ثورة تبحث عن كادر
كان بإمكانك حتى وقت قريب أن تلمح في شوارع القاهرة شابا نحيفا فوق دراجة هوائية، لا يحمل فوق رأسه أرغفة خبز، أو قفص فاكهة، لكن نسخ مجلة قصص مصورة للبالغين.
الشاب اسمه شناوي، لن تعرف في الغالب أكثر من اسمه المفرد ذاك، هو صاحب المجلة وأحد رساميها، أما “بضاعته” نفسها، فاسمها “توك توك”. ربما لا يمكن استيعاب المشهد خارج شوارع “وسط البلد” الغاصة بأشباهه من الغرباء والغريبين، لكن الأكيد، أن رحلة مروره الدورية هذه، لم تعد بالرحلة الآمنة لشخص يقود دراجة. يكفي أن يوقفه “أمين شرطة” متشككا في أمره، ليكتشف أن غلاف أول أعداد المطبوعة عبارة عن رسم لاذع يسخر من أمناء الشرطة بالذات!
الحكاية بدأت قبل أكثر من سبع سنوات، ففي أول أيام يناير من العام 2011 انتشر على جدران “وسط البلد” ملصق لا يخلو من قتامة، يحتله رسم نصفي، لأمين شرطة متجهم منكفئ بعينيه على دفتر مخالفاته، وقد انهمك في تسجيل مخالفة. كان على من أيقظه فضوله أن يقترب قليلا، وأن يمعن النظر، في الليل الشبحي لجدران عاصمة الليل الفقيرة، كي يتمكن من مطالعة “اللوجو” المشهر فوق الرجل المتجهم “توك توك”.. وليطالع بخط أصغر، تفسيرا لا يقل غرابة عن الاسم “محطة القصص المصورة”، مع تنبيه بخط أصغر “تحفظ بعيدا عن متناول الأطفال”.
التناقض الدلالي تم التعبير عنه بذكاء، بين العلامة، “توك توك”، (التي تمثل إحالة مباشرة إلى العشوائية المقلقة للنظام، لخرق قانون المرور السياسي والفني، للأطفال الذين يتولون القيادة “الجمالية” بدلا عن “الكبار”، دون “رخصة” من مؤسسة)، وبين الصورة، التي تجسد السلطة، وهي تسجل عقابها المنتظر ضد المخالفة “الجمالية”.
كانت الحوائط الفقيرة مكان الدعاية المتاح، الذي لن توفره الأحياء القاهرية “النظيفة”. وفي التاسع من يناير عام 2011، أي قبل اندلاع الثورة المصرية بأقل من أسبوعين، اكتظ الشارع الضيق المواجه لغاليري “تاون هاوس″ بشباب اصطفوا ليشتروا النسخ الأولى من المجلة الواعدة في حفل توقيعها، يستنشقون الهواء المتوتر لمدينة مختنقة متحفزة، ستندلع ثورتها بعد أيام.
“زحمة” مصورة
كانت “توك توك” إذن تفتتح عام الثورة المصرية، حالمة بـ”زحمة من القصص المصورة” كما أكد أصحابها في افتتاحية العدد.. زحمة ما لبثت أن تحققت، بظهور تجارب “صديقة”، تجعل من التجربة ظاهرة.
قبل أن ينتهي العام الأول للثورة المصرية، كان سوق الكتاب، الراكد على مستوى الأنواع الأدبية المتعارف عليها، قد استقبل مجلة أخرى، وروايتين، ومجموعة قصصية، بل وديوانا، تنتمي كلها لفن الكوميكس.
لا يبدو الصعود اللافت لـ”الكوميكس″، (فن القصص المصورة)، في مصر بعد ثورة يناير، محض مصادفة، خاصة وأن الفن نفسه سبق وأن تعرض للتنكيل الأمني من قبل. الآن… تعرف القاهرة ثلاث مجلات للكوميكس، بينها واحدة مكرسة للتنظير للفن الذي يطلق عليه أهله “الفن التاسع″، كذلك شهدت تأسيس أول دار مستقلة، متخصصة فقط في نشر الروايات المصورة.
كأن الثورة حررت الكوميكس!.. فقد أكدت على حضور الفن التاسع، أو على ضرورة حضوره، في سياق “فن شعبي” تتطلبه اللحظة، وتسمح برواجه وتداوله.. مثلما فعل العالم المختلف الشيء نفسه مع الجرافيتي، فن الجدران المقلق للسلطات السياسية والجمالية على حد سواء.
هكذا قدم الكوميكس نفسه بطلا بعد أن كان ضيف شرف في السنوات القليلة الماضية، عبر كل الأشكال المتاحة، مقدما تنوعا كبيرا، وتراوحا أيضا في الجودة بطبيعة الحال.
علينا أن نلتفت لعدة ملحوظات دالة.. فجميع هذه المطبوعات صدرت إما عن دور نشر خاصة وإما بجهود صانعيها، وأغلب صناعها في العشرينيات من العمر أو في مطلع الثلاثينيات، ومن يعملون بالصحافة منهم، ينتمون إلى صحف مستقلة.. إجمالا، نحن أمام صناعة لا مكان فيها للشيوخ أو المؤسسات الرسمية، وأعتقد أن بقاءها هكذا سيكون أمرا جيدا ومطلوبا، لكي يظل هذا الفن الجاد خارج التدجين والأرواح التقليدية.
صورة مدينة ترانا ولا نراها
في العدد الأول من مجلة “توك توك”، دشن “التوك توكيون” مطبوعتهم، راسمين فلسفتهم “في ضواحي القاهرة الزحمة وشوارعها.. التوك توك ماشي بركابه.. وكل واحد مشواره.. تعمل توك توك على تكوين زحمة من القصص المصورة، مرسومة بروح حرة ومعاصرة، ومحررة بأيدي رساميها أنفسهم”.
شناوي، مخلوف، هشام رحمة، أنديل، توفيق.. مؤسسو المجلة وممولوها، أهدوا العدد الأول من محطتهم لروح الفنان الكبير محيي الدين اللباد، الذي يبدو تأثيره واضحا على روح المطبوعة، التي استفادت من تجربته الثرية، وبالذات في ما يخص تطوير الخبرات الطباعية للرسام.
توك توك بدت لي بالفعل مجلة المدينة، لكن المدينة “غير الرسمية”، مدينة الشوارع الضيقة والعشوائيات المنسية والزحام.. مدينة الوجوه الكالحة المعروقة والأحلام البسيطة المغدورة. لا مكان في توك توك للبطل المنتصر، لا وجود للسوبر هيرو. التوك توك، ذلك الكائن العشوائي الصغير، يواجه، بتحركاته المربكة غير المتزنة، بمراهقته النزقة، السيارات الفارهة والشاحنات الضخمة.
إحدى الشخصيات الرئيسية للمجلة “لوحة إعلانات” تقف مغتربة في أحد الشوارع، وجهها دائما ينتظر سلعة مضاءة، وعندما تختفي السلعة يعتم الوجه ولا يعود هدفا لرؤية أحد. العلامة هنا بطل، شاهد على المدينة المتوحشة، مدينة التشيّؤ، ورمز عميق لها.
هناك شخصية أخرى رئيسية، تفتتح بها المجلة في بطن غلافها الأمامي، رجل مسن، ليس له اسم، يبحث دائما عن عمل، عن “دور” في الحقيقة، حتى أنه في واحدة من محاولاته العبثية للعيش، يتجه إلى المطار، ليعمل مناديا للطائرات.. وفي محاولة ثانية، يفعل الشيء نفسه مع دبابة!
النقد الاجتماعي والسياسي هدف مباشر للمجلة كما يتضح في جل نصوصها المتعالقة بعمق بالواقع المصري. الثورة المصرية، التي أهدي العدد الثاني من المجلة لها، “لأرواح الشهداء وأبطال مصر الشجعان”، هي محور العديد من القصص، بمعالجات مختلفة، وكذلك اللغط السياسي في الشارع، من إشكاليات الحكم العسكري، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، كل هذه موضوعات حاضرة في المجلة، المنحازة في النهاية للفرد الهامشي والمنسي، المتسائل، والذي يفشل مرة بعد أخرى في الحصول على إجابة حقيقية.
تحولت توك توك إلى مدرسة متقدمة في فن الكوميكس
على جانب آخر، من الواضح أن هناك فلسفة لدى صناع المجلة، بالاجتراء في تناول “القبيح” و”المقرف” ببساطة، ما يتسق مع التحذير المحفور على كل أغلفة المجلة “تُحفظ بعيدا عن متناول الأطفال”. فالسيناريو الأول في العدد الثالث، على سبيل المثال، يدور حول شخص سعيد متولي أبوالزهور، يستيقظ كل صباح ليفاجأ بوجود براز لا يخصه في المرحاض، (استخدمت ترجمة فصيحة مهذبة لما تم التعبير عنه في النص بألفاظه الطبيعية). بعد رحلة بحث شاقة يصل إلى حل مثالي بالزواج فورا، بحيث يمكنه أن يرجع الظاهرة فيما بعد لزوجته!
كذلك تستلهم المجلة عائلة شهيرة هي “السنافر”، ليعاد تمصيرها، من خلال مخلوف، الذي يجعل السنافر هم المصريين، بكل طوائفهم وانتماءاتهم، فيظهر سنفور المثقف، وسنفور المواطن، وسنفور الإسلامي، وسنفور العسكري، إلخ. وتخصص المجلة في كل عدد بورتريه لمطرب ثوري، مثل الجزائري أمازيغ كاتب، والمالي تكن جاه فاكولي، بما يؤسس لذائقة خاصة في الغناء الثوري.
في مرتين، لجأت المجلة إلى اقتباس نصوص أدبية؛ افتتح العدد الأول بنص “أبيض وأسود” المقتبس عن إحدى قصص كتاب “حجرتان وصالة” لإبراهيم أصلان، كتب لها السيناريو ورسمها هشام رحمة. وفي العدد الرابع أيضا افتتح بنص، هو مشهد مجتزأ من رواية “بيرة في نادي البلياردو” لوجيه غالي، أعده قنديل. السخرية المرة هي ما يجمع النصين، فضلا عن “الأبطال العاديين”.. الرجل العجوز في قصة أصلان تموت زوجته بينما يتفرج على مشهد لعباس فارس.. والشاب المفلس في قصة غالي تتهرب منه قريبته التي توقع أمام عينيه أوراقا بملايين الجنيهات.
المجلة لم تغفل “آباءها الشرعيين”، مؤكدة انحيازاتها لمن يصلحون “آباء” لدمها الشاب. العدد الأول، أهدي إلى محيي الدين اللباد، وقد خصص له ملفا.. واستقبل العدد الثاني من المجلة ملفا لحجازي ولعمله الملهم “تنابلة السلطان” الذي كان رائدا في تأسيس كوميكس مصري، أما العدد الثالث، فقد شهد الاحتفاء بأب أكثر شبابا، وربما لا يلتفت له الكثيرون، هو خالد الصفتي وتجربته “فلاش” التي أثرت في قطاع عريض من رسامي الكوميكس اليوم، ممن قرأوه أطفالا في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
العدد الرابع من “توك توك”، تجرأ ليستفز قارئه، أو ليواجهه بما يجب أن يكونه إن أراد أن يكون “تكتكيا”، عبر “استيفا” دشنت للعدد “عارف هترشح مين في دايرتك؟ جددت بطاقتك الشخصية؟ دبحت في العيد؟ دورت ع الجزمة مع اللي دوروا؟ شيرت أي فيديو ع الفيسبوك؟ شفت فيلم تان تان؟ لو كانت معظم إجاباتك لأ، برجاء إعادة هذا العدد للبائع، علشان كدة هتبقى من القوم التانيين”. ورغم أن معظم إجاباتي جاءت بـ”لا”، إلا أنني لم أعد العدد إلى البائع، وقرأته كالمنبوذ!
ما بين الورق الخشن للأعداد الخمسة الأولى، والورق المصقول الملون للعدد السادس وما بعده، كان من الممكن لقارئ “توك توك” أن يرصد قدرتها على النمو، خاصة بعد أن دعمها الاتحاد الأوروبي بمنحة سمحت لصُنَّاعها بتحسين مستواها الطباعي وزيادة عدد صفحاتها. غير أن العام الفائت شهد احتجابا تاما للمجلة. اكتفى صانعوها بطرح مجلد يضم الأعداد التي صدرت بالفعل. مجلد بدا تأبينا للتجربة رغم أن أحدا من صناعها لم يعلن توقفها. رغم ذلك عرفت من الرسام هشام رحمه (أحد مؤسسي المجلة) أن المجلة تواجه بالفعل مشاكل تحول دون صدورها أبرزها تقلص التمويل وعدم قدرة مجلس تحريرها على تمويلها بشكلٍ ذاتي. وربما كان التضييق الذي تشهده مصر إجمالا على المنح الأجنبية للمشاريع الثقافية المستقلة سببا في تواري “توك توك”، فضلا عن مناخ التضييق على الحريات والذي قد لا يرحب بعدد جديد من مجلة تسخر، بالأساس، من الوضع السياسي والاجتماعي لبلد لا يملك سوى الضحك سبيلا لحجب الدموع.
اعرف فنك التاسع!
من رحم “توك توك” خرجت “الفن التاسع″، وهي مطبوعة أنيقة ملونة، في قطع “التابلويد”، هدفها، كما يعلن غلافها “نشر ثقافة القصص المصورة في مصر والعالم”. انتظرت “الفن التاسع″ أكثر من عام ليخرج عددها الأول في مارس 2012، واستمتعت منذ مولدها بمنحة من الاتحاد الأوروبي، ما وفر لها ذلك الورق المصقول الملون والطباعة الفاخرة. “ترويسة” المجلة لم تضم كل أبطال “توك توك”، وإنما اقتصرت على اسمين فقط، هما شناوي، مديرا عاما ومخرجا فنيا، ومخلوف، مديرا للتحرير. أيضا، أعلنت الجريدة أنها “تصدر عن مؤسسة الفن التاسع، القاهرة”، وكأنها بذلك تمنح نفسها استقلالية، ولو نسبية، عن جارتها “توك توك”.
عبر خمسة أعداد صدرت إلى الآن، ذهبت الجريدة مباشرة للنقد، مع مساحات قليلة لنصوص الكوميكس الصغيرة. طموح الجريدة تجلى في منح الفرصة لنقاد شبان -بعضهم رسامون وكتاب- لمناقشة كل ما يخص الكوميكس، من قراءات في الإصدارات الجديدة إلى مراجعات تاريخية في نشأة الفن أبرز محطاته. هكذا حملت صفحات المجلة مقاربات لأعمال فرانك ميلر، كريج طومسون، تشارلز برنر، ومقابلات صحافية مع بعض صناع الكوميكس من مصريين وعرب، فضلا عن جانب إخباري يتابع كل جديد في الصناعة.
يبدو وجود “الفن التاسع″ إذن ضرورة، خاصة لو عرفنا أن خلف ظهرنا تاريخ طويل من الكوميكس ظللنا بعيدين عن ملعبه، منذ عشرينات القرن العشرين، عندما بدأ الانتشار الحقيقي لفن القصص المصورة. لكن “الفن التاسع″ واجهت المشكلة نفسها التي واجهتها شقيقتها الكبرى “توك توك” فاحتجبت بعدما قدمت بواكير مشروع طموح للتنظير لفن الكوميكس.
"توكتوك".. رسوم تامر يوسف
تحت الأرض بقليل
عندما أصدر الصيدلي الأربعيني مجدي الشافعي روايته المصورة “مترو”، لم يكن يعلم بالتأكيد أنه وضع قدما في السجن. كان العام 2007، عام “المدونات” التي انتشرت كالنار في الهشيم، منذرة بأفق سياسي غاضب، بدأ في الصعود في مواجهة سلطة شائخة وباطشة.
نشرت الرواية في دار قاهرية صغيرة “ملامح”، صاحبها بالأساس مدون هو محمد شرقاوي، وكانت المدونات أيضا صاحبة الفضل في انتشار رسوم الشافعي واكتشافه كمهتم بالفن التاسع. الرواية صدرت في طبعة أنيقة، لكنها ما لبثت أن صودرت. الرواية تسرد، باختصار، حكاية مهندس برمجيات شاب يقرر سرقة بنك، وفي طريقه يقلب تربة الفساد المصرية عبر عدد من أبرز رموزها في السياسة والإعلام. التهمة الجاهزة كانت احتواء العمل على لقطات إباحية. لعبة بدت ذكية من السلطات، مفادها: لسنا ضد تعريتنا.. نحن ضد تعرية النساء!
القضية ما لبثت أن تحولت إلى قضية حريات، شغلت الرأي العام الثقافي لفترة، وتضامن عدد من رموز الفكر مع الشافعي. بُرّئ الرسام والناشر في النهاية لكن الرواية ظلت مصادرة، لم تظهر نسخها بعد ذلك، وأغلقت دار النشر نفسها بعد أشهر قليلة، لتصبح مترو، (أول رواية عربية مصورة كما يؤكد صاحبها)، كتابا سمع به الكثيرون ولم يطالعه إلا أقل القليل.
الشافعي نفسه اختفى لفترة، ظل فيها يمني نفسه وأصدقاءه بمجلة وشيكة الصدور، لكنها تأخرت كثيرا في الظهور لغياب الممول. فقط بعد اندلاع ثورة يناير بنحو ثلاثة أشهر، ظهرت “الدشمة”، كأول مجلة في العالم يصدر عددها الثاني دون أن يصدر منها عدد أول!
السبب، كما أعلنه صناعها وبينهم الشافعي، هو أنهم كانوا قد أعدوا عددها الأول، لكنه لم يصدر بسبب قيام ثورة يناير.. وبعد نجاحها (كما اعتقد أنصار الثورة أيامها)، كان لا بدّ وأن يصدر عدد جديد ليواكب الواقع الجديد! الملفت، أن جهة إنتاج المجلة هي “مركز هشام مبارك للقانون”.. وهو مؤشر بالغ الأهمية على التفات جهة حقوقية لقدرة الكوميكس على التعريف والتأثير في ما يخص حقوق الإنسان.
“الدشمة” إذن تعمق الخط السياسي بالرسم، لتكمل المشروع ذا الخط “الاجتماعي” لـ”توك توك”.
المجلة اعتمدت في كتابة السيناريوهات على عدد من الكتاب القادمين من منطقة الأدب، مثل نائل الطوخي وأحمد ناجي، مقدمة أيضا نهجا مختلفا عن “توك توك”، التي يصر رساموها على كتابة قصصها بأنفسهم. أما الفارق الثالث الجوهري فهو أن “الدشمة” تطرح للقراء مجانا، بينما بيع العدد الأول من “توك توك” للقراء بسبعة جنيهات، حتى وصل سعر العدد السادس إلى 18 جنيها للنسخة.
أما ما يحسب للتجربة بشكل حقيقي، فهو تقديم أسماء جديدة في مجال الكوميكس، وتتبع المواهب الموجودة خارج القاهرة، فحضر فنانون من الإسكندرية والإسماعيلية والشرقية.. وهو مؤشر جيد على توسيع رقعة المشتغلين في فن الكوميكس، خاصة وأن أغلب ورش الكوميكس وفعالياتها تقتصر حتى الآن على العاصمة المصرية.
العنوان الفرعي للمجلة هو “اعرف حقوقك”، والعديد من نصوص المجلة أتت بالفعل كتجسيدات حكائية بصرية لعدد من الحقوق التي لا يعرفها الناس، بشكل ساخر. الدور التوعوي المباشر حاضر إذن في المطبوعة، التي خصصت في عددها الأول ملفا بعنوان “حقوقك”، نوعت على أفقه في العددين التاليين.
خروج مجلة على هذا النحو من جهة حقوقية، أتى كخطوة حقيقية لتقريب المسافة بين الشارع والمبادئ الحقوقية غير الموجودة حتى على مستوى التعاملات بين الناس، عبر عمل فني مسلّ وممتع. لكن “الدشمة” بدورها توقفت سريعا، ويبدو أن صناعها اكتفوا بشرف المحاولة.
هل صار المناخ الحالي في مصر طاردا لفن الكوميكس الذي ينهض بالأساس على “السخرية” و”الشغب” وربما “خدش الحياء” لدى الذائقة المحافظة للسلطة؟ يبدو أن الإجابة هي “نعم” حتى وإن لم تُقل صراحة، لكن الأكيد أن الطفرة التي شهدتها الأعوام الأولى من ذلك العقد، ما لبثت أن انطفأت، كأنها عنقاء توارت في رمادها فور نهوضها منه، ولا يعلم أحد متى يمكن أن تنتفض من جديد.