ذئب يحرس خرافي
فُرَصٌ للنَّجَاةِ
كانَ الانْفِجَارُ الأعْظَمُ، ولَمْ نَمُتْ
تِلْكَ كَانَتْ فُرْصَتُنَا الأُولَى للنَّجَاة
النَّجَاةُ حَبْلٌ مَدِيدُ وَسَمِيكٌ بَيْنَ ضِفَّتَيْن، نَدْفَعُ أَجْسَادَنَا فِيهِ وَلاَ نَصِلُ إِلَى الضِفَّة الأُخْرَى.
جُمُوعٌ تَسُوقُنَا نَحْوَ المُنْحَدَرَاتِ التِي سَالَ حَلِيبُ أُمَّهَاتِنَا مِنْهَا وَلَمْ نَعُدْ نَذْكُرُ مَذَاقَهُ، نَحْوَ الصُّخُورِ التِي دَقَّتْ لُغَتَنَا بِالمَطَارِقِ وَعَلَّقَتْهَا نَجْمَةً عَلَى كَتِفِ الكُولُونِيل، نَحْوَ مُعَسْكَرَاتٍ نَتَدَرَّبُ فِيهَا عَلَى إنْجَابِ أَطْفَالٍ مَنْزُوعِينَ مِنْ غَرِيزَةِ البَقَاء. لَمْ نَكُنْ فُضُولِيِّينَ لنَتَعَلّمَ تَسَلُّقِ الحِبَال. وَالجُمُوعُ تَقْطَعُهَا كَمَشِيمَة.
سَقَطَتْ أحْلاَمُ آدَمَ وَانْطَفَأَتْ كَنَيْزَكٍ فِي الحُقُول
هَايْ هِيَ تَصِيرُ بَذَارًا لأَحْلاَمِنَا، وَفُرَصًا مُحْتَشِدَةً للنَّجَاة
حَلُمَ بِمَقْعَدٍ آمِنٍ صَنَعَهُ نَجَّارٌ أَرْمَنِيٌّ فِي سَهْلِ الغَابِ
بِمِنْدِيلٍ غَزَلَتْهُ الجَدّاتُ وَعَلَّقْنَهُ عَلَى شَجَرَةِ الحَظِّ
بِقَارِبٍ نَسِيَهُ جُنُودٌ سَلُوقِيُّونَ بَعْدَ المَعْرَكَةِ
وَيَصْلُحُ الآنَ لِصُورَةٍ جَمِيلَةٍ لِعَاشِقَيْنِ
عَشَّابُو اللَّيْلِ، بِمَعَاوِلِهِمْ يَقْتَلِعُونَ البُذُورَ وَيَتِّهِمُونَ صِغَارَ الضِّبَاعِ
قَبْلَ أَنْ تَطْرُقَ الحَرْبُ أَبْوَابَ مَطَابِخِنَا
كَانَتْ فُرْصَتُنَا الأَخِيرَةُ للنَّجَاةِ
كُنَّا سَنَنْجُو مِنْ التَّارِيخِ الذِي أَصْبَحَ تَاجِرًا أَنِيقًا وَأَمِينًا لِمَعَارِضِ الجُلُودِ، جُلُودُنَا عُمْلَةٌ صَعْبَةٌ، أُنُوفُنَا المُدَبَّبَةُ تُثِيرُ الشَّهِيَّة، طَرِيقَةُ حَدِيثِنَا عَن الحُبِّ تُحَفِّزُ الأَدِرْيَنَالِين لَدَى بَاحِثِي عِلْمِ الإِنْسَان.
كُنَّا سَنَنْجُو مِنْ مُدُنِنَا ذَاتِ الأَعْنَاقِ الطَّوِيلَةِ. حَسِبْنَاهَا تُنَادِي المَلَذَّاتِ فِي الطُّرُقِ، وَلَمْ نَسْمَعْ صَوْتَهَا وَهْيَ تُهَدْهِدُناَ فِي الأَسِرَّةِ. المَعَادِنُ الثَّقِيلَةُ تَعْوِي. الأَزِيزُ يَتَعَاظَمُ كَالبَكْتِيرِيَا، وَالعَازِفُونَ يَصْعَدُونَ بِطُبُولِ الحَرِبِ إِلَى المَسَارِحِ.
كُنَّا سَنَنْجُو لَوْ أَنَّ الانْفِجَارَ العَظِيمَ لَمْ يُخَلِّفْ الكَائِنَاتِ ذَاتِ الخَلِيَّةِ الوَاحِدَةِ، لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَتَكَاثَرْ، لَوْ أَنَّهَا لَمْ تُصْبِحْ نَحْنُ.
كِدْنَا نَنْجُو
لَكِنَّ مَطَابِخَنَا مُعْتِمَةٌ
طَعَامُنَا بَارِدٌ
وَالضِّبَاعُ جَائِعَةٌ.
قمر فوق حيفا
كلما اكتمل قمر فوق حيفا عوت في أذني أغانيك
المدينة مستوحشة، تجرّني بعربة الوقت دون رحمة، وتكشّر عن أنيابها في وجهي كلّما مددت قدماي على أريكتي. وأنا، بطاعة قصوى، ألمّع كل صباحٍ عجلات العربة. تجرّني وترمي برغباتي التي أجلّتها إلى جنباتها، تلك التي قلت لها: “لا عليك، سيصعد بنا ذئب إلى أعلى الجبل، هناك سنمدّد أقدامنا فوق القمر كيفما نشاء”.
الأصدقاء يجلسون برفقة كوابيسهم ويدعونني لاحتساء القهوة معها، تعويضًا عن قتلي فيها. اليوم سأهدّدهم بالذئب الذي سيأخذ بثأري متربّصًا عند أوّل الحلم، حين سأتفرج عليهم وأنا أرضع حليب أمي لأول مرة، حليب الأم يردم الجرح ويفسد حمرة الدم.
نسورٌ ضخمة تبيض على شباكي، صغارها التي لم تتعلّم الطيران بعد تتغذّى على ذاكرتي. لم أعد أذكر شكل الفرح الذي ربّيته فوق كتفي، وكان يتتبع من ورائي ألفاظ الحبّ التي ردّدتها بلا نهاية. لم أعد أذكر أغاني فيروز بعد أن سكنت الصغار حنجرتها ونمى ريشها فيها. لم أعد أذكر اسمي، توقّف الجميع عن مناداته، بعد أن تحوّلت حروفه إلى خراف ترعى جبالاً بعيدة. حدّقت طويلاً في زجاج الشبّاك لألمح طيف ذئب يحرس خرافي ويعيد اسمي إلى الغرفة.
سقط في رحمي، ذاك القمر الذي اكتمل فوق حيفا
لم تعد تعوي أغانيك بعد أن فقدتْ أظفارها وخطفتها العربات
بعد أن شرّح أصدقائي نوتاتها في أحلامهم وأطعموها لصغار النسور
والذئب الذي سألده الليلة
سيحرس الخراف من وعورة الجبل.