تأمل‭ ‬في‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية

الأربعاء 2017/03/01
تخطيط: إبراهيم الحسون

‬ومنذ “نقد‭ ‬الشعر”‭ ‬لقدامة‭ ‬بن‭ ‬جعفر‮ ‬‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجري‮ ‬‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬مازالت‭ ‬العرب‭ ‬تتأمل‭ ‬شعريتها‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬مناهج‭ ‬البحث‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭.‬

لن‭ ‬أوسّع‭ ‬من‭ ‬حقل‭ ‬تأملي‭ ‬هذا‭ ‬ليصل‭ ‬حدود‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬المتخصص،‭ ‬بل‭ ‬تأمّلي‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬النظرة‭ ‬الفلسفية‭ ‬المهجوسة‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ .‬ولهذا‭ ‬كان‭ ‬سؤالي‭ ‬الأرأس‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬شعرية‭ ‬عربية‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬الأزمان‭ ‬والأمصار؟

الجواب‭ ‬بنعم‭ .‬فكل‭ ‬شعر‭ ‬مكتوب‭ ‬بلغة‭ ‬العرب‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬كاتبه‭ ‬شاعراً‭ ‬من‭ ‬موريتانيا‭ ‬أو‭ ‬كان‮ ‬‭ ‬شاعراً‭ ‬من‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭.‬‮ ‬وليس‭ ‬أحد‭ ‬بقادر،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قرأ‭ ‬قصيدة‭ ‬عربية لا معرفة‭ ‬مسبقة‭ ‬لديه بها مغفلة‭ ‬من‭ ‬الاسم أن‭ ‬يخمّن‭ ‬إلى‭ ‬أيّ‭ ‬بلد من‭ ‬بلدان‭ ‬العرب‭ ‬تنتمي‭.‬

وإن‭ ‬انتماء الشعر إلى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العرب‭ ‬لهو‭ ‬انتماء‭ ‬جغرافي‭ ‬وليس‭ ‬انتماءً‭ ‬لنمط‭ ‬من‭ ‬الشعرية‭ ‬خاص‭ ‬بكل‭ ‬بلد‭ .‬وليس‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬اختلاف‭ ‬شعري‮ ‬كيفيّ‭ ‬بين‭ ‬شعر‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬العرب‭ .‬والأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الصواب‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬اختلاف‭ ‬الشعراء‭ ‬أنفسهم‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬الإقليمية‭ .‬وعندها‭ ‬سنجد‭ ‬تنوعا‮ ‬‭ ‬بين‭ ‬شعراء‭ ‬مختلفي‭ ‬البلدان‭ ‬واختلافا‭ ‬بين‭ ‬شعراء‭ ‬بلد‭ ‬واحد‭.‬

‮ ‬‭ ‬وعندي‭ ‬بأنه‭ ‬لمن‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬سمات‭ ‬جوهرية‭ ‬للشعر‭ ‬الفصيح‭ ‬في‮ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬فيما‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ .‬وهذا‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬الموضوعي‭ .‬فشعر‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬المحكي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬شعر‭ ‬الفرّا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬الشعرية‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الماهية‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعرية‭ ‬الشعبية‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقتين‭ .‬فيما‭ ‬هناك‭ ‬تشابه‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬المحكي‭ ‬اللبناني‭ ‬والساحل‭ ‬السوري‭ ‬والجليل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهكذا‭.‬

فيما‭ ‬الشعر‭ ‬الفصيح‮ ‬‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬هوية‭ ‬منطقة‭ ‬أو‭ ‬قطر‭ ‬أو‭ ‬بلد‭ .‬بل‭ ‬إن‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرد‭ ‬هو‭ ‬المعبّر‭ ‬عن‭ ‬شعره‭ .‬غير‭ ‬أننا‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تتبّع‭ ‬أنماط‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الشعرية‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحدد‭ ‬ماهية‭ ‬البلد‭ ‬الشعرية‭ ‬كلها‭.‬

فمدرسة‭ ‬أبولو‭ ‬الشعرية‭ ‬المصرية‭ ‬ظاهرة‭ ‬مصرية‭ ‬لأنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بجماعة‭ ‬مؤسِسة‭ ‬لها منهم‭ ‬أحمد‭ ‬أبو‭ ‬شادي‭ ‬وإبراهيم‭ ‬ناجي‭ .‬غير‭ ‬أن‭ ‬الظاهرة‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬انتظمت‭ ‬الساحة‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة من‭ ‬أبوالقاسم‭ ‬الشابي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬اللبناني‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬إلى‭ ‬السوري‭ ‬عمر‭ ‬أبوريشة‭ .‬أما‮ ‬‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬شاعرية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬إلا‮ ‬‭ ‬إلى‭ ‬الذائقة‭ ‬الشعرية‭ ‬للمجيب،‭ ‬وإلى‭ ‬معايير‭ ‬نقد‭ ‬الشعر‭ ..‬الخ‭ .‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬شعرية البلد‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭.‬

وليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬فإن‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬بعامة‭ ‬قد‭ ‬عاش‭ ‬التحولات‭ ‬نفسها‭ ‬تقريباً،‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬البدايات‭ .‬فالشعر‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬استعاد‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬شعر‭ ‬بحور‭ ‬الفراهيدي‮ ‬والقوافي‭ ‬وحتى‭ ‬الأغراض،‭ ‬شعر‭ ‬عمّ‭ ‬البلاد‭ ‬كلها‭ ‬ومازال‭ ‬مستمراً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬المتأمل‭ ‬ليندهش‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الغربية‭ ‬اندهاشاً‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يزول‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬أسباب تعايش‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬حياتنا‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬حتى‭ ‬الأزياء‭ ‬مروراً‭ ‬بالأفكار‭.‬

فما‭ ‬زال‭ ‬الشعر‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬في‭ ‬مديح‭ ‬السلاطين‭ ‬مستمراً،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الذائقة‭ ‬الشعرية الغنية‭ ‬الآن‭ ‬بإنجازات‭ ‬الشعرية‭ ‬الراهنة‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭ ‬أو‭ ‬التفعيلة‭ ‬بأغراضها‭ ‬الجديدة‭ ‬وجماليات‭ ‬لغتها‭ ‬أن‭ ‬تدرج‭ ‬قصائد‭ ‬الجواهري‭ ‬المدحية‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬القيمة‭ ‬الشعرية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬الكاريكاتيرية‭ ‬لمدح‭ ‬المتنبي‭ ‬لسيف‭ ‬الدولة إذ‭ ‬تعوزه‭ ‬موهبة‭ ‬المتنبي‭ ‬ولا‭ ‬شك‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬الشعر‭ ‬الكلاسيكي‮ ‬الحماسي‭ ‬الوطني‭ ‬المباشر‭ ‬مازال‭ ‬يحاكي‭ ‬شعر‭ ‬الفخر‭ ‬القديم‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭.‬

وفِي‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الجديد‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة‭ ‬وشعر‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬قد‭ ‬عم‭ ‬الساحة‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭ .‬والسؤال‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأكثر‭ ‬شعرية من‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬الجديد‭ ‬سؤال‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭ .‬فأنا‭ ‬مثلاً‭ ‬أميل‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬صلاح‭ ‬عبدالصبور‭ ‬المصري‭ ‬أكثر‭ ‬شعرية‭ ‬في‭ ‬جديده‭ ‬من‭ ‬شعرية‭ ‬العراقي‭ ‬سعدي‭ ‬يوسف‭ .‬والسياب‭ ‬العراقي‭ ‬أكثر‭ ‬شعرية‭ ‬من‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سميح‭ ‬القاسم‭ ‬وهكذا‭ ..‬لماذ؟‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‭ ‬تابعة‮ ‬‭ ‬لذوقي‭ ‬وثقافتي‭ ‬ومعاييري‭ ‬أنا‭.‬

حتى‭ ‬المسرح‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬لخليل‭ ‬اليازجي‭ ‬في‭ ‬مسرحيته‭ ‬البسيطة‮ ‬“المروءة‭ ‬والوفاء”‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬إبداعه‭ ‬عربياً‭ ‬أو‭ ‬لسليم‭ ‬البستاني‭ ‬في‮ ‬مسرحيته‭ ‬“قيس‭ ‬وليلى”‮ ‬صار‭ ‬ظاهرة‭ ‬شعرية‭ ‬عربية عامة‭ .‬من‭ ‬مسرحية‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬الشعرية‭ ‬“قيس‭ ‬وليلى”‮ ‬‭ ‬إلى‭ ‬مسرحية‭ ‬“الإزار‭ ‬الجريح”‭ ‬لسليمان‭ ‬العيسى‭ ‬مروراً‭ ‬بمسرح‭ ‬صلاح‭ ‬عبدالصبور‭ ‬الشعري،‭ ‬ومسرحية‭ ‬“مأساة‭ ‬الحلاج”‭ ‬للمصري‭ ‬صلاح‭ ‬عبدالصبور هي‭ ‬أهم‭ ‬المسرحيات الشعرية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اطلعت‭ ‬عليها‭ ‬أنا‭ .‬وتتفوق‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬على‭ ‬مسرحية‭ ‬“الإزار‭ ‬الجريح”‭ ‬للسوري‭ ‬سليمان‭ ‬العيسى،‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬مسرحية‭ ‬“شمسو”‭ ‬للعراقي‭ ‬خالد‭ ‬الشواف‮ ‬‭ ‬وهذا‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬السوري‭ ‬والعراقي‮ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬لمصرية‭ ‬الصبور‭ ‬بل‭ ‬لموهبته‭ ‬فقط‭.‬

نخلص‭ ‬إلى‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬التمايز‭ ‬والاختلاف‭ ‬في‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭ ‬تمايز‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الأفراد‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬والأقاليم‭ .‬والحق‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬والعراق‭ ‬ومصر‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬مظاهر‭ ‬الإبداع‭ ‬العربي‭ ‬الشعري‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬النزعة‭ ‬بالريادة‭ ‬والتميز‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والرواية‭ ‬وسواهما‭ ‬من‭ ‬صنوف‭ ‬الإبداع‭.‬

وبعد‭: ‬لقد‭ ‬كتبنا‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬“العرب”‭ ‬قائلين‭ ‬“ومن‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬يولد‭ ‬القبول‭ ‬بنسبية‭ ‬الحقيقة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬موضوعيتها،‭ ‬وليس‭ ‬بالنسبية‭ ‬المطلقة،‭ ‬لأننا‭ ‬إذا‭ ‬انطلقنا‭ ‬من‭ ‬نسبية‭ ‬مطلقة‭ ‬تصبح‭ ‬كل‭ ‬الأحكام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الحقيقة،‭ ‬عندها‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬حوارا،‭ ‬والنسبية‭ ‬المطلقة‭ ‬تطيح‭ ‬بمعايير‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نؤسس‭ ‬ذهنية‭ ‬حوار‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة،‭ ‬مع‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أحكاما‭ ‬صائبة‭ ‬وأحكاما‭ ‬مخطئة؟‭ ‬فالنسبية‭ ‬لا‭ ‬تلغي‭ ‬صحة‭ ‬أحكام‭ ‬أو‭ ‬خطأ‭ ‬أحكام،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬المعارف‭ ‬الأدبية‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية”‭.‬

والحق،‭ ‬إن‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬مفسدة‭ ‬للحوار‭ ‬ولانتصار‭ ‬ثقافة‮ ‬‭ ‬الحوار‭ ‬ولكن‭ ‬متى‭ ‬تصبح‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬مفسدة‭ ‬للحوار؟‭ ‬عندما‭ ‬تتحول‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬إلى‮ ‬أساس‭ ‬للمعرفة‭ ‬والتقويم‭ ‬ويصبح‮ ‬‭ ‬التعصب‭ ‬بأيّ‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬مصدر‭ ‬أحكامنا‭ .‬إن‭ ‬الانحياز‭ ‬الأيديولوجي‮ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬حوارات‭ ‬مثمرة بل‭ ‬التضاد الذي‭ ‬هو‭ ‬نفي‭ ‬الآخر،‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬التضاد‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التضاد‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬فيها‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار،‭ ‬لأن‭ ‬أهم‭ ‬شرط‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الحوار‭ ‬هو‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬وحريته‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬المؤسس‭ ‬بدافع‭ ‬المعرفة‭ ‬والمعرفة‭ ‬فقط‮ ‬‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الرأي‮ ‬‭ ‬يقع‮ ‬‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬مع‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬والنقيض‭ ‬لثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬هو‭ ‬ثقافة‭ ‬الإقصاء‭ .‬وعندي‭ ‬أن‭ ‬الحوار‭ ‬هو‭ ‬أداة‭ ‬تحرر‭ ‬من‭ ‬ذهنية‭ ‬الإقصاء‭ ‬والنفي‭ ‬والحقيقة‭ ‬المطلقة،‭ ‬وما‭ ‬أحوجنا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬تجذير‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يضج‭ ‬بالاختلاف‭ .‬الاختلاف‭ ‬والاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬الاختلاف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬الحوار‭ ‬طريقاً‭ ‬لتطوير‭ ‬الأفكار‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬التعصب،‭ ‬وكل‭ ‬تعصب‭ ‬مرذول‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.