تراب الماس
يعد فيلم “تراب الماس″ العمل الثالث الذي يجمع بين كل من الأديب والسيناريست أحمد مراد والمخرج مروان حامد، بعد فيلمي “الفيل الأزرق” و”الأصليين”، ومن المعروف أن المخرج مروان حامد يداوم على تقديم أفلام سينمائية تستند إلى أصول أدبية منذ دراسته بالمعهد العالي للسينما، فقد أقبل على تحويل قصتين للأديب يوسف إدريس إلى أفلام روائية قصيرة حصدت العديد من الجوائز وهي “الشيخ شيخة” و”لي لي”، كما قدم أول أفلامه الروائية الطويلة “عمارة يعقوبيان” المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للأديب علاء الأسواني.
وتنتمي رواية “تراب الماس″ التي يستند إليها فيلمه الأخير إلى الأعمال البوليسية وهي “عمل أدبي تدور أحداثه في أجواء قاتمة بالغة التعقيد والسرية، ويتضمن جرائم قتل أو سرقة أو ما شابه ذلك، وهذه الجرائم، في الغالب، غير كاملة، لأن هناك شخصا يسعى إلى كشفها و حل ألغازها المعقدة” كما جاء في كتاب “عبدالقادر شرشار: الرواية البوليسية/بحث في النظرية والأصول التاريخية والخصائص الفنية وأثر ذلك في الرواية العربية -دمشق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2003″، حيث تعتمد الرواية على حبكة أساسية تتمثل في محاولة البطل “طه” الكشف عن سر مقتل أبيه القعيد .
ويلتزم فيلم “تراب الماس″ بنفس العبارة الافتتاحية الخاصة بالعمل الأدبي وهي “أظلم الأوقات في تاريخ الأمم هي الأوقات التي يؤمن فيها الإنسان بأن الشر هو الطريق الوحيد للخير” (من كتاب “الجمعيات السرية” تأليف/على أدهم) وتعدّ العبارة السابقة هي المفتاح الأساسي لفهم دوافع شخصيتى حسين الزهار و طه الزهار فقد قام كلاهما بارتكاب جريمة القتل العمل بعد تأكدهما من أن عدالة القانون لن تعيد للمظلوم حقه، ومن اللافت للانتباه دقة اختيار الأديب وكاتب السيناريو أحمد مراد لاسم بطل العمل الأدبي والسينمائي “طه حسين” ويحيل هذا الاسم إلى عميد الأدب العربي طه حسين، فبطل الفيلم هو أعمى لا يبصر حقيقة جرائم والده.
ويعتمد السيناريو السينمائي لفيلم “تراب الماس″ على تقنية زرع المعلومات التي تتم الاستفادة منها لاحقاً داخل الفيلم، مثل قيام البطلة منة شلبي بإعداد مشروب الينسون للمذيع إياد نصار في بداية الأحداث، وهو ما يتم توظيفه في ختام العمل عندماً تضع له مسحوق تراب الماس داخل نفس المشروب.
كما يقوم السيناريست بالكشف عن أبعاد الشخصيات تدريجياً، ويتضح ذلك على سبيل المثال من خلال شخصيتي الأب (أحمد كمال) والمذيع ، فالأول يظهر في بداية الأحداث باعتباره رجلاً قعيدًا يعيش في هدوء مع ابنه الوحيد ثم يتضح من خلال الأحداث ارتكابه العديد من جرائم القتل، أما الثاني فيظهر أمام المواطنين في ثوب المذيع المناضل ليتضح في الجزء الأخير من العمل قيامه بإقامة العديد من العلاقات الجنسية، خارج إطار مؤسسة الزواج ، وتصوير هذه العلاقات التي تتم داخل منزلة، ونلاحظ أن السيناريست يقدم إدانة للواقع السياسي من خلال اختياره لعبارة “مجلس الشعب” الموجودة على حافظة الأفلام الإباحية الخاصة بالمذيع.
كما يعتمد السيناريو على عنصر المفارقة في أكثر من موضع، فبجانب مفارقة التناقض بين المظهر والجوهر المرتبطة بشخصية المذيع، فهناك أيضاً المفارقة الدرامية الخاصة بقيام طه (آسر ياسين) بالتخلُّص من البلطجي (محمد ممدوح)، عن طريق مسحوق “تراب الماس″ داخل كوب الشاي الخاص به، ويشترك كل من المتلقي والبطل في معرفة هذه المعلومة التي يجهلها البلطجي، كما ترتبط المفارقة بتصاعد عنصر التشويق داخل المشهد السينمائي عندما يقوم البطل بوضع “تراب الماس″ داخل أكياس السكر الموجودة في المطعم قبل وصول الضابط الفاسد، وينبع التشويق داخل هذا المشهد من خلال توحد المتلقي مع البطل الذي يجلس أمام الشرطي مترقباً لحظة استخدامه لأكياس السكر المخلوط بتراب الماس.
أما المخرج السينمائي مروان حامد فيتجه إلى الربط بين الأجيال الثلاثة (الجد ـ الأب ـ الابن ) من خلال توظيف اللازمات المرئية المتكررة وهى قيام كل منهم بالسير ليلاً داخل الحارة (الجد قبل وفاته بقليل ـ والأب عقب عودته من هزيمة 1967 ـ والابن عقب تهديد الضابط الفاسد له). كما يعبر عن الحالة النفسية للشخصيات من خلال تكوين الكادر، مثل اللقطة التي تجمع بين حسين الزهار (شاباً) وعلم جمهورية مصر العربية، بعد عجزة عن الالتحاق بالكلية الحربية ، والتي تجسد المسافة الهائلة بين طموح الشخصية وهزيمتها أمام الواقع القاسي، كما يحسب للمخرج دقة توظيفه للقطات المقربة، مثل اللقطة الخاصة بالعبارة الموجودة داخل منزل رجل القانون الفاسد وهي “العدالة المفرطة ليست بعدالة” والتي تحمل إدانة لشخصية محروس برجاس (عزت العلايلى)، كما يحاول المخرج وكاتب السيناريو استخدام الأسلوب الأدبي داخل الفيلم من خلال توظيف صوت الراوي/البطل في ختام العمل، عندما يتحدث عن مشاعره وأحاسيسه الداخلية.