت مظاهر القسوة والعصاب الجماعي وإقصاء الآخر فكرا وحضورا‭.‬‬

ينبغي الانتباه إلى أن المجتمع المدني الحديث المنفتح على الآخر، لم يكن له وجود قبل تحرر المرأة إلا في جزر ضئيلة معزولة، إذ لا يمكن لنا أن نستدل على حياة المجتمعات في العصور القديمة من بلاط الملك أو الخليفة أو الإمبراطور، لا في بغداد ولا روما أو باريس أو طوكيو‭.‬‬

الحقيقة الكبرى الماثلة، هي أن المجتمعات البشرية لم تخرج من حلقات القسوة والتطرف والإقصاء قبل أن تحتل المرأة دورها الواسع في المجتمع!

فأوروبا مثلا، لم تكن حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، في حروب متعاقبة، بل كانت في حرب مستمرة تتخللها هدنات متقطعة على مدى تاريخها، الذي كانت خلاله مجتمعا ذكوريا، ولم تكن المرأة فيه سوى ديكور للحفلات الأرستقراطية‭.‬‬

ولم تكن المرأة أفضل حالا في قسوة الصراعات الأميركية أو مجتمع المحاربين الياباني أو التقاليد الصينية المحكمة أو عصور الظلام العثماني المطبق‭.‬‬

كان من السهل أن تجد القسوة والعنصرية والتطرف بين أكبر الكتاب والمفكرين والفلاسفة في تلك العصور‭.‬ لكنك لا يمكن أن تجد ذلك اليوم إلا في أوساط الهامشيين والغاضبين‭.‬‬‬

اتساع حضور المرأة ودورها في الحياة، أخرج تلك المجتمعات من العصاب والقسوة، لأن الرجل أصبح محاطا بالنساء في جميع دروب الحياة، ولم يعد يستطيع أن يكون عنصريا أو متطرفا، إلا إذا كان في الهامش‭.‬‬

الحديث يدور الآن ومنذ عشرات السنين عن إمكانية اتساع العنصرية في أوروبا، ولكن ذلك إن حدث فإن المرأة ستكون أولى ضحاياه، لذلك فإنها لن تسمح للقسوة بأن تخرج من الهامش الصغير المعزول ما دامت تحتل قلب المجتمع‭.‬‬

مثال تونس، التي لم تتمكن كل مقومات الانهيار من منعها من الإبحار بهدوء نسبي في قلب العاصفة، كان بسبب نسبة تحرر النساء المرتفعة في البلاد، والتي مكنتها من الخروج بأقل الخسائر من أقسى المخاضات الممكنة‭.‬‬

فالإسلام السياسي واحد في كل أشكاله، والغنوشي لا يختلف عن مرسي أو هنية أو أردوغان، لكن حضور المرأة في تونس هو الذي منع نيران الإسلام السياسي من التهام البلاد‭.‬‬

اتساع دور المرأة وحضورها في المجتمع هو الوحيد القادر على إخراج المجتمعات من حمّى القسوة والعنصرية والإقصاء‭.‬‬

أليس غريبا ألاّ نجد أي مجتمع متحضر في خارطة العالم اليوم، إلاّ وقد احتلت المرأة دورها الواسع في مختلف جوانب حياته‭.‬‬

العكس صحيح أيضا، إذ لا يمكن أن نجد دورا واسعا للمرأة في أي مجتمع ينتشر فيه التطرف والقسوة والإقصاء‭.‬‬

لفت انتباهي في السنوات الأخيرة أن المنظمات الإنسانية العالمية وتلك التابعة للأمم المتحدة أصبحت توصي بتعيين النساء في المناطق التي تعمل فيها، والسبب الذي تورده هو أن النساء أقل عرضة للإفساد الإداري والمالي، بما لا يمكن مقارنته مع الرجال‭.‬‬

في جميع دول العالم يقوم الرجال بالنسبة المطلقة من أعمال القتل والسرقة وجميع أنواع الجرائم، وهي تقلّ كلما ازداد حضور المرأة في الحياة العامة‭.‬‬

حين تتحرر المرأة يتحرر الرجل ويزداد مدنية وتحضّرا، وحين تستعبد المرأة يسهل أيضا استعباد الرجال من قبل الزعماء وتجار الدين والسلطات الشمولية المطلقة‭.‬‬

أليس من السهل الاستنتاج أن حرية المرأة هي السبيل الوحيد لإخراجنا من قسوة القطيع المفترس.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.