ثقافة الفيسبوك
شكل الفيسبوك منذ وصوله بين أيدي الجيل الجديد منصة بأصوات شابة متطلعة لطالما أخافت الأنظمة الاستبدادية العسكرية والثيوقراطية الدينية وأرّقتها، تجندت القوى التنويرية في معركة إعلامية وثقافية وسيكولوجية فريدة من نوعها مستثمرة هذا الفضاء الأزرق، فخلال العشرية الماضية من هذا القرن وجدت الأصوات النقدية في هذا الإعلام سندا لمعركتها ضد مؤسسات مريضة واقتصادات هشة قائمة على الرشوة والفساد والفوضى التي في غالبيتها تعود إلى سنوات الاستقلالات الوطنية.
لقد استطاعت منصّات الفيسبوك أن تنقل الخوف من معسكر المواطنين البسطاء، الرعايا، إلى معسكر الحاكمين بأمر العسكر أو بأمر الله.
لقد جاء خطاب منصّات الفيسبوك بكودات جديدة، منذ بداية شيوعه في العالم العربي والمغاربي، كودات لم تستطع الأنظمة فك لغزها لأنها ببساطة كانت من اجتهاد جيل جديد، يريد الحياة مؤسسة على قيم أخرى. قيم حقوق الإنسان والعيش الكريم، وهي القيم التي ظلت مغيبة في دول العالم الثالث العربية منها والمغاربية.
لم يعد خطاب الوطنية الزائد في الحماس والفروسية السياسية ليقنع الجيل الجديد، فالناس لا تتعشى بالعلم الوطني ولا تشرب الأناشيد الوطنية ولا تتغطى بالآيات القرآنية، الجيل الجديد الذي وجد بين يديه الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لا يريد أن يعيش كما عاش الآباء تحت الذل المغلف في انتصار كاذب.
كان جلوس مئات الآلاف من الشبان والشابات أمام أجهزة الكمبيوتر يثير قلق الأنظمة التي لم تفهم أساليب هذه المعركة ولا نوعية هذا السلاح الذي هو غنيمة تكنولوجيا الغرب الكافر، الغرب المستعمر، كما ظلت تقدمه لنا الأنظمة العسكرية أو الدينية الثيوقراطية على حدّ السواء.
لقد عرّى الخطاب الفيسبوكي المضاد في سنواته الأولى كثيرا من وجوه الأنظمة الفاسدة التي مسها الربيع العربي قبل أن يصادر الإخوان المسلمون الثورات وأفسدوا مراميها.
ولعل المعركة الأولى التي خاضتها جيوش الفيسبوك التنويريون، وعلى الرغم من انهيار حلم التغيير كما كانت تحلم به هذه الجيوش التنويرية، إلا أن الأنظمة وجدت نفسها مجبرة على التراجع قليلا ولو مرحليا فأطلقت الوعود بتغييرات جوهرية في مؤسسات الدولة وسنّ قوانين جديدة متصلة بالشفافية في الحكامة، ومتصلة أيضا بكيفية تدبير أمور المجتمع كالمدونة الأسرية وحقوق الطفولة وفتح مجال الإعلام والسماح بتأسيس أحزاب جديدة، والسماح للأقليات بالحفاظ على لغتهم وثقافتهم كما هو الشأن بدسترة اللغة الأمازيغية في الجزائر لتصبح لغة وطنية ورسمية إلى جانب اللغة العربية.
وفي مقابل تراجع الأنظمة سارعت السلفية التكفيرية إلى تشكيل جيش جديد من الفيسبوكيين الجدد، منصات فيسبوك بخطاب تكفيري تارة وتخويني تارة أخرى أو تهويدي في حالة ثالثة، كل ذلك للرد على الأصوات التنويرية ووضع اليد على مستقبل البلد.
وفي فترة وجيزة تحول الخطاب في الفيسبوك من خطاب بمفردات تنويرية ضد قوى الوهابية والظلامية إلى خطاب تكفيري يمارس عملية تجييش العامة الغوغاء ضد المثقفين التنويريين.
وبثقافة التكفير هذه تعود الأنظمة القديمة بلبوس جديد مستغلة القوى الظلامية لتهديد المثقفين، وبالتالي البحث عن نقل “الخوف” من معسكر الأنظمة إلى معسكر قوى التنوير كل ذلك بتحالف غير معلن بين الأنظمة الفاسدة والخلايا النائمة من الإرهابيين.