جبل الكهرباء
I
نعم، تمّ الأمر كما فكَّرْتِ فيه
فقد ذهبتُ إلى المصبنة
وجلبتُ ثيابنا
وفي طريق العودة، رأيتهم يغمسون رأس المهرّج
في رغوة الضّحك التي كانوا
قد ملؤوا منها جردلا كبيرا
وها أنا هنا، أُهْدِيكِ - فيما أنتِ تهيّئين
الغداء-
البارثينونَ وقوسَ آخيل ومبرهنةَ أقليدس
وجبلَ البرناس ومخطوطةً لإسخيلوس
حتّى تكون لكِ آثارُ خُطى
على ترابِ حدائقِ
اليونان القديمة
- أنا، حديقتي قَدَمِي وأظفارُها
أزهارُها-
وبعد هذا سأجعلكِ خلفي على
درّاجتنا المُطهَّمة
ونمضي نحو بيتنا القديم الذي سكنّاهُ زمنا، وكلّما
سكِرْتُ تحت سقفه، وقتَها،
كانتْ عظامي
من تحت الجلد واللحم، تشعشع
بومضٍ منتظم أصفر
وأحمر
وذاك كان يُضْحِكُنا كثيرًا إذْ يُذَكِّرُنا
بلعبة البلياردو الكهربائيّ
الآن، بعد أن ندخل مُجدّدًا إلى ذلك البيت
قدْ يُباغَتُ حقًّا، كما
تقولين، لكنْ كُونِي
متيقّنة مِنْ أنّنا سنشعر فيه بنفس
الإعجاب بِـهَـيْـنَـمَـة النّمال التي
خلف أحد جدرانه
كانتْ دائمًا تتشكّى
من الأرق
بل إنّه سيحتضن بحنوّ حتّى درّاجَتَنَا
ويُعامِلُها ككائنةٍ حلَّتْ فيها رُوحُ
إلهةٍ قديمة
كائنةٍ جِسْمُها من معدن
ولِمِقْوَدِهَا
بَرِيقْ
II
في هذا الصَّباح شَبَبْتُ على رؤوس أصابعي
وتطلّعت من فوق جدار
إلى قبر سليمة
إنّها تركيّة وكانت قد حلّت ببلدتنا منذ سنوات
كانت تُرى حاملةً ميزانا صغيرًا
أمام قاعة سينما وكانت تَعزف
على السّاكسو أمام مدخل
مغارة بالسّاحل
في منتصفات ليالٍ مُقْمِرة
وعلى العودِ في حانة "التمساح"
المُطِلَّة على البحر والتي
كثيرا ما أؤمّها في الأماسي
أتطلّع، الآن، من نافذة فيها
ثمّة البحر وطيورٌ
ساكنةٌ على أسلاك الكهرباء
كأنّما جمّدها الصّقيع
الهواء القارس يحمل إلينا رائحة الثّلج
وأنا متلفّع في معطفي وأرنو
حواليّ بِعَيْنِي التي كثيرا ما أنقذتْ عصافير
مُهَدَّدَةً في بِيدٍ
وطَرَدَتْ من أحلامي القناديل حاملةَ الجرار
والنّهر ذا المياه الحزينة
أمّا عيني الأخرى فتتملّى
الموجات الصّغيرة التي، حين
دفعتُ بظاهر كفّي طَرَفَ الطّاولة،
تكوّنَتْ على سطح البحر الأحمر
الصّغير
أسير ِكأسي التي تنتظر
فيما تستغرقُ حواسّي ذبذباتُ هذا الصّمت
سيّدِ هذا المكان
حيثُ لا سليمة
ولا موسيقى
كأس
مشيتُ تحتَ صفير غيمة
كانتْ تتلهّى
بتتبّع شريط ذكرياتي
وحين وقفتُ أمام باب بيتي
بدأتْ نمالٌ تقتاتُ على
مِلْحِ جفونِ
حديقتي
والقرويّة التي كانتْ عشيقتي
ذاتَ يوم في بيدرٍ ما
ظهرتْ بدورها خلف نافذة بعيدة
باسِمةً ومحاطةً بالعصافير
باسِمةً وتعزف
على طبلة أذن الريح الرّصينة
يا عشيقتي يا عشيقتي
كوني لي خيمة
على جبل الكهرباء
بهذا رفعتُ عقيرتي وأنا
في غُرفةِ نَومي
أتهيّأ للإبحار
في كأسٍ غريبة.