النص‭ ‬والصورة‭ ‬

الأحد 2017/01/01

‮ ‬ومع ‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬التي‭ ‬تعيها‭ ‬جيدًا‭ ‬المؤلفة‭ ‬تطمح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الفنيّن‭ ‬وخلق‭ ‬أرضية‭ ‬جديدة‭ ‬مشتركة‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬الجانبين‭ ‬تسمح‭ ‬بتداخل‭ ‬المفاهيم‭ ‬والأدوات،‭ ‬وقبلها‭ ‬تَسمح‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الفنيّن‭ ‬باعتبارهما‭ ‬شريكين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تفاعليّ‭ ‬يجمعهما‭ ‬ويربط‭ ‬بينهما‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬غير‭ ‬النوعية‭.‬

تتطرق‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬المقتضبة‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬تطرحه‭ ‬مظهرة‭ ‬أهميته،‭ ‬وأهمية‭ ‬الاحتياج‭ ‬إلى‭ ‬المنهج‭ ‬المقارن‭ ‬لما‭ ‬يتيحه‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬لا‭ ‬تُتاح‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مساحة‭ ‬رحبة‭ ‬للتقارب‭ ‬بين‭ ‬المجالين‭. ‬كما‭ ‬تتطرّق‭ ‬لتاريخية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والفنون‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وترجعها‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬كانت‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬جل‭ ‬اهتمام‭ ‬الباحثين‭ ‬مقارنة‭ ‬بعلاقة‭ ‬الأدب‭ ‬والسينما‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدخل‭ ‬على‭ ‬استحياء‭.‬

محطات‭ ‬مشتركة

ينقسم‭ ‬الكتاب‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬2016،‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبواب‭ ‬يختص‭ ‬كلّ‭ ‬باب‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والسينما،‭ ‬ارتكز‭ ‬الجزء‭ ‬الأوّل‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬استعراض‭ ‬بعض‭ ‬المحطات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الفنيّن‭ ‬منذ‭ ‬ظهور‭ ‬فن‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وقد‭ ‬اكتفت‭ ‬بثلاثة‭ ‬نماذج‭ ‬لإظهار‭ ‬التقاطع‭ ‬التاريخي‭ ‬بين‭ ‬الفنين،‭ ‬وفي‭ ‬المحطة‭ ‬الأولى‭ ‬أوقفتها‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬اختراع‭ ‬جهاز‭ ‬السينما‭ ‬على‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬تعرض‭ ‬للردود‭ ‬المتباينة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الكتاب،‭ ‬فجورجي‭ ‬زيدان‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬الدور‭ ‬التعليمي‭/‬التربوي‭ ‬لهذا‭ ‬الاختراع‭ ‬الجديد،‭ ‬أما‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭ ‬فذهب‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬السينما‭ ‬الصّامتة‭ ‬في‭ ‬إخصاب‭ ‬الخيال‭ ‬وتنميته‭. ‬أما‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬فله‭ ‬موقفان‭ ‬متنقاضان‭ ‬الأول‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬إذاعي‭ ‬مع‭ ‬المذيعة‭ ‬ليلى‭ ‬رستم،‭ ‬اتهم‭ ‬فيه‭ ‬السينما‭ ‬بإلهاء‭ ‬الجمهور‭ ‬وإفساد‭ ‬الأدب‭ ‬عندما‭ ‬ينتقل‭ ‬إليها‭ ‬عبر‭ ‬الاقتباس‭.‬

وفي‭ ‬المحطة‭ ‬الثانية‭ ‬تتوقف‭ ‬المؤلفة‭ ‬بالكامل‭ ‬عند‭ ‬تجربة‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وكتابته‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬فصلاً‭ ‬مشتركًا‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والسينما،‭ ‬حيث‭ ‬تعدُّد‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬لعبها‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬بما‭ ‬تمثِّله‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬شخصي‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬بدأت‭ ‬علاقته‭ ‬المبكرة‭ ‬في‭ ‬طفولته،‭ ‬ثم‭ ‬علاقته‭ ‬الوثيقة‭ ‬عبر‭ ‬الكتابة‭ ‬السينمائية‭ ‬فوجد‭ ‬فيها‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬البديلة،‭ ‬لكن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميِّز‭ ‬تجربة‭ ‬محفوظ‭ ‬أنها‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الشقين‭ ‬الإبداعي‭ ‬والتقني،‭ ‬ويرجع‭ ‬الفضل‭ ‬إلى‭ ‬المخرج‭ ‬صلاح‭ ‬أبوسيف‭ ‬الذي‭ ‬علّمه‭ ‬كتابه‭ ‬السيناريو‭.‬

أما‭ ‬المحطة‭ ‬الثالثة‭ ‬فترصد‭ ‬لحالة‭ ‬الصحوة‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬سينما‭ ‬جديدة‭ ‬رواية‭ ‬جديدة،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حتى‭ ‬بداية‭ ‬تسعيناته،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬تحولات‭ ‬على‭ ‬الصعديْن‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭.‬

السينما‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تقصدها‭ ‬هي‭ ‬سينما‭ ‬نتاج‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬ظهرت‭ ‬باكورة‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الإطار‭ ‬التاريخي‭ ‬لمصر‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬والظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لفترة‭ ‬سبعيناته،‭ ‬كما‭ ‬تميّزت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬بأن‭ ‬مبدعيها‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬تأثَّروا‭ ‬بالسينما‭ ‬الغربية‭ ‬وفقًا‭ ‬لدراستهم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬اتصالهم‭ ‬بهذه‭ ‬النتاجات‭.‬

وقد‭ ‬تميّزت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بتحرّر‭ ‬الكاميرا‭ ‬من‭ ‬الأستوديوهات‭ ‬وخرجت‭ ‬لشارع‭ ‬المدينة‭ ‬تتحسّس‭ ‬المكان‭ ‬بعين‭ ‬تسعى‭ ‬لاكتشافه‭ ‬في‭ ‬ظاهريته‭ ‬وبديهيته‭ ‬وحميميته،‭ ‬كما‭ ‬استخدم‭ ‬هؤلاء‭ ‬لغة‭ ‬سينمائية‭ ‬أكثر‭ ‬رهافة‭ ‬وأكثر‭ ‬تخففًا‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الحدوتة‭ ‬والتقاليد‭ ‬الحكائية،‭ ‬وعلى‭ ‬الخط‭ ‬ذاته‭ ‬يتقاطع‭ ‬كتاب‭ ‬جيل‭ ‬الستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬قبيل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أعقابها‭ ‬وتميزت‭ ‬كتاباتهم‭ ‬بأنها‭ ‬مغايرة‭ ‬للكتابة‭ ‬الواقعية‭.

السينما‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تقصدها‭ ‬هي‭ ‬سينما‭ ‬نتاج‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬ظهرت‭ ‬باكورة‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الإطار‭ ‬التاريخي‭ ‬لمصر‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭

ومع‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬البادي‭ ‬بين‭ ‬جيل‭ ‬السينمائيين‭ ‬والروائيين‭ ‬ورؤيتهم‭ ‬للفن‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬لم‭ ‬يثمر‭ ‬عن‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المقتبسة‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬وأيضًا‭ ‬غياب‭ ‬تجارب‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬بل‭ ‬سعت‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬للاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الأدب،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬فايز‭ ‬غالي‭ ‬وبشير‭ ‬الديك‭. ‬والملاحظة‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تسجلها‭ ‬المؤلفة‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬مصدرًا‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الأدب‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بدا‭ ‬كمعوِّق‭ ‬لاستقلالية‭ ‬الفن‭ ‬السينمائي‭ ‬ولبحثه‭ ‬عن‭ ‬أدواته‭ ‬الخاصة‭.‬

السير‭ ‬أزمة‭ ‬وجودية

في‭ ‬الباب‭ ‬الثاني‭ ‬تتبع‭ ‬مفهوم‭ ‬الموازاة‭ ‬الذي‭ ‬يُعنى‭ ‬بتتبع‭ ‬علاقة‭ ‬التشابه‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬يؤدِّي‭ ‬تجاورها‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬مساحات‭ ‬مشتركة،‭ ‬وتتناول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬مبحثيْن‭ ‬الأوّل‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬كمكان‭ ‬يوميّ‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والسينما،‭ ‬تنحو‭ ‬المؤلفة‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منحًى‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬حيث‭ ‬تبرز‭ ‬علاقة‭ ‬المدينة‭ ‬بالأدب‭ ‬والسينما‭ ‬وقبلهما‭ ‬بالحداثة،‭ ‬كما‭ ‬تورد‭ ‬مشاهد‭ ‬ومقتطفات‭ ‬تبرز‭ ‬فيها‭ ‬الوعي‭ ‬المديني‭ ‬كما‭ ‬تجلّى‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬الواقعيّة‭ ‬وجمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬ومحمود‭ ‬الورداني‭ ‬وإبراهيم‭ ‬أصلان،‭ ‬مقارنة‭ ‬بغياب‭ ‬هذا‭ ‬الوعى‭ ‬المدينيّ‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬زينب‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المهاد‭ ‬التاريخي‭ ‬تنطلق‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني،‭ ‬لتبرز‭ ‬علاقة‭ ‬الموازاة‭ ‬متخذة‭ ‬من‭ ‬نموذجي‭ ‬إبراهيم‭ ‬أصلان‭ ‬‮«‬مالك‭ ‬الحزين‮»‬‭ ‬و‮»‬الحرّيف‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬خان،‭ ‬فتتخذ‭ ‬من‭ ‬موتيف‭ ‬السّير‭ ‬والسّائر،‭ ‬ليس‭ ‬بوصفه‭ ‬موضوعًا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬التشكيلي‭ ‬للكلمة‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬البصرية‭ ‬المتكرِّرة‭. ‬وهي‭ ‬التيمة‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬العملين‭ ‬الروائيّ‭ ‬والسينمائيّ‭ ‬بكثافة،‭ ‬حيث‭ ‬يتمّ‭ ‬توظيفه‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬وجودية‭ ‬تعيشها‭ ‬الشخصيات،‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬العملين‭ ‬أن‭ ‬السير‭ ‬دائمًا‭ ‬تظهر‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬عُزلة‭ ‬دائمة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬فارس‭ ‬في‭ ‬‮«‬الحريف‮»‬،‭ ‬ويوسف‭ ‬النجار‭ ‬في‭ ‬‮«‬مالك‭ ‬الحزين‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬مستغرقًا‭ ‬في‭ ‬أفكاره‭ ‬أثناء‭ ‬السير،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الشيء‭ ‬الآخر‭ ‬الجامع‭ ‬بين‭ ‬العملين‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬التسليع‭ ‬حيث‭ ‬في‭ ‬‮«‬مالك‭ ‬الحزين‮»‬‭ ‬يصير‭ ‬الوطن‭ ‬والمقهى‭ ‬سلعة،‭ ‬وبالمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬الحريف‮»‬‭ ‬يصير‭ ‬الإنسان‭ ‬سلعة‭ ‬يباع‭ ‬ويشترى،‭ ‬وفي‭ ‬العملين‭ ‬يقف‭ ‬الأبطال‭ ‬عاجزين‭ ‬تتجاوزهم‭ ‬الأحداث‭ ‬وأيضًا‭ ‬تتجاوز‭ ‬المدينة‭ ‬بحركتها‭ ‬وتدفقها‭ ‬ولامبالاتها‭. ‬كما‭ ‬تحل‭ ‬الوحدات‭ ‬السردية‭ ‬الصغرى‭ ‬محل‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى،‭ ‬وينتقل‭ ‬مركز‭ ‬الثقل‭ ‬من‭ ‬تصوير‭ ‬الوقائع‭ ‬اليومية‭ ‬العادية‭ ‬إلى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬العادي‭ ‬والبديهي‭ ‬مع‭ ‬تحميل‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬الأزمات‭ ‬الوجودية‭.‬


لوحة: بهرام حاجو

أما‭ ‬الباب‭ ‬الثالث،‭ ‬فتقصره‭ ‬على‭ ‬لون‭ ‬شائع‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والسينما،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬علاقة‭ ‬الاقتباس،‭ ‬وهي‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬ملتقى‭ ‬طرق،‭ ‬وفضاءً‭ ‬للتبادل‭ ‬والجدل‭ ‬بين‭ ‬نصين‭ ‬يرتبط‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬بشبكة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬أعمال‭ ‬سابقة‭ ‬عليه‭ ‬ومعاصرة‭ ‬له‭ ‬تشكّل‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬وتحدّد‭ ‬موقعه‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬المتخيّل‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالنوع‭. ‬وتناقش‭ ‬في‭ ‬تمهيد‭ ‬مستقل‭ ‬أهمّ‭ ‬الاتجاهات‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الاقتباس‭ ‬السينمائي‭ ‬عن‭ ‬الأدب،‭ ‬وتقصر‭ ‬دراستها‭ ‬التطبيقية‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬نماذج،‭ ‬الأوّل‭ ‬تعقد‭ ‬فيه‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الحرام‮»‬‭ ‬ليوسف‭ ‬إدريس‭ ‬وفيلم‭ ‬‮«‬بركات‮»‬‭ ‬المأخوذ‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تتبع‭ ‬عنصري‭ ‬الصوت‭ ‬والصمت‭ ‬وتعبير‭ ‬اللغة‭ ‬الأدبية‭ ‬والسينمائية‭ ‬عنهما،‭ ‬وكذلك‭ ‬الوظيفة‭ ‬السردية‭ ‬في‭ ‬دراما‭ ‬الفيلم‭ ‬والرواية‭. ‬فتقابل‭ ‬بين‭ ‬الأصوات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ثنائية‭ ‬الحركة‭ ‬والسكون‭ ‬حيث‭ ‬أصوات‭ ‬الطبيعة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الصوتين،‭ ‬كما‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬لحظات‭ ‬الوصف‭ ‬عند‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬يُصاحبها‭ ‬سكون‭ ‬تتخلله‭ ‬أصوات‭ ‬الطبيعة‭. ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الصوت‭ ‬والصمت‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬ترتبط‭ ‬بثنائية‭ ‬القاهر‭ ‬والمقهور،‭ ‬وهذه‭ ‬الثنائية‭ ‬تتوه‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭. ‬وتخرج‭ ‬المؤلفة‭ ‬بملاحظة‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬تعامل‭ ‬الفيلم‭ ‬والرواية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مرتبط‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬المادة‭ ‬القصصية‭ ‬والعناصر‭ ‬المكوّنة‭ ‬لها،‭ ‬فالصوت‭ ‬المنفرد‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬‭(‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أبوية‭)‬‭ ‬أما‭ ‬الصوت‭ ‬المنفرد‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬هو‭ ‬صوت‭ ‬عزيزة‭ ‬وهو‭ ‬يُعبِّر‭ ‬عن‭ ‬ذات‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬تذكرها‭ ‬لحياتها‭ ‬السابقة‭.‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬‮«‬البوسطجي‮»‬‭ ‬ليحيى‭ ‬حقي‭ ‬نموذجًا‭ ‬لآليات‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬والقصة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬عنصر‭ ‬الرسالة‭ ‬ووظيفتها‭ ‬السردية‭ ‬والتعبير‭ ‬الفني‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬العملين،‭ ‬فالرسالة‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬مختلفة‭ ‬تصبح‭ ‬لدى‭ ‬قارئها‭ ‬الجديد‭ ‬قصة‭ ‬مسلسلة‭ ‬لها‭ ‬موقعها‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬اتصالي‭ ‬مغاير‭ ‬ثلاثي‭ ‬الأبعاد‭ ‬يتكون‭ ‬من؛‭ ‬الراوي‭/‬القارئ‭/‬النص‭ ‬حيث‭ ‬تتحوّل‭ ‬الرِّسالة‭ ‬إلى‭ ‬نصِّ‭ ‬روائيٍّ‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬البوسطجي،‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التصوّر‭ ‬الذهني‭ ‬تنتج‭ ‬عنه‭ ‬قطيعة‭ ‬بين‭ ‬العالمين‭ ‬عالم‭ ‬المتخيل‭ ‬وعالم‭ ‬الواقع‭ ‬حيث‭ ‬يفشل‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬حدود‭ ‬المتخيل‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬جميلة،‭ ‬يظهر‭ ‬التحول‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬‮«‬عباس‮»‬‭ ‬يحيي‭ ‬حقي‭ ‬مع‭ ‬الرسالة‭ ‬بمنطق‭ ‬التحليل‭ ‬النقدي‭ ‬فعباس‭ ‬ينظر‭ ‬للخطابات‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حودايت،‭ ‬وإنما‭ ‬يتمعن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬التفاصيل‭ ‬الكتابية‭ ‬وأنواع‭ ‬الخطوط‭ ‬ونوعية‭ ‬الورق‭ ‬والحبر‭ ‬المستخدم،‭ ‬والفراغات‭ ‬وكيفية‭ ‬استخدامها،‭ ‬فقراته‭ ‬للخطابات‭ ‬تتوازى‭ ‬مع‭ ‬قراءة‭ ‬الناقد‭ ‬الأدبي‭ ‬لبحث‭ ‬فهم‭ ‬الشخصيات،‭ ‬كما‭ ‬تنحرف‭ ‬قراءة‭ ‬الخطابات‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ‬أخرى‭ ‬تتصل‭ ‬بمتعة‭ ‬النص‭ ‬حيث‭ ‬يتحايل‭ ‬عباس‭ ‬بقراءة‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭.‬

المفاجأة‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬البوسطجي‭ ‬من‭ ‬قارئ‭ ‬أو‭ ‬شاهد‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭. ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأخير‭ ‬تتوقّف‭ ‬المؤلفة‭ ‬عند‭ ‬شكاوي‭ ‬الفصيح،‭ ‬حيث‭ ‬تتحول‭ ‬بردية‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬شادي‭ ‬عبدالسلام،‭ ‬هنا‭ ‬الاقتباس‭ ‬يتأتي‭ ‬بوصف‭ ‬عملية‭ ‬تشتبك‭ ‬فيها‭ ‬عناصر‭ ‬النص‭ ‬والسياق‭ ‬وبوصفه‭ ‬قراءة‭ ‬سينمائية‭ ‬حديثة‭ ‬لهذه‭ ‬القطعة‭ ‬الأدبية‭ ‬حوّلتها‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الثبات‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الدينامية‭ ‬تُعيد‭ ‬بثَّ‭ ‬النص‭ ‬القديم‭ ‬وتجعل‭ ‬منه‭ ‬متنًا‭ ‬مفتوحًا‭ ‬على‭ ‬الزمن‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.