جسد أبديّ من الضوء
أمّا أنا فاشتَقتُ
أمّا أنا فاشتَقتُ
أعني: اشتَقتُ حتّى آخِري
وحَلَمتُ أنّكِ تَنزلينَ،
وأنتِ عاريةٌ تمامًا،
في مياهِ الحُلْمِ
أعني:
اشتَقتُ،
لا تَدَعي ظلالاً أو ستائرَ
فوقَ عُريِكِ،
بل دَعي قمَرًا يُلجّفُ في السماءِ الليلكيّةِ
وحدَهُ
لِيَرى ويَسمَعَ رشقَ ماءٍ
عندَ بابِ الليلِ
أعني: اشتَقتُ حتّى لم أعُدْ أشتاقُ
وانتهت القصيدةُ بانتهاءِ الشاعرِ.
ماذا سأفعلُ
عندَما أشتاقُ؟
هل أمضي إلى ليلٍ أقلَّ
لكي أظلَّ مبلَّلاً بالحُلْمِ
حتّى آخِري؟
متى فمُكِ المتَشهّي؟
متى فمُكِ المتشهّي
المُطلُّ على كلِّ أوديةِ الأرضِ؟
ما عُدتُ أذكُرُ شيئًا
سوى البَرقِ
يَلمَعُ كالنَصلِ فيكِ وفيَّ
وما عادَ يُجفِلُ منّا المَكانُ.
متى الليلُ؟
أبحثُ في اللامكانِ، الّذي أنتِ فيهِ،
عن الليلِ،
ها حلَمَتْ بي سماءٌ
كما تَحلُمُ امرأةٌ بابنِها البِكرِ أو بأبيها
لِتَعبُدَهُ
أو لِتَقتُلَهُ،
وصحَوتُ على مطَرٍ
وعلى خُطُواتِ سماءٍ
تُهَرولُ بينَ البيوتْ
ولم أنتظِرْ جسَدي
لأمُرَّ من الليلِ،
بل لأشُمَّكِ كلَّكِ
في لحظَتيْنِ،
وأشهقَ
من كُثْرِ ما أنا حيٌّ
وسَكرانُ،
ثمَّ أشمَّكِ ثانيةً
وأموتَ
أموووووتْ.
كَم أضَأتُكِ !
كَم أضَأتُكِ
في عتمةٍ لا مكانَ لها
ولمَمْتُ عليكِ النخيلَ
كأنّكِ أرضُ سَوادٍ
كأنّكِ تُخْفينَ نهريْنِ في مُنحَنى
***
كَم سمَحتُ لضَوْئِكِ
أن يَتوحّشَ فيَّ
ويَسوَدَّ
حتّى غِيابِ الحَديقةِ في ظلِّها،
حيثُ عُريُكِ
مُلقًى كصُبحٍ على الليلِ
دونَ تفاصيلَ،
حيثُ الشتاءُ تأجّلَ من أجلِنا.
لا شتاءَ ولا أنتِ
وحدي هنا.
لا شتاءَ،
ولا أنتِ إلاّ أنا
كنتُ في الليلِ
كنتُ في الليلِ
الّذي سالَ من غابتِها العَذراءِ،
كنتُ أَزيحُ الأرضَ عن كمْأتِها
كي تَراني.
فجْأةً
في الحُلْمِ مرّتْ
كما مَرَّ نبيٌّ من صلاةٍ
وأيقَظتُ البراكينَ من النومِ
أيقَظتُ
الّذي لفّعتُهُ بالدُخانِ.
كنتُ بينَ الليلِ والليلِ أُخفي
جسَـديْنِ التَبَسـا بالمـكانِ
جسَديْنِ انْشَبَكا
الروحُ معَ الروحِ
واللحمُ
عـلى اللَحـمِ بـانِ
كَبكَبا الضَوْءَ على كلِّ شيْءٍ
في زمانٍ كانَ فوقَ الزَمـانِ
لم أكُن في الأرضِ،
مرّتْ سماءٌ
ورمَـت لي وردةً كالدِهـانِ
أنـا ما أبقَتْهُ لي من جنـونٍ
أنا ما لم تُبـقِ لي من أمـانِ.
مطَرٌ مسَّني
مطَرٌ مسَّني يا سماءُ
وغيّرَني
مسَّني
وتغيّرْ
فنسيتُ القيامةَ
والمشيَ فوقَ الصراطِ،
وتُهتُ مع التائهينَ
لئلاّ أكونَ أنا
وأنا مطَرٌ ليسَ أكثَرْ
وأنا أنتِ
لكنّني
لم أعُدْ أتذكّرْ.
أنت أعلى بلحًا
أنتَ أعلى بلَحًا
يا جسَدَ النخلةِ في الواحاتِ
يا أعلى من الأحلامِ
ما مسَّكَ ضَوْءٌ شاردٌ
في الفَجرِ
إلاّ صارَ خَمرًا
ما عوى ذئبٌ على مائِكَ
إلاّ سقطَتْ صورتُهُ
في الرَملِ
ما ناوَلتَ جُمّارَكَ في العتمةِ
إلاّ لي أنا
وحدي أنا
لوحة: فيصل لعيبي
يتكسّرُ ظلّي من البَردِ
يَتكسّرُ ظِلّي من البَردِ
والريحُ تَجمَعُني
وتُفرّقُني
وتُسابقُني نَحوَكِ
الريحُ
تَبحثُ عن زُرقةٍ
عن مسافةِ ليلٍ
وعن قلَقٍ يَجعَلُ اثنيْنِ ظلّيْنِ
مرتعشيْنِ على الدربِ
من شدّةِ الحُبِّ
أو شدّةِ الحربِ
والريحُ تَعبَثُ بالشجَرِ المُتعالي على ظِلِّهِ
فيُكسّرُني البَردُ
لكنّني أسبِقُ الريحَ نَحوَكِ
يا امرأتي
وأسابقُ نفسي إليكِ فتَسبقُني
أيّها الليلُ
يا بلَدًا كلُّ سكّانِهِ غائبونَ
اتّسِعْ خارجَ الأرضِ
واترُكْ مكانَكَ
لاثنيْنِ لم يَسرِقا أيَّ شيْءٍ
سوى النارِ
ظِلّي تَكسّرَ يا ليلُ
والشجَرُ المُتَعالي على ظِلِّهِ
تَتَقمّصُهُ الريحُ
ظلّي تكسّرَ
وهْوَ على حالِهِ
يتَعالى.
لا نهايةَ لامرأةٍ
لا نهايةَ لامرأةٍ
وضعَتْ قطرتَيْنِ من العِطرِ شفّافتَيْنِ
على أذُنيها
ومَرّتْ على مَهَلٍ
فأطاحَتْ بكلِّ ابنِ أنثى
لا نهايةَ لامرأةٍ
تَمنحُ الوردَ أجنحةً حينَ تلمِسُهُ
وهواءً تُعَفّرُهُ الشهَواتُ
ويُحفَنُ منهُ الفَراشُ
ويُحثى
لانهايةَ لامرأةٍ
تتنزّلُ في الأشهُرِ القمريّةِ
مثلَ كتابٍ مقدّسْ
وتفتّحُ أزرارَ وردتِها في المساءِ
لكي تتنفَّسْ
لَيلي يَمُرُّ بلا نبيذِكِ
ليلي يَمُرُّ بلا نبيذِكِ
أنتِ أينَ؟
أنا طويلُ الليلِ
أسهَرُ ألفَ عامٍ كي أرى حُلُمًا
أضيئي لحظتَيْنِ لكي أرى
في أيِّ حُلْمٍ أنتِ
واقترِحي لنا ليلاً بعيدًا في الجِبالِ
لِنَسكَرَ،
اقترِحي لنا نارًا
لِنَجعَلَ كلَّ زاويةٍ تَئنُّ إلى الصَباحِ
وكلَّ ظلٍّ يمّحي.
أنا ماءُ السَماءِ
أنا ماءُ السماءِ
أحلُمُ أن أهطِلَ تحتَ الثيابِ
أن أضعَ القَطرةَ في الكأسِ
كي تَفيضَ
وتَبقى النارُ في جُرنِها تَفورُ
وطَعمُ النارِ كالضَوْءِ
صافيًا ولذيذا.
أنا ماءُ السماءِ والأرضِ
أروي ظمأَ الكَمْأةِ الدفينَ
وأسقي بُرعُميْكِ المُعَطّشيْنِ
نبيذا.
أوّلاً
أوّلاً:
أنطُرُ فوقَ الليلِ ضَوْءًا خافتًا
يَرشَحُ من بينِ السمواتِ
كوَحْيٍ
ثانيًا:
لا تَكذبُ العَتمةُ،
لو أرفَعُها من طَرَفي
لانكشَفَتْ في الطَرَفِ الآخَرِ
عَيْنا امرأةٍ
تَحترفانِ الحُلْمَ واللذّةَ
مثلي
ثالثًا:
أحتاجُ شيْئًا واحدًا،
أنتِ فقط
فكّري بجَناحَيْكِ
فكّري بجناحَيْكِ
يا امرأةً بجَناحَينِ من ورَقِ الوردِ
واحْفي
وسيري على الوردِ
كامرأةٍ تأمرُ الوردَ أن يتفتّحَ
حتّى يُجَنَّ
وتأمرُهُ أن يُدَلّكَ كلَّ مساماتِها.
فكّري بجَناحَيْكِ
يا امرأةً بجَناحَيْنِ حُرَّيْنِ مكتَمليْنِ
يَذوبانِ حينَ تَمَسُّهما النارُ،
واحترقي
واصعَدي من رمادِ الكلامِ
وطيري لكي تَرِثي حلُمَ الوردِ
بالطيَرانِ وباللّهِ
طيري
وصيري سماءً
لها جسَدٌ أبديٌّ من الضَوْءِ
يَفهَقُ
يَفهَقُ
يَفهَقُ
- أين الفَراشةُ؟
- في النارِ تَبحثُ عن نفسِها
لتَصيرَ هيَ النارَ
- أينَ الفَراشةُ؟
- في حلُمِ الوردةِ المتباعِدِ بين الفصولِ
تطيرُ
تَطيرُ
تَطيرُ
إلى أن يُحرّرَها الضَوْءُ من نفسِها.
تَستطيعينَ أن تأخُذي كلَّ شيْء
تَستطيعينَ أن تأخُذي كلَّ شيْءٍ:
سماءَ القصيدةِ،
والعرَقَ المتصبّبَ منها،
ورائحةَ العُشُبِ المتوحّشِ خَلْفَ الكلامِ،
وما لم تَقُلْهُ القصيدةُ عنكِ،
وما في الهوامشِ من هَمهَماتٍ
وصَمتٍ
وبَرقِ نوايا.
تَستطيعينَ أن تَقتُلي كالإلهةِ
كي تُعبَدي.
تَستطيعينَ أن تَقتُلي وتَلومي الضحايا.
تَستطيعينَ أن تَقتُلي علَنًا
وتَمُرّي كأنّكِ لم تَقتُلي.
واعَدتُ ليلاً في سماءٍ ما
واعَدتُ ليلاً في سماءٍ ما،
ذهبتُ
ولم أجدْ ليلاً هُناكَ
ولا ملائكةً
يَحُطّونَ السماءَ على الجبالِ،
ولم أجِدْ نَفسي
وعُدتُ ، كأنّني ليلٌ،
إلى امرأةٍ قَرَطتُ شِفاهَها قَرْطًا
وصِحتُ بها:
أضيعيني،
فَصاحَت بي:
أضِعْني فيكَ وابحَثْ فيكَ عنّي
وخُذْ ما شئتَ أنّى شئتَ منّي.
كنتُ في الليلِ منذُ الصَباح
كنتُ في الليلِ منذُ الصَباحِ
وفتّشتُ عنكِ كثيرًا
لأحلُمَ،
كانت سماءٌ
بلا هدَفٍ تتسكّعُ فَوْقُ
وكنتُ أقلّدُها
وأخبّئُ نفسي وراءَ عيونِكِ.
أنتِ حقيقيّةٌ
أم أنا المتخيَّلُ
أم نحنُ ظلاّنِ
أينَ أنا؟
أين صَدرُكِ أفغَمَهُ لأكونَ أنا؟
هذه اللحَظاتُ
ملائمةٌ للذَهابِ إلى البَحرِ
من أجلِ إقناعِهِ أن يكونَ لنا.