بحار الدم

الجمعة 2016/04/01

أيّ شيء يقال في حضرة الدّم، عندما ينغلق العقل وتعمى القلوب وينسلخ الكائن البشري عن إنسانيته الفطرية، منحدراً إلى أدنى درجات السفالة والانحطاط؟ أيّ نقطة دم تُهدر هي هدر للإنسانيّة بكل أشكالها، وكل البشرية مسؤولة عن هدرها، وكل الأديان التي شرّعت للقتل مسؤولة عن هدرها، وكل الأنظمة والقوانين الوضعية مسؤولة عن هدرها. ليس هناك من مبرر للقتل أيًا كان الهدف وأيًا كانت النتيجة. قد يبدو هذا حلمًا رومانسيًا طوباويًا، ولكن ألا يمكن أن يتحقق؟ ألا يمكن أن يتوقف القتل؟ ألا يتسع هذا العالم للجميع كي يعيشوا بمودة وسلام؟ ما هو مبرر القتل؟ ولماذا يقتل إنسان إنسانا آخر؟ قد ملأت الدّماء أرجاء الأرض واكتست البحار بلون الدّم. من الذي يشرع للقتل ويمنح فئة من الناس الحق في قتل أناس آخرين؟ وما الغاية من أن يخلق الله له خليفة في الأرض يفسد فيها ويسفك الدّماء؟ ما يعجز عن الوصف وما يشل اللسان ويحطّم القلب وكل المشاعر الإنسانيّة ويقلب تاريخ البشرية رأسًا على عقب أن يقوم شاب يافع بقتل أمه بحجة أنها مرتدة! يحكم عليها قاضي الهيئة الشرعية لداعش بالقتل وينبري ابنها لتنفيذ الحكم في ساحة القتل في مدينة الرقة السورية. يقف الابن فوق رأس أمه وهي قابعة على الأرض تنظر بتوسل إلى السماء تبحث عن وجه الله الذي وعد بأن الجنة تحت أقدامها وجعل رضاه من رضاها. وتعيد النظر بعين كسيرة إلى شياطين الإنس يحومون حولها متعطّشين لشرب دمائها، ولا تجرؤ على النظر في عين ابنها محاولة أن لا تصدق أن ما يجري حقيقة واقعة، وأن من حملته في أحشائها وأرضعته حليبها هو قاتلها. تختفي الشمس خجلًا ويذوي القمر، تسودّ السماء وتخرّ النجوم دمعًا حارقًا يكوي المقل، وتذوب أوتار الروح على لهيب القلب المشتعل. طلقة بلا رحمة وبلا أيّ وجل يطلقها الابن لتخترق رأس أمّه وتستقر في قلبها الذي تملؤه محبة ابنها، يا لحرقتها، ويا لعار الإنسانيّة عندما تهترئ القيم وينطفئ الأمل، وتتسع بحار الدّم ليغرق الجميع فيها، وأيّ دم.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.