بهجة الرواية البوليسية
بالنسبة إلى قلة الإنتاج في هذا الجنس الأدبي، فللأسف هو ليس وحده من يعاني من هذه المعضلة المثيرة للاهتمام، فثمة أجناس أخرى تعاني من نفس المشكلة، ومنها رواية الخيال العلمي ورواية المغامرات وروايات الشباب، ولعل لذلك أسباب عدة أهمها في رأيي عدم رسوخ الفن الروائي عموما في التربة العربية بالشكل المطلوب، ثم عدم احترافية الكتاب، فأغلب روائيينا إن لم نقل كلهم هواة، لا يتفرغون بشكل كلّي للكتابة، ثم هناك من ينظر بعين الاحتقار والاستصغار للرواية البوليسية، وكأنها ليست جنسا أدبيا قائم الذات، له تقنياته وخصائصه وصعوباته كذلك.
2-
الكتابة عموما تحتاج دربة وصبرا ومجاهدة النفس، لكنّ أجناسا بعينها يعاني فيها الكاتب معاناة حقيقية نظرا للجهد الكبير الذي تتطلبه في كتابتها ومنها الرواية، أما إذا تعلق الأمر تحديدا بالرواية البوليسية فيصبح الأمر أكثر دقة، ولا مجال فيه للتداعيات أو الارتخاء أو ملء الصفحات بما يتهادى في الخاطر، بل لا بد من تطوير الأحداث ضمن حبكة قوية ومحكمة، فيها كثير من المنطق، وتحكمها الوقائع، بعيدا عن الصدف المجانية، ومن هنا تأتي صعوبتها.
3-
طبعا تتميز الرواية البوليسية عن الرواية التقليدية خاصة في تكنيك الكتابة، إذ أنها تتميز بواقعيتها المفرطة، وموضوعية أحداثها، ومنطقية سردها، وقوة حبكتها، وذكاء مفرط في تحليل ألغازها، التي تتمّ ضمن جوّ من المطاردات والأحداث المتراكمة، مع مراعاة عدم انتباه القارئ لحل اللغز حتى يبقى التشويق في درجاته العليا، وإلا تخلّى غير آسف عن قراءة الرواية.
4-
نعم يعاني جنس الرواية البوليسية من انعدام أقلام متخصصة أو لنقل قلتهم في الوطن العربي للأسباب سالفة الذكر، ويمكن أن نقول إننا محظوظون في المغرب بوجود كاتب متخصص في هذا المجال، وإن كان يكتب رواياته باللغة الفرنسية، وهو عبدالإله الحمدوشي، وروايته مترجمة إلى اللغة العربية، لكن بصراحة يعاني هذا الجنس من فقر كبير في المكتبة العربية، ويمكن إغناء رصيده بتخصيص جائزة في هذا الجنس تحفّز الكتاب على التعاطي معه وكتابة نصوص فيه.
5- في تجربتي الروائية خضت مغامرة كتابة رواية بوليسية وهي رواية “زنبقة المحيط”، وتصنف ضمن الرواية البوليسية لاعتبارات عدة، منها أنها تتوفر على جوّ من الأحداث ذات الطابع الإجرامي، وعلى جريمة اختطاف سيتدخل رجال الأمن لفك لغزها، كما سيكون للبوليس الخاص دور في هذا البحث، بالإضافة إلى أن هناك مطاردات بوليسية ضد عصابة إجرامية، تتم أحداثها ما بين فرنسا والمغرب، فالقارئ لهذه الرواية سيلاحظ هذا الجو المضطرب المتسم بالتشويق، وبكثرة الأحداث وتراكمها في ثلاثين فصلا، تتميز عموما بكثير من الحركة والتشويق.