تراب الماس والجريمة المبررة
إن علاقة علم النفس بالرواية علاقة نقدیة في الأساس، فقد استخدم المنهج النفسي في تحليل نفسية الكاتب من خلال أعماله الأدبية، والمنهج النفسي حين يستخدم في النقد يعتبر بمثابة الآليات والأدوات الإجرائية التي اعتمدها الناقد في فهم أسرار الأدب ودراسته مرتكزا على نظريات علم النفس التي جاء بها سيغموند فرويد. فعلم النفس وسيلة مهمة في عملية كشف أسرار الروایة ذاتها والدخول في أعماقها، وذلك باستخدام آلياته لسبر أغوار أنماط الشخصيات لفهمها.
وبناء على ما سبق سأقرأ رواية “تراب الماس″ في ضوء فنيات فرويد، وهو ما يطلق عليه التحليل النفسي الكلاسيكي. وعن طريق القراءة المتأنية لمونولوجات شخصيات الرواية نجد أنها -الشخصيات- معقدة وتمر بمراحل مختلفة تظهر كوامنها المعتلّة ودوافعها لما ارتكبته.
وبشيء من التفصيل ننظر عن كثب في شخصيات الرواية المحورية ونبدأ بـ”طه” بطل الرواية، الشاب الكلاسيكي الذي يعيش حياة رتيبة روتينية، يعاني من اضطراب القلق العام وهو ما يظهر على تصرفاته لما مرّ به من اضطرابات إثر ترك أمه له دون إبداء أسباب، وهو ما كان سببًا في عدم استطاعته الاعتراف بحبّه للفتاة التي تعجبه. أما “سارة” وهي الفتاة التي يحبها البطل، فلديها عدة أعراض من اضطراب الهستيريا “تساعد طه بل وتنقذه مرة من الموت وتدعمه معنويا بشتّى الطرق”.
سارة تنهش في وجدانها صراعات نفسية بسبب عدم قدرتها على التوازن بين أفكارها وبين عادات المجتمع المفروضة عليها. فهي تعيش شخصية بشبه نمطين. فكما يقول الراوي “غريب أمر تلك الفتاة تريد أن تكون ملفتة دون أن يلتفّ الذباب حولها”.
أما عن الجانب المظلم من شخصيات الرواية فنجد “السرفيس″ الذي يتجلى فيه بوضوح أبعاد الشخصية السيكوباتية. يستلذ بالقتل والأذى ولا يشعر بالذنب فهو مجرم حقيقي ويحب ذلك. ثم “وليد سلطان” الضابط العدائي النرجسي الذي لا يهمّه أحد قدر نفسه، والاحتفاظ بسلطته، لديه لمسة من السيكوباتية أيضًا. تلك الشخصيات التي ذكرناها ينطبق عليها كل ما تحتاجه روايات الجريمة. حفنة من المرضي والمضطربين، يسعون للثأر من شيء ما حسب وجهة نظر كل واحد منهم..
في الجزء الأول من الرواية يكون طه مدفوعًا بشيء من الإجبار لارتكاب الجرائم، ولكن عندما نصل إلى النصف الأخير من الرواية، يكون طه هو من يريد فعل ذلك ويخطط بشكل دقيق للانتقام حتى يشفي غليله ويربح جولة أخري وبذلك يضعنا الكاتب أمام أكثر من مجرم ولكنهم مختلفون ودوافعهم مختلفة. وسنأخذ طه والسرفيس كمثال للشرح. الاثنان قاما بالقتل عمدا بل حتى في نهاية الرواية، فطه صار يريد القتل وأصبحت لديه الإرادة التي تعتبر القوة المتكاملة للشخصية وقدرة الفرد على اتخاذ القرارات.
لكن السرفيس ينطبق عليه مثل ما قال فرويد في كتابه “ومن الأشياء المشتركة في كلتا الصفتين ومن الشروط الضرورية للتعبير عنهما انعدام الحب والافتقار للتقدير العاطفي في الموضوعات الإنسانية”. أما طه فيختلف عن السرفيس فهو شخص يمكن وصفه بأنه لا أخلاقي. فالرجل اللاأخلاقي -كما قال فرويد- هو الإنسان الذي يستجيب للإغراء بمجرد أن يشعر به في قلبه دونما تأجيل. والإغراء هنا هو تخليص الأرض من الشر، من الفساد. تغريه تلك المسألة مثل والده “حسين الزهار” الذي أغري من قبله حتى مل وتمنى الخلاص من نفسه ومن ما يدفعه للقتل.
وبتتبع أحداث الرواية وعند احتدام الأحداث، وانتصار طه في عدة جولات تعجبه اللعبة، خصوصا أنها تشعره بأهميته، وأن يفعل شيئا ينتشله من الروتين والتهميش والعجز الذي يشعر به، خصوصا وأنه وجد الغائية التي تعتبر الهدف الأسمى والأساسي في حياة الفرد بدافع التخلص من الشر. وهذا ما يتجلى في آخر مشهد في الرواية عندما يقرر أن يتخلص من سلاحه -تراب الماس- ويقف عند تلك النقطة. لكنه يجد دافعًا يلوّح له للاستمرار بمثابة دافع مغلف بشيء من النوايا الجيدة.