حطام صور

السبت 2017/04/01
لوحة: جوني سمعان

على خلفية مشاهد التراجيديا الإنسانية للجموع التي أخذت تجتاز الطريق إلى أوروبا سيرا على الأقدام خلال السنة المنصرمة، أتتني ذكراها؛ مشت مع أسرتها من أرمينيا إلى سوريا، تساقطوا واحدا تلو الآخر على الطريق، ووصلت وحدها طفلة إلى حماه، منذ مئة عام تقريبا، عاشت في بيت جدي كواحدة منهم، ساعدت في تربية الأطفال جيلا بعد آخر، وكنا صغارا عندما ذهبت إلى الحج وأحضرت لنا هدايا، وعندما هرمت عادت لها ذكرياتها البعيدة، صارت تحكي عن أخيها الذي احترق أثناء سيرهم، ثم موت أمها، ثم ضياع أختها عنها في حلب، ورغم بلوغها من العمر عتيا ظل المذكر والمؤنث «العربي» في لسانها مقلوبا.

«هندية بنت عبدالله الغريب» هكذا كتب على شاهدة قبرها، إلى جوار أبي وأمي وعماتي.

اليوم يعود السوريون الأرمن إلى أرمينيا طلبا لجنسية وجواز سفر، فهل سيعود الألمان السوريون يوما؟

***

سمعتم بخلدون سنجاب، الشاب السوري المعجزة المصاب بشلل كامل والذي يعيش على منفسة تعمل بالكهرباء، ورغم ذلك استطاع بلسانه فقط ان يصبح مبرمجا متقدما بالكمبيوتر وتصميم المواقع. هناك شباب سوريون مقيمون ببريطانيا قاموا بحملة موجهة للحكومة البريطانية لاستقدام خلدون نظرا إلى الخطر الذي يحيق بحياته في لبنان بسبب سوء أوضاع إقامته هناك وانقطاع الكهرباء المستمر. وكان المطلوب من السوريين أن يوقعوا على الحملة التي بدأتها منظمة آفاز وأن تشاركوها أصدقاءكم وتدعونهم ليفعلوا مثلكم.

دقيقة من وقتك قد تغيرحياة إنسان يستحق فلا تبخل بذلك.

***

تعلمت من أبي حب الشام القديمة، كان يأخذني عصرا في كل يوم من رمضان، نتمشى ونتسلى، كنت صغيرة وأحكي كثيرا وهو يضحك، نشتري عرق السوس ونمشي، حفظتها عن غيب «زنقة زنقة.. دار دار..»، من كم يوم حاولت أن أستعيد الطقس، لم يكن نفسه، و»خربطت» بأكثر من حارة، ووجدت نفسي كالغرباء. ياهة «لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ».

***

يزدحم الناس أسفل المبنى المهترئ طلبا لجوازات سفر، تحت الشمس الحارقة، وبين الحين والآخر يصدح في الشارع صوت أنثوي من آلة داخل المبنى، ينادي صاحب الرقم السعيد إلى شباك كذا، فيرفع الناس رؤوسهم إلى أعلى، وكأن أحدا سيطل من أحد الشبابيك ليتلقى الأوراق.

وفيما يتجه المعني بالنداء إلى داخل المبنى، يحرص الشرطي على عدم دخول أحد آخر فيصرخ رافعا سلاحه «ارجعوا لورا».

وفي تواطؤ غير مقصود، تعبق رائحة الخبز من الفرن المجاور فتملأ المكان، ويخطر ببالي سؤال خرافي: هل يشم الملاك، على الكتف الأيمن، الرائحة ليسجلها في حساب الصائمين؟ أنظر في الوجوه ترى من منهم سيغرق في البحر؟ يقاطعني صوت المرحومة داليدا من راديو قريب «قمر يا بلدي».

***

منذ بضع سنوات كنا في عيادة طبيب مزدحمة جدا، زوجي منذر وأنا، وكانت هناك بنت صغيرة رفقة أمها تعاني من خلل عقلي واضح، لا أعرف لم اختارتني تلك الطفلة من بين الناس وصارت تحاكيني بصوت مرتفع، قالت لي:

- شو اسمك انتي؟

قلت لها: سميرة

- وهادا ابنك؟ أشارت إلى منذر زوجي

- نعم

- شو اسمه؟

- أحمد

نادت أمها عليها ودخلتا عند الطبيب، وعندما خرجت صاحت بنا: باي سميرة، باي يا أطفال، باي يا حلوين.

كثيرا ما أتذكرها، ويؤنبني ضميري، وأتساءل: لم أعطيتها اسما غير اسمي، هي التي اختارتني من بين الجمع؟

***

تعجبني مراقبة الناس بالمطار، لتنوعهم، مجموعة شابات مغادرات معا من بيروت بزي موحد هو شاش ولصاقات على الأنف، رجل يقول لزوجته «احملي جاكيتي زكاتك»، هندي يسافر حافيا ولا يبدو عليه الفقر، سيدة تلبس ثيابا صيفية جدا وخادمتها المسكينة تلبس جاكيت فرو، علب الحلويات العربية، وصور السلفي هي الوقائع المشتركة بين المسافرين.

***

وكلما قالت المغنية «سنرجع، خبّرني العندليب» أرفع الصوت، ربما لأقنع نفسي بأن هذا الكلام صحيح.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.