الميديا‭ ‬والعنف

الأحد 2017/01/01
لوحة: محمد ظاظا

ينبني ‭ ‬الموقف‭ ‬الإنساني‭ ‬عبر‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬وعاشها‭ ‬الفرد‭ ‬وإلى‭ ‬لحظات‭ ‬الطفولة‭ ‬ذات‭ ‬الأثر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬نشأته‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المشاهدات‭ ‬التي‭ ‬تواترت‭ ‬الآن‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الميديا‭ ‬أخذت‭ ‬تفرض‭ ‬هيمنتها‭ ‬العنفية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواضع،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يمثل‭ ‬التلفاز‭ ‬العنصر‭ ‬الأهم‭ ‬للأطفال‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬وجود‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬كارتون‮»‬‭ ‬لشخصيات‭ ‬تثير‭ ‬الرعب‭ ‬أو‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأطفال‭ ‬باتت‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬جدية‭ ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬هؤلاء‭ ‬تمثّل‭ ‬هذه‭ ‬المشاهدات‭ ‬ومحاكاتها‭ ‬ضمن‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬المؤذية‭ ‬حيث‭ ‬أخذت‭ ‬تطفح‭ ‬على‭ ‬الأسطح‭ ‬وتأخذ‭ ‬لها‭ ‬مديات‭ ‬أخرى‭.‬

تمثّل‭ ‬اللغة‭ ‬الصورية‭ ‬عالماً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬التباري‭ ‬السلعي‭ ‬وكما‭ ‬يصفها‭ ‬دريدا‭ ‬‮«‬إن‭ ‬مجيء‭ ‬اللغة،‭ ‬هو‭ ‬مجيء‭ ‬اللعبة‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الصورية‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬لنا‭ ‬عبر‭ ‬شاشة‭ ‬الميديا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتبعها‭ ‬جانب‭ ‬سلعي‭ ‬تطبيقي،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬فضح‭ ‬لنا‭ ‬الفضاء‭ ‬الميديوي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يأتي‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬المستهلك‭ ‬كي‭ ‬ينصاع‭ ‬لهذه‭ ‬المادة‭ ‬عبر‭ ‬التباري‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بات‭ ‬رهيناً‭ ‬بكافة‭ ‬المعروضات‭ ‬على‭ ‬الميديا‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الطفولي‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬ينعكس‭ ‬أيضاً‭ ‬علينا‭ ‬عبر‭ ‬معطيات‭ ‬متغيرة‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬للأطفال‭.‬

فمشاهد‭ ‬‮«‬المسدسات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬اللعبي‭ ‬تم‭ ‬تدشينها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭ ‬وأخذ‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬يتحاشى‭ ‬مسألة‭ ‬شراء‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬لأطفاله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭. ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونات‭ ‬الإشهارية‭ ‬التي‭ ‬يوظفها‭ ‬الخطاب‭ ‬الإشهاري‭ ‬‭(‬للكارتون‭)‬‭ ‬برزت‭ ‬السلعة‭ ‬متماثلة‭ ‬لهذه‭ ‬المديات،‭ ‬ولربما‭ ‬لأن‭ ‬الآخر‭ ‬بدأ‭ ‬التفكير‭ ‬البراغماتي‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬فعل‭ ‬مؤثر‭ ‬قبل‭ ‬بث‭ ‬السلعة‭ ‬وهي‭ ‬لحظة‭ ‬رئيسة‭ ‬في‭ ‬مديات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬التلفاز‭ ‬واقعاً‭ ‬مبشراً‭ ‬لظهور‭ ‬الموديل‭ ‬الجديد‭ ‬بالملبس‭/‬المأكل‭/‬المشرب‭. ‬وبرزت‭ ‬أيضاً‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬اللائحة‭ ‬الإشهارية‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاستلاب‭ ‬الفكري‭ ‬أو‭ ‬المفاهيمي‭ ‬وهي‭ ‬أشبه‭ ‬بظاهرة‭ ‬التوحد‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ينطوي‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬ذاته‭ ‬وحيث‭ ‬تصبح‭ ‬الأشياء‭ ‬مسطحة‭ ‬أو‭ ‬هامشية‭ ‬باستثناء‭ ‬الفعل‭ ‬الآني‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭.‬

يشكل‭ ‬العنف‭ ‬مضماراً‭ ‬مغايراً‭ ‬في‭ ‬الزي‭ ‬أو‭ ‬اللون‭ ‬حيث‭ ‬يشكل‭ ‬له‭ ‬باعاً‭ ‬طويلاً‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬ففي‭ ‬الأساطير‭ ‬يأخذ‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬ذو‭ ‬الدلالة‭ ‬المعرفة‭ ‬للجميع‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الشر‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬الطروحات‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬وأساطير‭ ‬شيطانية‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لدى‭ ‬الإغريق‭ ‬يستخدم‭ ‬لطرد‭ ‬الأرواح‭ ‬الشريرة‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬الحدث،‭ ‬فالزيّ‭ ‬هو‭ ‬المثار‭ ‬الحقيقي‭ ‬لبيان‭ ‬طابع‭ ‬الشخصية‭ ‬ومكوّناتها‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬يمكننا‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬بواطن‭ ‬هذا‭ ‬الأداء‭ ‬وما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خاطره‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬مختلفة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬معين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الماكياج‭ ‬هو‭ ‬المدشّن‭ ‬الحقيقي‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬المتمم‭ ‬للزي‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬ينمو‭ ‬التعنيف‭ ‬ويأخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬جدلياً‭ ‬ولكل‭ ‬شخيصة‭ ‬قالبها‭ ‬الانتقائي،‭ ‬فشخصية‭ ‬الساحرة‭ ‬في‭ ‬زيها‭ ‬ومكيجتها‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬الضد‭ ‬أو‭ ‬الخلاف‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬الراهب‭ ‬وشخصية‭ ‬الفقير‭ ‬تتمايز‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬الملك،‭ ‬فلكلّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬ملامح‭ ‬ودلالات‭ ‬تأويلية‭ ‬وخاصيات‭ ‬تنفرد‭ ‬عن‭ ‬مجاوراتها‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الكفيل‭ ‬بحلّ‭ ‬الطابع‭ ‬التعيني‭ ‬وانعكاساته‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬الجمعي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الميديالوجيا‭.‬

العنف‭ ‬الرمزي‭/‬الصوري‭ ‬الذي‭ ‬نتلقاه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عبر‭ ‬الشاشة‭ ‬الزرقاء‭ ‬‭(‬فيسبوك‭)‬‭ ‬بات‭ ‬قرينا‭ ‬روحيا‭ ‬لمعاناتنا‭ ‬إذ‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نأبه‭ ‬لمسألة‭ ‬الموت‭ ‬لأنه‭ ‬بات‭ ‬متلاحما‭ ‬ذهنياً‭ ‬وبصرياً‭ ‬مع‭ ‬ذائقتنا‭. ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬يتسم‭ ‬بالمعرفة‭ ‬الكبيرة‭ ‬أمّا‭ ‬اليوم‭ ‬نرى‭ ‬التشاحنات‭ ‬الطائفية‭ ‬المؤججة‭ ‬للفعل‭ ‬الانتقامي‭ ‬ملاذاً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬سبك‭ ‬مفهومها‭ ‬التواصلي‭. ‬فتداولية‭ ‬الفعل‭ ‬الصوري‭ ‬‭(‬التشويفي‭)‬‭ ‬بينت‭ ‬حالة‭ ‬الرعب‭ ‬والقسوة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فلو‭ ‬أخذنا‭ ‬مسألة‭ ‬الانفجارات‭ ‬وكيفية‭ ‬عرضها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشاشة‭ ‬لأيقنا‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متولدا‭ ‬فينا‭ ‬لان‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬اعتدناها‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬التحولات‭ ‬البيوغرافية‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬خصيصاً‭.‬

ويأتي‭ ‬أيضا‭ ‬العنف‭ ‬البصري‭ ‬المتعلق‭ ‬بالفيديو‭ ‬وهذا‭ ‬الشيء‭ ‬يرسم‭ ‬تباشيره‭ ‬العامة‭ ‬وفق‭ ‬نظام‭ ‬معين‭ ‬يتأتي‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬ولكي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬ترهيب‭ ‬الآخر‭ ‬وعرض‭ ‬كافة‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها،‭ ‬فما‭ ‬يتم‭ ‬عرضه‭ ‬عبر‭ ‬اللوحة‭ ‬الإشهارية‭ ‬بالفيديو‭ ‬بنت‭ ‬له‭ ‬مجالاً‭ ‬مكّن‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬تذويب‭ ‬الخطاب‭ ‬العنفي‭ ‬وجعله‭ ‬ذي‭ ‬مشاهدات‭ ‬يومية‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الخوف‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬تكررت‭ ‬مشاهدتها‭ ‬وبات‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬نشاهد‭ ‬هذه‭ ‬الفيديوهات‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬مراوغة‭ ‬أو‭ ‬تكتيك‭ ‬مسبق‭ ‬ويثير‭ ‬الطابع‭ ‬الانصهاري‭ ‬فكراً‭ ‬مبطناً‭ ‬بتعاويذ‭ ‬الموت‭ ‬ومراحله‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تمازجات‭ ‬أخلاقية‭.‬

ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬هو‭ ‬الدليل‭ ‬الناجع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لأن‭ ‬الآخر‭ ‬القاتل‭ ‬المتمثل‭ ‬بداعش‭ ‬يرغب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بثه‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الآخر‭ ‬يخشى‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬والطرف‭ ‬الآخر‭ ‬يعمل‭ ‬نفس‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬نهايتك‭ ‬محتمة‭. ‬وفي‭ ‬حقيقية‭ ‬الفعل‭ ‬نوعية‭ ‬الإرهاب‭ ‬تمارس‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يدخر‭ ‬الحرب‭ ‬وعلى‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬التقطوا‭ ‬هذه‭ ‬المبثوثات‭ ‬العامة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الفعل‭ ‬القائم‭ ‬والمنعكس‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬الأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬هو‭ ‬الراشح‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التعنيف‭ ‬الميديوي‭ ‬القائم‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.