حارس حديقة العشاق
في يده صفارة وليست له محطة بين الأشجار. منتصبا ومتحفزا للانطلاق والنفخ ورقبته تتحرك في كل اتجاه. يصفر قبل أن يقترب من جسدين بدآ في التلاشي. فيتدخل ليفصل بين قبلتين، بين عناقين.
يستعيد وضعه المنتصب المتحفز بعد كل تدخل. ليس غاضبا أو راضيا، فقط يعمل. يتحرك بين الأشجار. الصفارة لا تخرج من الجيب إلا للضرورة. يتردد قبل أن ينفخ في جوفها، هل ما يراه يستحق التدخل؟
غير معني برسائل القلوب. يراقب ما يمكن لعينيه أن تلتقطا. يتردد بعد رؤيته ملامسة أطراف اليدين بين صبي وفتاة والصفارة في فمه. هل سينفخ فيها ويشعل اللحظة؟
تذوب العين في العين. تتلامس الأيادي. يتحد الظلان رويدا، ثم تنطلق الصفارة وهي تقترب من بعيد. يذهن العاشقان إلى عالمهما. ترتسم علامات خجل على خدّي الفتاة فتحني رأسها، بينما يتكفل الصبي بإيماءات الاعتذار. يومئ الحارس برأسه بجدية، ثم يتقدم باحثا بين الأشجار.
تدخل امرأة سمينة يسبقها صراخها وهي تسب أهل الأرض جميعا: “هؤلاء ليسوا أبناء آدم. هؤلاء أبناء كلبون. أبناء كلبون. أبناء كلبون”.. لا يهتم الحارس لشأنها. لقد غدا وجودها العابر عاديا مع الوقت. يعرف طريق دخولها من صراخها الذي يسبقها. هنا يمكننا التمييز بين الدخلاء الجدد للحديقة الذين يجفلون مستغربين بمجرّد ما يسمعون صوت المرأة والمعتادين على المكان، ممن لا يعيرون اهتماما للمرأة وصراخها ويكتفون برمقها بنظرة عابرة.
تدور المرأة بصراخها في كل بقعة من الحديقة، وهي ترسل نظرتين شاردتين وعبارات محددة في شتم العالم. تفرغ شحنتها من الصراخ. ودون أن تستريح لحظة، تهبّ خارجة من باب الحديقة إلى الشارع، فيخفت صراخها تدريجيا مع كل خطوة.
تدخل بائعة ورد. العرق ينز من جبينها ولفاع رأسها وأطراف يديها. تخطو لاهثة، وحزمة الورد مخنوقة في قبضتها. يتابعها الحارس بعينيه. تقف أمام كل عاشقين. لا تفارقهم بسهولة. اختبار صعب ينتهي بانتصارها في العادة. قد تبيع أربع وردات لعشّاق جدد. الذين ألفوا المكان يدخلون معها في حديث عابر، فتتركهم متقدمة عبر تعرجات الحديقة.
يهرع وهو يصفر خلف بائع متجول. كان يطرده بصفارته بعد أن رآه يبيع السجائر بالتقسيط. تتحول الصفارة هذه المرة إلى لسان ساخط.
عند الغروب، حين تختفي الظلال، التي تبدو وكأنها من يضيء المكان ويحدد الوقت، يتحرك بين الأشجار حاثا الجالسين على الخروج بابتسامة وإشارات استعطاف من يديه. تكون الصفارة قد آوت مستريحة في جيب سترته الداخلي حتى الصباح. وحين يطمئنّ إلى خلوّ الحديقة من البشر يغلق بابها الحديدي العريض، مثل حانوتي يغلق باب دكانته. ثم يقف مع المنتظرين وصول الحافلة. بعد لحظات، يدلف إلى جوفها، فتبتعد به نازلة نحو المدينة القديمة.