امرأة كل سبت
المرأة المتقاعدة التي تدفع عربة التسوّق وهي ساهمة، تمسك يدها بقائمة مجعّدة من اللوازم المنزلية، تلك التي يعرفها بائع السمك والمطحنة. تأتي صباح كل سبت مع فرصة انتقاء الخيارات بحرية، تملأ عربتها، مع المتسوقين من عاملات وسائقي المنازل القريبة، ممن يعرفون طلبات السيدات المستلقيات بكسل، المتوترات من احتمالية خدش طلاء أظافرهن، أو التفاف عجلات عربة التسوق الأمامية بذيل أثوابهن، النافرات من الوقوف في طابور، أو التزاحم على رف الخبز لحظة وصوله من المخبز الآلي.
المرأة الستينية التي تنسى غالبا شراء شامبو الشعر المفضل لديها “هيربل بحليب جوز الهند”، ولا تضع كريم الوقاية من الشمس عند خروجها – رغم خوفها من سرطان الجلد – من تمشي برفق يناسب هشاشة عظامها المبكرة، فلا تلبس أحذية بكعوب عالية ولا تحمل حقائب يد كبيرة تثقل كتفها الأيمن، من تجرّب كل مرة سلعا جديدة، تصبح مادة لأحاديثها، مكسرات بنكهة لاذعة، صابون سائل برائحة البحر، معقم أسطح بعبوة اقتصادية.
تتمنى لو كانت الحياة باعتيادية وسهولة التسوق مع قائمة مرنة من الاحتياجات في سوبرماركت واسع، آمن، مكيف ونظيف! مفتوح على مدار الساعة، مستقبلا الجميع، به أرفف للبهجة تتوسّدها قطع الشوكولاته والبسكويت، وركن تحمّص فيه القهوة العربية بالهيل فتفوح الرائحة. مساحة كافية لسلع متجددة توصلها شاحنات كبيرة عليها علامات تجارية شهيرة .
المرأة التي تنتقي حبات «الأفوكادو» من الرف، تتلمس صلابتها، من تزعجها أخبار تلوث الأراضي الزراعية ومعدلات الزئبق في البحر، من تشمئز من حبات الخيار المتضخمة فلا تشتريها إن لم تكن عضوية، من تفضل لحم الغنم المفروم على القطع الكبيرة بعظامها، وخبز الشعير على الأبيض، وآيس كريم الفانيليا (KDD) على ما سواه، من تنظر إلى ساعتها كل خمس دقائق لتتأكد أنها تتسوق في الوقت المناسب قبل أن ينتصف النهار ويصحو الجميع من نوم نهاية الأسبوع، ويبدأ التوافد من سكان المنطقة بصبحة أطفالهم الضجرين لركن “الدونت” أو محل الألعاب في الطابق العلوي.
المرأة التي تلتقي صدفة بوالدة صديق ابنها، تعرفها منذ كان الاثنان في المرحلة الابتدائية، تتبادلان حديثا عن الأحفاد الجدد وانتشار مرض السكري وضرورة فحص الثدي كل عام. كلاهما تتابع الأخرى في “إنستغرام” وسيلة تواصلهما الأنجح بعد أن كبر الأبناء وتوقفت حفلات أعياد الميلاد والتخرج والزفاف.
المرأة التي داهمتها شيخوخة سريعة، كانت تظن أنها بعيدة، فحماسة الجري تنسيك ما وراء خط النهاية. التي تختار لمشوار السبت الصباحي حقيبة قديمة كي لا يلوثها خليط لامرئي من جراثيم السوق المركزي، من تلقي بتحيتها على بائعة الذرة قرب المدخل، رغم أنها لا تشتري حبات الذرة اللامعة بالزبدة في الكوب البلاستيكي. من يلحقها عند مواقف السيارات بائع المناشف وأثواب الصلاة، كل مرة تجامله بشراء حزمة من مناشف التنظيف الملونة وتنساها في المقعد الخلفي من سيارتها.
رائحة الجوافة تملأ ركن الفواكه، السوق المركزي هادئ ساعات الصباح الباكرة. المرأة التي تعرفها الأرفف جيدا وتترقبها نهار كل سبت، تلك التي تبدو وحيدة وربما.. حزينة، لم تأت هذه المرة!
كانت موجودة في «السوبرماركت» كاسم صغير في صفحة الوفيّات على حامل الصحف المعدني عند المدخل. ستفتقدها الأرضية اللامعة، و مصابيح النيون، وكاميرات المراقبة التي تتعرف على وجوه الزبائن وتقيس مستوى رضاهم.