المعجبون صناع الفنّ المجهول
لا يحضر فنّ المعجبين أو الـ”fan art” بشدة في المنطقة العربيّة، فهو مجموعة الأشكال الفنيّة التي ينتجها معجبون بشكل فنّي ما، والتي تُنشر ضمن قنوات هامشيّة لا تنال الاعتراف الكافي، وهنا تبرز أهميتها، بوصفها تعليقاً أو امتداداً لأثر العمل الفنيّ على المتلقين الذين يحتفون بالشكل الفنيّ أو يستوحون منه تجاربهم وأشكالهم الفنيّة الخاصة.
المثير للاهتمام في فن المعجبين بأنه لا ينتج من قبل فنانين مُشرعنين في الكثير من الأحيان، بل يعتمده الهواة وأصحاب المواهب، كونه يتحول في حال أنجزه فنان إلى محاكاة ساخرة أو “فن رسميّ”، هذه الخصوصية التي يحويها فن المعجبين تجعله مساحة للتعبير الحر، وتقديم وجه نظر شخصيّة عمّا هو جماهيري ومعروف، لكن هذا الشكل الفنيّ مهدد دائماً بالاختفاء، كونه يصنف في الكثير من الأحيان كهواية، كما تقف في وجهه قوانين النشر وحقوق الملكيّة، فمحاولة إتمام رواية لجيمس بوند مثلاً قد يؤدي إلى دعوة قضائية مرتبطة بملاّك حقوق هذه الشخصيّة، ذات الشيء مع ميكي ماوس الخاضع لملكيّة والت ديزني، لنرى أنفسنا أمام مساحة جماليّة تقف في وجهها القوانين من جهة والاعتراف الفنيّ من جهة أخرى.
لا نقصد بفن المعجبين أعمال النسخ والتصوير الحرفي، خصوصاً أن أعمال “المعلمين” تبدو عصيّة على المحاكاة، ولا يصنّف ما يشبهها كأعمال معجبين، وكأن “الفن الراقي” منيع ضد آراء الآخرين، هو مغلق، ويمكن فقط تقليده لا إتمامه أو استكمال حكاياته، فأغلب الأعمال التي تحاكي أعمال المعلّمين تصنف كـ”parody” أو شكلاً من أشكال الحنين النوستالجيّ لزمن الفنّ الراقي.
يقدم فنّ المعجبين وجهة نظر مختلفة لا تنتشر جماهيرياً في الكثير من الأحيان، فالمؤسسة الرسميّة ترى فيه شكلاً فنيّاً لم يصمم ليكون علنياً، لكن الملاحظ أن هذا الشكل من الإنتاج الفنيّ مقبول فيما يتعلق بالرموز الوطنيّة والثقافيّة، والمحاولات الفرديّة للتعبير عن موقف يرتبط بصور القادة أو الفنانين، هذا الموقف نابع من رغبة الشخصيّة بمخاطبة ما هو معترف به ومُشرعن، سواء لانتقاده أو لتكريسه، كما نرى في الكثير من اللافتات المرفوعة أثناء الربيع العربيّ التي تحوي تحويرات للرموز الوطنيّة وسخرية منها، بوصفها أيقونات تنتمي للخطاب الوطنيّ كما لافتات كفر نبل، التي نالت شهر عالميّة، لكن بالنظر إلى اللافتة فقط، خارج السياق المرتبط باستعراضها في الفضاء العام بوصفها شكلاً من أشكال الاحتجاج السياسي، نرى مكوناتها مشابهة لفن المعجبين، فهي تقدم تعليقاً على حكايات وأشكال سياسية رسميّة أنجزها “الهواة” لا بصورة تسعى للإتقان، بل لنقل الموقف السياسي والتعبير عنه جمالياً.
أثناء البحث في هذه الظاهرة لفت انتباهنا الفنان الشاب الجزائري شمس الدين بلعربي، الذي كانت تجذبه الصور البراقة لنجوم السينما في الجرائد التي كان يلتقطها من على الأرض أثناء عودته من المدرسة، ويأخذها معه إلي البيت ويرسمها، ما شد انتباه معلّميه، وبالرغم من الصعوبات الحياتية التي واجهها، إلا أن إعجابه بصور ممثلي السينما بقي مستمرا، ويقول إنه عندما كان يذهب إلى قاعات السينما كانت تشده الأفيشات والصور الضخمة للنجوم عند أبواب القاعة، ما شكّل حافز كبيراً له لكي يرسم ملصقات الأفلام وبعض لقطاتها، بعدها قرر بناء ورشة صغيرة في إحدى الغابات المجاورة لمنزله فكان يذهب مساء إلى السينما وعندما يعود يتجه مباشرة إلى ورشته المظلمة ويرسم كل ما شاهدته في قاعة السينما، وبعد فترة بدأ يرسل الرسومات إلى شركات الإنتاج السينمائية الأميركية في سبيل نيل الاعتراف الفنيّ والتقدير اللازم.
أثمرت نهاية جهود شمس الدين إذ نشر الممثل العالمي “جان كلود فان” دام صورة على موقعه الرسمي وهو يحمل واحدة من رسوماته ويوجه تحيّة له، ذات الشيء في صورة محمد علي كلاي التي رسمها شمس الدين ونالت إعجاب أسرة الملاكم الذين تواصلوا معه وشكروه على جهوده، كما فعل الكثيرون ممن قام برسم صورهم.
هناك أيضاً أعمال الهواة التي تحاكي أشهر الرموز الثوريّة كحالة حنظلة للفنان ناجي العلي، أو صورة تشي غيفارا، اللذين يعاد إنتاجهما دوماً ضمن سياقات مختلفة، بوصفها أيقونات تدخل في التكوين الثقافيّ العام وتختزن موقفاً من العالم والقضية الفلسطينيّة والنضال الثوري.
تحاول تجارب المعجبين دوماً تقديم رؤية مختلفة لما هو رسميّ وإضافة لمسة شخصيّة، تتحرك خارج القطاع الفنيّ الرسميّ، هي تبدو كأنها هواية، مع ذلك تنال في أوروبا والولايات المتحدة اعترافاً هائلا بوصفها مساحة قادرة على تقديم أًصوات ومواهب جديدة، في حين أن ندرتها في العالم العربيّ، يمكن أن يعزى إلى غياب مفهوم القطاع الفنيّ، إلى جانب سعي الأكاديميات لاحتكار مفهوم “الفن” ومنتجيه، كون فن المعجبين يثير تساؤلات حول ماهيته نفسها كفنّ، إذ يراه البعض مجرد تبنٍ لجهد إبداعي أنتجه شخص آخر، أو تقليد هاو، إلا أن هذه الحجج واهية وغير متماسكة، كون كل شخص يمتلك أسلوبه، واحتكار العمل الفنيّ مفاهيمياً ومادياً هو جانب قانوني و إداري أكثر منه جماليّا و إبداعيّا.