ترميم‭ ‬وجدان‭ ‬الأمة

الخميس 2015/10/01

في لحظةٍ مثلَ هذهِ، اختلَّ فيها ميزانُ القيم والمعايير في العالم اختلالا كبيرا قد لا يجد فيها الشاعر -الأعزلُ إلّا من قصيدتهِ- سوى الإصرار على اجتراح ما يراهُ مُناسبا من قيم الجمال والخير والمحبة‭.‬

هو يعرف قبلَ غيره الحدود القصوى لصوتهِ الخاص وممكناتهِ، كما يعرف تماما فداحةَ السكوت على ما يرى من خراب واضمحلال، لا سبيل آخر أمامه الآن إلّا الوقوف مع المقهورين وهو أحدهم، مهما تعددت الأسماء والمُسميات، له أن ينخرط في ما انخرط فيه آخرون، تجمعات تظاهرات، احتجاجات، على ألّا تغلب هذه وتلكَ على مهمتهِ، قدس أقداسهِ، التي نذر نفسه لها؛ الشعر، أقول الشعر، ولا أعني الهُتاف الذي يُحسنُ أداءه آخرون كثُر‭.‬

هو منذورٌ لما هو أجمل وأبلغ وأبقى، خلاف ذلك سيكفّ الشاعر عن أن يكون شاعرًا، والشعرُ عن الشعر أمام الشاعر، في ظروفٍ مثل هذه، إمكانية أنْ يأتلف مع آخرين من صنّاع الجمال؛ في حركةٍ ما أو تجمّع، من أجل بلورة موقفٍ مُتقدّم على سواه أعمّ وأبلغ تأثيرا، وفي التاريخ القريب شهدتْ أوروبا حركات أدبية وفكرية مُناهضة لعوامل الهدم ومظاهر الفساد، حركات مهمة كان لها تأثيرها البالغ في ترميم ما تراجع من قيم، وفي تهيئة الوعي العام -ولا أقول الرأي العام- للتغييرات التي حصلت في بِنية الثقافة والسياسة والاقتصاد أمام الشاعر أن يحفر عميقا في وجدان الأمة بأدوات قادرة على اجتراح ما ليس مطروقا من أساليب أمام الشاعر المُقتدر إمكانية أن يكون مُلهِما إِنْ أراد وأعني بالشاعر المُقتدر ذلك الذي أتمّ جاهزيته، لا من خلال اللغة فحسب، بل من خلال قراءة واقع ما يجري قراءة عميقة وفاحصة، مُتسلّحا بالمعرفة قدر ما يستطيع، ليكون عنصرا فاعلا في مجتمعهِ، في لحظةٍ استثنائية كاللحظة التي نعيش تداعياتها الآن وقد لا أذهب بعيدا لو قلت أنّ شاعرا مثل هذا له أشباهٌ كثُر في حياتنا، لولا أن بعضهم قد آثر الصمت وبعض الشِعر صمتٌ وَإِنْ نطق بلسانٍ فصيح‭.‬

أعرف أنّ اهتمام الناس في العقود الأخيرة قد انصرف عن الشِعر إلى سواه، وربما إلى ما هو نقيضٌ له، وذلك لعوامل كثيرة يطول شرحها هنا، وهو تحدٍ آخر أمام الشاعر، ولكن الذي أعرفه أيضا هو أنّ الشاعر الحقيقي لا يمكن له أن يستسلم بسهولة لقدرٍ مثل هذا الشعر في أقصى حالاتهِ هو تحدٍّ أيضا كلّما اشتبكت عليه نوايا الآخرين وضلالاتهم تجدد فيه الخصب والنماء واعتلى صهوته شعراء مُجدّدون ولنا من الأمثلة في تاريخ الشعرية العراقية والعربية ما يؤكّد على ذلك‭.‬

فهل أراني على أملٍ قريب في فتحٍ شعريٍّ قادم، لا أشكّ في ذلك، ولكن ما يهمني هنا فعلا هو أن يكون للشعر الدور المهم في ترميم وجدان الأمة، (أقول؛ وجدان الأمة وأعني وجدان الشعب، عراقيّا أو عربيا، لا عقدةَ لي في ذلك)، من أجل أن يكون حاضرا، وعلى مرمى وعيٍ مُتقدّم بما يجري الآن‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.