الهروب من الذاكرة

الخميس 2021/07/01
غرافيكس "الجديد"

نامت زينب مبكِّرة من التعب والإرهاق، ونام عمرو ولينا قبلها، لكنَّ مجدي لم يكن ممكناً أن يغشاه النوم بسرعة هكذا. لم يبذل جهداً كبيراً مثل زينب، وملأه النهار بالطاقة، لا يعرف كيف يُفرِغها، وكان صعباً أن يداعب زينب التي نامت في سرعة شديدة، وبدت قد ذهبت بعيداً إلى عالم آخر. سيظلُّ وحده لوقت طويل. لا يريد أن يدخل على الفيسبوك، ولا يريد أن يتحدَّث مع أحد، لكنه يريد أن يقف في حديقة البيت، ينظر إلى الفضاء والفِلَل المتباعدة، والأشجار بينها، وعلى جانبَي الطريق.

فعل ذلك، وفتح صدره يترك النسيم يداعبه، ويشعر بيد الهواء الناعمة المنعشة تتحرَّك على صدره، تكاد تُخدِّره. انتقل إلى الشُّقَّة الأخرى الخالية، وراح يتخيَّل الحوائط، وقد صارت بينها أرففٌ للكُتُب بطولها وارتفاعها كلِّها، في الصالة وفي الغرف، وكيف سيكون هناك مكان للبيانو، يتعلَّم عليه الأطفال العزف، وآلة كمان وغيرها من الأدوات الموسيقية. لا بدَّ غداً أن يختصر الوقت. فليذهب إلى إحدى محالّ بيع الموبيليا التي اشترى منها، ويطلب منهم الحضور لأخذ مقاسات الجدران لعمل المكتبة والأرفف. كان قد أرجأ ذلك حتَّى ينتقل، وها هو انتقل. سيدخل على الإنترنت الليلة، ليعرف أهمَّ الكُتُب التي يريد شراءها.

الاستعارة ستكون للكبار والصغار، لذلك لا بدَّ أن تكون الكُتُب ما بين الفلسفة والتاريخ والاقتصاد وغيرها من العلوم، وأيضاً الإبداع الأدبي للكبار بكلِّ أشكاله، ومهمٌّ جدَّاً أن تكون هناك غرفة لروايات وكُتُب الأطفال بالإنجليزية والفرنسية، وأكثرها بالعربية. سيحتاج مَنْ يساعده في الاختيار، لكنه يستطيع أن يعرف الكثير بتصفُّح الإنترنت. بل ويعرف الأسعار، وأين يوجد الأرخص من الكُتُب، وأين توجد التخفيضات. ليس معقولاً لمدرِّس مثله ألاّ يعرف كيف يتمُّ ذلك. إن ما عرفه من أسماء المفكِّرين والأدباء سيجعله يعرف أعداداً أكثر منهم حين يدخل على الإنترنت. سيفعل ذلك على سبيل حُبِّ الاستطلاع الليلة، لكنْ، غداً بالنهار سيجلس في الحديقة إلى اللاب توب، يُسجِّل ما يريد أن يشتريَهُ على الديسك توب. الآن هو في حاجة لأن يمشي. سيمشي قليلاً حول العمارة، ولا يبتعد، وكما هو بالترينينج سوت، فقط سيخلع الشبشب، ويرتدي الكوتشي.

فعل ذلك، وخرج يتمطَّى، ويفرد ذراعَيْه، كأنه مقبل على تمارين رياضية. مشى عدَّة خطوات، ابتعد فيها عن البيت. مرَّت من جواره سيَّارة، بها أصوات ضحكات عالية لبنات وصبيان، واختفت. كم الساعة الآن؟ إنها تقترب من الثانية عشرة ليلاً. كيف لم ينتبه إلى ذلك؟ المكان هنا خالٍ، ويمكن أن تكون فيه أكثر من سيَّارة مسرعة تصطدم به. يجب ألاّ ينزل من فوق الرصيف. لا. الأفضل أن يعود يركب سيَّارته، ويقودها على مهل في الشوارع المحيطة حتَّى يبتعد، ويجد مكاناً يقف فيه على الجانب، يُدخِّن سيجارة أو اثنتَيْن، ويتنشَّق رائحة الفضاء الطيِّبة التي تبدو أنها روائح الورود في الفِلَل المحيطة. فعل ذلك، وركب سيَّارته. بعد أن تحرَّك بها، اكتشف أنه لا يحمل محفظته، ولا رخصة القيادة، ولا رخصة السيَّارة، بل حتَّى الموبايل تركه في الصالة. لم يتضايق أو يفكِّر في العودة. ابتسم وقال إنْ هي إلَّا مغامرة، ولن يبتعد كثيراً عن العمارة.

بالفعل دار حول العمارة وعدد من الفِلَل القليلة أكثر من مرَّة، ثمَّ توقَّف على ناصية تقاطُع أحد الشارعَيْن الواسعَيْن، وفتح راديو السيَّارة على محطَّة الموسيقى الأجنبية. ابتسم، إذ أدرك أن ما يسمعه هو موسيقى فيلم “الطيِّب والشرس والقبيح”. تاقت نفسه للاستمرار. كلُّ ما سيسمعه سيُذكِّره بحسام وهبان اليساري الذي بدا له يعرف كلَّ شيء عن الموسيقى والغناء. لكنْ، تحوَّلت الموسيقى فجأة إلى شادية. كيف تداخلت محطَّات الراديو هكذا. تذكَّر أنها محطَّة البرنامج الموسيقي، تذيع الأغانٍي العربية، كما تذيع الأغانٍي الأجنبية. توقَّف عن التفكير، فلقد أخذه صوت شادية محلِّقاً. إنه فيلم “شيء من الخوف”. لا يريد أن يبكي. لم يبكِ قطُّ وهو يرى الفيلم أكثر من مرَّة في التليفزيون، لكنْ، كان للجدران أثر آخر. وضع رأسه على مقود السيَّارة، وتهادت شادية بصوتها المليء بالحزن والدهشة ممَّا جرى للصبي الذي كانت تُحبُّه في طفولتها. عتريس. محمود مرسي الذي أدَّى دوراً لا يتكرَّر.

الواد أبو جلب ليِّن صبح غير الولد

ضاع منه قلبه الأبيض

وسط صريخ البلد

الحلم اللي حلمته في الصبح بيتفرد

يصبح ذنب البلد

والضحك اللي اللي ضحكته

أهو دمعة للبلد.

لم يُكمِل. سقطت دموعه والمحطَّة الإذاعية لم ترحمه، إذ تداخلت مع الأُغنيَّة الأولى الأُغنيَّة الثانية، وصوت الكورس:

الزرع جفّ

الضرع جفّ

الأرض بتقول

غيتوني

أغلق المحطَّة، ومسح دموعه، لكنه لم يستطع أن يُوقِف فيض الذكريات، والسياسيون ممَّنْ معه يتحدَّثون عن عَظَمَة الفيلم ومعانيه السياسية، وكيف أن جمال عبدالناصر سمح بعرضه رغم ما وصله أنه المقصود بعتريس. لكنَّ الفيلم ومعناه يتجاوز أيّ حاكم إلى المعنى العامِّ لكلِّ دكتاتور في أيِّ مكان وزمان. لقد كانت لافتة “زواج عتريس من فؤادة باطل” لافتة كلّ المظاهرات في مصر منذ أيَّام السادات حتَّى ثورة يناير.

ابتعد عن ذكرياته من الأحاديث حول مشهد شادية وهي تفتح الهاويس، لترويَ الأرض الشراقي التي منع عنها عتريس المياه، وعَظَمَة المخرج حسين كمال الذي حقَّق مشهداً عالمياً فائق الروعة.

 أعاد تشغيل الراديو، لعلَّه انتهى من أغاني فيلم “شيء من الخوف”، فوجده يذيع موسيقى فيلم “الأرض”. شرد يفكِّر ماذا يحدث له الليلة؟ وماذا يقصد البرنامج، مِن زرع جفّ إلى أرض عطشانة، ومن الواد أبو جلب لين صبح غير الولد إلى محمود المليجي، يجرُّه جنود الهجانة، وهو يمسك بيدَيْه في الأرض، لا يتخلَّى عنها؟! أَغلقَ المحطَّة الإذاعية من جديد، لكنه لم يبتعد عن الذكريات.

 كلا الفيلمَيْن تمَّ تمثيلهما بعد هزيمة 1967. كلا الفيلمَيْن كانا يبعثان على القوَّة والأمل. كم كان النقاش حولهما رائعاً، يفتح له آفاقاً من المعرفة! لقد امتدَّ النقاش في أكثر من ليلة إلى ثورة 1919، وكيف كانت أعظم ثورة في تاريخ مصر الحديث، شوَّهها النظام الحاكم بعد يوليو 1952 بدراسات تافهة لأذنابه من الكتَّاب، لكنْ، توالت الكُتُب العظيمة منذ سنوات عن الثورة والثوَّار، يصل بعضها إليهم في السجن. لا أحد يفكِّر في محتواها، فالقاعدة أن يكون الكتاب مطبوعاً في مصر. غير ذلك لا أحد يهتمُّ. لقد قرأ بعضها في السجن.

 كان حسام وهبان في ليالي كثيرة يُحدِّثهم عن ثورة 1919 ويقول إنه رغم عداء سعد زغلول للحزب الشيوعي الذي ظهر بعد ذلك، فهو لا ينسى كيف بدأت النهضة في كلِّ شيء. صناعة وزراعة وسينما ومسرح وطرُق وحدائق، وكلُّها مِنْ فعل المجتمع الأهلي. باشوات زمان الذين أمَّم عبدالناصر أملاكهم، ليس حُبَّاً في الاشتراكية، لكنْ، ليكون الناس جميعاً على قلب وفكر رجل واحد، هو فكره، حتَّى أتى بالهزيمة الجبَّارة. لقد أمَّم عبدالناصر أملاك الأجانب أيضاً، فتركوا البلاد. هناك فرق بين مجتمع كان فيه عشرات المجلَّات والصحف بكلِّ اللغات، ومجتمع به عدد لا قيمة له من الصحف، كلُّها تشبه بعضها، كأنها صحيفة واحدة، فقط اختلف عدد صفحاتها. هذا كلُّه انتهى لِمَا نحن فيه الآن. يُحدِّثهم عن شارع عماد الدِّيْن وفِرَق المسرح حتَّى ضحك عوَّاد اللي في الطراوة ذات ليلة، وقال “واللهِ، أنا نمت وأنا قاعد دلوقت، وحلمت أني بالليل واقف في شارع عمادالدِّيْن شايف نجيب الريحاني وسليمان نجيب واقفين يضحكوا ويقهقهوا لحَدِّ ما جِتْ عربية حنطور، ركبوا فيها. شاوروا لي، قمتُ من الحُلْم”. ضحكوا. لكنهم انطلقوا في ضحك صاخب جدَّاً حين قال عوَّاد اللي في الطراوة من جديد “منذ 1952 مكتوب علينا نعمل زَيِّ توفيق الدقن وعبدالمنعم إبراهيم في فيلم سرّ طاقية الإخفاء”. توفيق الدقن يسأله “العلبة دي فيها إيه؟ يردُّ عبدالمنعم إبراهيم فيها خاتم، يِدِّيْلُه توفيق الدقن على قفاه، ويقول له لا، فيها فيل. ويسأله من جديد فيها إيه؟ يقول عبدالمنعم إبراهيم فيها خاتم، يضربه على قفاه، ويقول له لا، فيها فيل، لحَدّ ما قال عبدالمنعم إبراهيم فيها فيل. أَهو دا حالنا من 1952 اللي ما يقولش فيها فيل مسيره يِشَرَّف هنا!”.

يتذكَّر مجدي الضحك الصاخب تلك الليلة، ويضحك، ثمَّ يبتعد عمَّا سمع من أغان لشادية، حرَّكت أوجاعه، ويتذكَّر حديث حسام وهبان عن أغاني سيِّد درويش، وتمنَّى لو تأتي بها محطَّة الإذاعة الآن. فتح الراديو، فانطلقت ماجدة الرومي وهشام سليم ومَنْ معهم في الفيلم يُغنُّون “الشارع لنا.. احنا لوحدنا.. والناس التانيين دول مش مِنّنا”. تذكَّر سعيداً فيلم “عودة الابن الضّالّ”، وتذكَّر صلاح جاهين وما حفظه من الرباعيات التي استعارها من مكتبة السجن. لكنه اشتاق إلى أُغنيَّة نجاة الصغيرة ناداني الليل، وراح يردِّد مع نفسه:

وأنا في عزِّ النعيم كلُّه

لاقيت الفجر صحَّاني

ما هذا البلد العظيم؟! وكيف يتردَّى إلى ما وصل إليه؟! إنه يرى حسام وهبان يضحك ويقول للشيخ يسري “الأهرامات التي تعتبرونها تماثيل كُفْر، وتريدون هدمها، انظر إلى بنائها، وكيف يتَّجه إلى السماء، إلى الله الذي عرفه المصريون قبل كلِّ الأمم. انظر إلى المسلات التي ترتفع محدَّبة كالهرم إلى السماء. هل تعرف، يا شيخ يسري، أنهم حينما يعثرون على مومياء، يجدون مع صاحبها ما كان يُحبُّه في الدنيا، ليكون معه في الآخرة، يعني أنهم يؤمنون بالبعث. يا شيخ يسري، كان للفراعنة إله، اسمه خَنُوْم، خَلَقَ الناس على العجلة من طين الفخَّار”. هنا ارتفع صوت الشيخ يسري يقول “اخرسْ، يا كافر”، فيضحك حسام وهبان، ولا يغضب، ويقول له كلُّ ما في الكُتُب المقدَّسة له أصل عندنا وعند البابليِّيْن في ملحمة جلجامش. أمَّا الليلة التي كاد فيها الشيخ يسري يفقد صوابه حقَّاً، فكانت تلك الليلة التي قال فيها حسام وهبان إن الطير الأبابيل هذه أسطورة آشورية، وإنه في أحد حروب الآشوريِّيْن في الشام كانت فوقهم طيور، تقذف أعداءهم بالحجارة قبل الإسلام بأكثر من ألف وخمسمئة سنة، مؤكِّداً على ما يقول بأن هناك جدارية محفوظة في المُتْحَف البريطاني تُوضِح ذلك. ليلتها بدا الشيخ يسري متماسكاً كاتماً غضبه إلى حَدٍّ كبير، لكنْ، وسط الليل وجده مجدي يبكي وهو يصلِّي. لقد اختار أن يصلِّي جوار دورتَي المياه الصغيرَتَيْن رغم اتِّساخ الأرض وضيق المكان، والصدفة كانت قد جعلت مجدي ينهض للتبوُّل والكلُّ نيام.

– لماذا تبكي، يا شيخ يسري؟ هل هناك جديد سيَّئ، لا نعرفه؟

– لا، يا مجدي، يا ولدي.

قال ذلك وهو يمسح دموعه بكُمِّ جلبابه، واستطرد:

– عذاب الحوار مع حسام أكبر من عذاب السجن. أكاد أراه على صواب، وأطلب من الله أن يزيدَني تماسكاً بما تعلَّمتُ. عذابي، يا ولدي، أننا معاً، هو ومَنْ مثله وأنا ومَنْ هم مثلي، ليس لنا على الأرض وطن. أنا أبكي، وأنا أسأل لله كيف يستمرُّ هذا الظلم؟!

ليلتها تساءل مجدي كيف حقاً صار هذا الشيخ الطيب هنا. رغم ما يبدو من تشدده الدينى يتسامح بسرعة مع حسام وغيره ممن يمكن أن يختلفوا معه. رغم أنهم أسموه زعيم اليمينيين يفتح قلبَه للآخرين. ويتذكرون كيف أنه حقاً مثلهم لا علاقة له بالإخوان المسلمين. كان خطيبا في مسجد صغير في قريته بالصعيد. مسجد لا يتسع لأكثر من خمسين شخصاً. بعد عام من فض ميدان رابعة العدوية، أصبح الصباح فوجدوا على جدران المسجد شعارات تندد بما جري وتصفه بالمذبحة وتطالب بالثأر. من الذي فعل ذلك؟ لا أحد يعرف. تم اتهامه بها. لم يشفع له عُمرُه ولا قوله أن لا أحد في القرية كلها يعرف أين يقع ميدان رابعة العدوية أصلا. كان عليه أن يتهم أحداً لينجو، وهو يرفض أن يتهم أحداً لا يعرفه. هو هنا بنفس التهمة. الانتماء لجماعة محظورة، وتم تدوير قضيته بعد عامين أيضا.

لم يحدث أن فعل أحد ذلك على جدران المسجد في السنوات التالية، وكأن ما حدث كان ليصير هو كبش الفداء للاشيء. والذين يلتفون حوله منهم لا يعرفون ما اليمين وما اليسار. كلهم موظفون في وزارات مختلفة راحوا ضحية تقارير أمنية من زملائهم. وجدوا في الدين ملاذا في حبستهم، وفي الشيخ يسري هاديا ومصدرا للصبر والرضا، فشعاره دائما لا تقنطوا من رحمة الله ومن ثم راحوا ينصتون إليه ويصلّون خلفه. صار زعيما للصابرين أكثر مما هو زعيم لليمينيين كما يسميه حسام وبعض محبيه ضاحكين. أجل. حتي وهم يسمونه بذلك يضحكون فهم جميعا ضحايا. حتى لو انفعل يوما كان يعتذر إلى الله وينهض بسرعة إلى الحمام يتوضأ ويعود ليصلي ثم يتمدد على الأرض شاردا عن الجميع، يردد بصوت هادئ أسماء الله الحسني، ويده على المسبحة الصغيرة يتحرك فوقها إبهامه في هدوء.

ليلتها أيضا لم يستطع مجدي أن ينام قبل أن يُوقِظ حسام وهبان، ويخبره هامساً بما رأى. أكمل حسام وهبان نومه، وبدا لا يهتمُّ. لكنه في النهار ترك مكانه، وارتمى جوار الشيخ يسري، وأمسك بيده يُقبِّلها، ويقول “أرجوكَ، سامحني، أنا لا أُشكِّك في الإسلام، ولا في أيِّ دِيْن. أنا فقط أريد أن أقول إننا كمصريِّيْن نعرف الله قبل أن يعرفه أحد، ثمَّ إن وجود هذه القصص في القرآن لا يُقلِّل من شأنه، فالتوراة قبل الإسلام مليئة بالأساطير، وأوحى الله بهذه القصص للنبيِّ محمَّد عليه السلام، لأن بدو الصحراء كانوا لا يعرفون ذلك، فهم قوم رُحَّل، وإن كان بعضهم يعرف بعضها من اليهود والأقباط. سيِّدنا محمَّد الذي كان يقطع رحلة في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام مع قريش في طريق تجارتها، قابل كنائس المسيحيِّيْن ومعابد اليهود، وهداه الله إلى دِين وسط، ليس فيه مادِّيَّة اليهود، ولا روحانية المسيحية المطلقة. دِين يجمع بين المادَّة والروح، وهو الأنسب للناس. دِين يُحوِّل بدو الصحراء إلى مقاتلين، يُنهون على ما تبقَّى من إمبراطورية الفُرْس والروم ليس أمراً عبثياً، إنما هي بداية جديدة للعالم. لا تتضايق منِّي، يا شيخ يسري. أنا أُحبُّ الأديان، ولستُ مثل ما يقال عن الشيوعيِّيْن، لكنَّ الأديان جاءت لنعمّر الدنيا، لا لنتركها للُّصوص والأوغاد، وندافع عنهم بكلمات مثل طاعة وَلِيِّ الأمر، والصبر عند السُّنَّة، وانتظار المهدي المنتظَر عند الشيعة، ليملأ الدنيا عدلاً. هذا هو معنى عبارة الدِّين أفيون الشعوب التي قالها ماركس، وليس الدِّين نفسه. استخدامه من بعض الفقهاء هو الأفيون. ولقد مرَّت أوروبا بما هو ألعن ممَّا نحن فيه، ولهذا كان حديث كارل ماركس. كلُّ الشعوب التي دخل الإسلام بلادها كانت في ظلم كبير، وتبحث عن العدل، لكنَّ الشيوخ تنسى ذلك، وتُبرِّر للظلم بالدِّين. أرجوكَ، أنا يمكن أن أكون في صفِّكَ، واللهِ”. وعاد يمسك بيد الشيخ يسري يُقبِّلها، ثمَّ قبَّل رأسه، فانفجر الشيخ يسري يبكي مرَّة أخرى من تأثير الموقف الطيِّب لحسام وهبان الصغير.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.