بداية‭ ‬النهاية

الخميس 2015/10/01

وظائف الشعر بدأت تتساقط منذ زمن بعيد‭.‬ لم يعد للشعر ذلك المنبر والمنصة العالية المتصلة بالآخر ونسيج المجتمع، والتي كانت تشحذ بوصلة الجماعات البشرية إلى ما هو أعلى وأحلى وأجمل‭.‬

انفضّت الجموع عن الشعر والشاعر، بعد أن سرقت منصته العالية وضاعت بين منصات لا حصر لها، تزدحم بهتافات الانتهازيين الصاخبة، بعد أن أصبح القطيع البشري سهل القياد‭.‬

هل كان ينبغي للسؤال ألاّ يقتصر على دور الشاعر؟

نعم! وأن يمتد إلى دور جميع الكتاب والفنانين والمفكرين وكل من كانت له منصة عالية، ترتب مدارات وبوصلة الإيقاع الجمالي والأخلاقي للجماعات البشرية؟

جميع أؤلئك‭..‬ بدأت منصاتهم تغرق بين جيوش المتسلقين والأصوات الانتهازية المتاجرة بالدين والعصبيات الطائفية والأيديولوجية، مهما كانت الأسلحة والأثمان‭.‬

النوع البشري في مأزق شديد بعد تضاعف عدد المنابر ملايين المرات واتسعت إغراءات الأضواء البراقة التي تشتت انتباه الجماعات البشرية‭.‬

معظم البشر أصبحوا يتفرّجون على ذات ملايين الإغراءات المعروضة على جميع سكان العالم، والتي هجم الرعاع على منصاتها الجديدة البراقة، ليقودوا من تعطلت مجساتهم بسبب تلك التغييرات النوعية التي عززتها الفوضى‭.‬

بسبب الفوضى، لم يعد لكل تجمع بشري بوصلته المحكمة التي يمسك بها المترفعون والمتسابقون إلى الترفع لإثرائها جماليا، وبينهم الشعراء‭.‬

لا أريد أن أجرح الرصيد العجيب لكلمة ثورة‭.‬ لكن جميع الثورات العاصفة، التي أنهت حقبا من الظلم، مزّقت في الوقت نفسه بوصلة الاستقرار الخفية للمجتمعات، من الثورة الفرنسية إلى الروسية والصينية والإيرانية، وصولا إلى ثوراتنا القديمة والجديدة‭.‬

وقراءة تفاصيل التاريخ المسكوت عنه، لصاحب الثورات، تؤكد أن الثورات دائما يطلقها الشعراء والكتّاب والفنانون والمفكرون، ثم يقودها الشجعان، ليحصد ثمارها الجبناء والانتهازيون‭.‬

الإنسان قادر على ارتكاب جميع البشاعات عندما تحلّ الفوضى‭.‬ لا فرق بين الشعب السويسري أو الألماني والإماراتي وبين الشعب السوري أو العراقي أو الليبي‭.‬

ولو اهتز استقرار الدولة البريطانية أو السويدية، وخاصة في عصرنا الحالي، لشهدنا أكثر ممّا حصل في سوريا والعراق والصومال‭.‬

العصر تغير بإغراءاته، ولم تعد بوصلة المجتمعات بيد من يحاولون صناعة الجمال‭.‬ ولو حدث احتلال العراق مثلا أو الثورة السورية قبل 40 عاما لما حصل كل هذا الخراب ولما أفلتت بوصلة المجتمع من يد النخبة، وما كان المجتمع ليسمح بتسلق الرعاع إلى أعلى المنصات‭.‬

وحده الاستقرار يعيد البوصلة إلى نصابها ويعيد إيقاع المجتمعات ومنابرها إلى الشعراء والكتاب والفنانين والمفكّرين ومن ينصتون إلى حاجات الإنسان الأعلى والأعمق والأجمل‭.‬

هناك عنوان آخر لمرحلة الانحطاط التي نعيشها، وهو صعود الإسلام السياسي، الذي ذهب بالخراب إلى حدوده القصوى‭.‬ تلك المرحلة بدأت بوصول الخميني إلى السلطة في إيران، وجميع التمزقات التي حدثت في المنطقة هي هزات ارتدادية لذلك الزلزال‭.‬

أوروبا العلمانية المستقرة لن تقوى على الصمود، وسوف تتمزق، لو وصل نظام كاثوليكي متطرّف إلى السلطة في إيطاليا مثلا أو بروتستانتي متطرف في بريطانيا ليحتكر الحقيقة المطلقة‭.‬

إذا كان هناك من أمل بعودة مجتمعات المنطقة للعثور على البوصلة التي يساهم الشعراء في رسم إيقاعها الجمالي، فهو أننا نشهد بداية نهاية المرحلة المظلمة التي بدأت في طهران قبل 36 عاما وجرّتنا جميعا إلى هذا المستنقع‭.‬

إذا لم تنته تلك المرحلة فإنها ستجر العالم بأسره إلى الكارثة‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.