ربطة عنق صفراء
مشاهد الجزع
رتقت ما تبقى من البيت بأخشاب صناديق الأسلحة الخضراء
وظروف الرصاص التي تراكمت في فمي منذ يوم البارحة
دون أن ألمس زناد البندقية
أحلف لكم
بأنني أعيش في بيت من صفائح ملطخة بأنابيب النفط
وأشرب ما تذرفه عيون مسمّرة على حائط المبكى
دون أن أطلب أيّ شيء
فقد غرسني أبي في حديقة البيت
وقطفتني أفعى سوداء في حلم قديم.
***
تبحث السمكة عن جرح الخاتم الموصود في بطنها
تجر معها عتلات البنادق
تلمس الطين لتفتح بابا خلفها
الصياد يجلس على جرف النهر يقترض من الماء سمكة تبحث عن جرح خاتم موصود
ويلمس طينة صدئت على الجرف.
***
في الانفجار الأخير
وجدت يدي معلقة على أغصان شجرة السدر
وقد حشر فيها طائر السنونو بيوضه المرقطة
فيما تقوست بعض الأوراق لترتشف رائحة العفن وأسراب النمل التي غزت جذع الشجرة المتورم بقطع البراغي واسطوانات الماكنة البلهاء.
بيوض سوداء
بلا جسد أتكاسل عن المرور
بلا جسد أتوسّد حلمة ظلامك
ثم أقود خيطا من اصفرار السنابل حول غيمة.
***
فوق الكتابة على جدار اليد الممسوسة بالتوجس
فوق صخرة اليد المعتادة على الاقتراب من ثقب الهواء الممتد
اليد تتكلم على الجدران
اليد فكرة الانفجار المنثور في الشارع.
***
تستلقي الذبابة على الماء البارد للوحل
تستلقي البندقية على تجاويف الله
في القلعة المديدة لتراتيل الوهم
وتهدل العمائم على أكوام الحفاضات النسائية
مرمية بعبث غامر وسط الغرفة الشاسعة لنمو عشب الزواج المقدس
وبروز أظلاف اليعاسيب على شراشف المارة
أطفال يتدحرجون بقمصان مكتوب على ظهرها “سبايكر”
نساء يقدمن المشورة لفحص البكارة بعلب أميركية
تعاويذ وأسماء مبعثرة على الحيطان
الخوف يتحول إلى ندبة في هواء المدن.
***
بحر آخر للقاء الأسماك في الباص اليومي
ما تحمله تراتيل العجائز
يقدم لنا سلسلة متواصلة من القناعات بالحجاب الفاصل بين ما أعيشه اليوم وما سأراه قريبا عند دكة الغياب
أسير مع الطائر الوحيد
وفي يدي تفاحة مقلمة بخطوط الغابات العنيدة وبروز أظلافي
في الغيوم
أرى تشقق أصابعي عند منعطف المرآة
لكنني لا أرى غير جانب وحيد من شخص يسيل على براز المائدة الأخيرة لروح الشاعر.
سيارة إسعاف
البياض لا يشبه الجثة الملقاة على سرير الليلة الفائتة
بصيص الإنارة في ممر المستشفى لا يشبه لمعان نظارات أبي المعلقة بمروحة السقف
صوت النعيق لا يشبه قوقعة أمي النائمة على باب الكراجات
مسارات النمل لا تنام أثناء الواجب.. ما عداي
فلي ساق ثالثة.. احتياط
ملفوفة ببقجة جدتي
صافرة الإسعاف لا تعني التنزه قرب انفجار قديم
لكنها تشير إلى تناثر النوارس قرب جسر الحلة العتيق.
حذاء أشيب
في عام 1991 رميت حذائي خلف البيت، بعد أن صرخ بوجهي من شدة التعب
الصدفة وحدها من جعلتني أنتبه لوجود بعض الأعشاب تثقب وجهه المبتور
وبروز شعر أشيب من كعبه المتيبس.
***
الأشرطة المرمية بحضن جلده الأجرد
تتقيأ بعض ثلْمات الرصاص الصدئة
وهي ترصع سواده بكل تلك الأصوات التي تعلقت برقبة سلحفاة نائمة
خرجت توّا إلى الحديقة.
***
ما زلت أشمّ عفن قدمي واغتياظ أمي من رائحة الحرب
كلما نظرت إلى ربطة الحذاء الصفراء التي سرقتها من جندي انضباط.
سوق جميلة
طراطيش العربات المحمّلة بصناديق الطماطم وأكوام البطاطس
لفّتْ عباءات النساء بصور أطفال النايلون
وعيونهم مشدودة نحو السلال المحروقة وبقايا أوراق نقدية تحاول الفرار.
***
سيارات الحمل المليئة بالخضروات تركض بسيقان عرجاء
بعض الأصابع تريد أن تشاهد حلبة الركض مسرعة للتمسك بآخر ما تبقى من الأسيجة
المحلات المكتظة نزعت عباءاتها الممزقة
بانتظار هجير الشمس ليمشط الأعمدة والجدران
بــ)حلّال المشاكل).
***
فص العين الذي وجدته خلف دراجتي الهوائية
مازال يتحرك للهروب من فاصل إعلاني يتكرر.
***
امرأة عجوز تبحث عن سبب
غير منطقي للذهاب إلى السوق
رغم أن كل الأشلاء الممزقة في الشارع تلبس الحزام الناسف لتبرر وجود الله.
مفخّخات
كل شيء جاهز للنوم
لحظة ربط الأسلاك
تشميع الأدمغة العراقية قبل الصراخ
رفع الشوارع قبل أن يمسها بلل الخوف
تأويل قدح من الغيمة
شفط لعاب الكائن الجالس في السماء بانتظار الأرواح
تمديد حركة الاشمئزاز من الصورة
كل شيء جاهز
فخ
مخ
يد
رأس محروق
جوارب الله تسيل على أساور التراب
تلبس نعومة الدم والإسفلت
تختزل الألوان بالعمى وتورق إسفنجة الموت
ليس ما يتبقى هو ما نراه فعلا، بل الإشارة إلى ما تتركه أشنات الفكرة المدوية
في قيعان الأبدية
نزع النظارات من شفة القبلة الأخيرة
انتظار الازدحام القادم
التحديق بما يجلس خلف التراكم المر.