رجل‭ ‬الأوكازيون

الاثنين 2016/08/01
لوحة: بهرام حاجو

ينبعث‭ ‬الدخان‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬الشقة‭ ‬لكنّني‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أتوصل‭ ‬إليه،‭ ‬هرعت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لأغلق‭ ‬محابس‭ ‬الغاز،‭ ‬بلا‭ ‬جدوى،‭ ‬لم‭ ‬يزل‭ ‬الدخان‭ ‬ينبعث‭ ‬وبكثافة،‭ ‬شعرت‭ ‬بالحيرة‭ ‬والقلق،‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬ألبث‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬حيرتي‭ ‬وقلقي‭ ‬إلى‭ ‬هلع‭ ‬وعصبية،‭ ‬كان‭ ‬الدخان‭ ‬يحاصرني‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬موضعا‭ ‬معينا‭ ‬ينبعث‭ ‬منه،‭ ‬كنت‭ ‬أهرع‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الشقة‭ ‬مثل‭ ‬فأر،‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬الشم،‭ ‬تعطلت‭ ‬الحاسة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬أن‭ ‬الدخان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خانقا،‭ ‬كان‭ ‬انبعاثه‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬المثير‭ ‬للرعب‭.‬

‮ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أفتح‭ ‬النوافذ،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬مغلقة‭ ‬ومزاليجها‭ ‬معلقة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مغلقة‭ ‬غلقا‭ ‬عاديا،‭ ‬تعاني‭ ‬زوجتي‭ ‬مع‭ ‬الأتربة،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬تتعمد‭ ‬غلق‭ ‬النوافذ‭ ‬بمزاليج‭ ‬خاصة،‭ ‬مزودة‭ ‬بأقفال،‭ ‬حولتها‭ ‬إلى‭ ‬شبابيك‭ ‬سجن،‭ ‬أخفت‭ ‬المفاتيح،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬فتحها‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أدخن‭ ‬سيجارة‭ ‬في‭ ‬البلكونة،‭ ‬حظرت‭ ‬زوجتي‭ ‬عليّ‭ ‬التدخين‭ ‬بالمنزل،‭ ‬تعللت‭ ‬بصحة‭ ‬الأطفال،‭ ‬هتفت‭ ‬فيّ‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭: ‬لو‭ ‬عاوز‭ ‬تموت‭ ‬من‭ ‬السجاير‭ ‬موت‭ ‬بعيد‭ ‬عنا،‭ ‬مش‭ ‬كفاية‭ ‬مصروف‭ ‬البيت‭ ‬اللي‭ ‬بتصرف‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬كيفك‭.‬

‮ ‬يرمقني‭ ‬الجيران‭ ‬ببلاهة،‭ ‬بينما‭ ‬أدق‭ ‬على‭ ‬النوافذ،‭ ‬لا‭ ‬تستفزهم‭ ‬استغاثتي،‭ ‬ولا‭ ‬يتحرك‭ ‬أحدهم‭ ‬لنجدتي،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يرونني،‭ ‬كنت‭ ‬واثقا‭ ‬أن‭ ‬زجاج‭ ‬النافذة‭ ‬شفاف،‭ ‬وليس‭ ‬معتما،‭ ‬أرى‭ ‬بوضوح‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬المقابلة،‭ ‬الجارة‭ ‬اللعوب،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬توقظ‭ ‬المنطقة‭ ‬بسلاطة‭ ‬لسانها،‭ ‬بينما‭ ‬تسبّ‭ ‬البواب‭ ‬كل‭ ‬صباح،‭ ‬كانت‭ ‬ترتدي‭ ‬قميص‭ ‬نوم‭ ‬حريري‭ ‬شفاف‭ ‬يتمدد‭ ‬لحمها‭ ‬منه،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تعبأ‭ ‬بما‭ ‬يثيره‭ ‬هذا‭ ‬الترهل‭ ‬في‭ ‬الأعين‭ ‬من‭ ‬تقزز،‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬شهوة،‭ ‬أهل‭ ‬منطقتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬في‭ ‬سرية‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬شارع‭ ‬فيصل‭ ‬بالجيزة،‭ ‬يقدسون‭ ‬النسوة‭ ‬إذا‭ ‬كن‭ ‬جريئات‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أجسادهن،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬تجرأن‭ ‬وكشفن‭ ‬عمّا‭ ‬بعقولهن،‭ ‬فسيكون‭ ‬لرجال‭ ‬المنطقة‭ ‬قول‭ ‬آخر‭. ‬تجلس‭ ‬الجارة‭ ‬على‭ ‬أريكتها‭ ‬في‭ ‬استرخاء،‭ ‬تمد‭ ‬ساقيها‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬المقابل‭ ‬لها،‭ ‬أحيانا‭ ‬تمد‭ ‬ساقيها‭ ‬فوق‭ ‬حاجز‭ ‬البلكونة،‭ ‬فيراها‭ ‬أهل‭ ‬منطقتنا‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬يشرئبون‭ ‬بأعناقهم‭ ‬ويتخيلون‭ ‬باقي‭ ‬الساق‭ ‬اللدنة،‭ ‬بينما‭ ‬المرأة‭ ‬تتباهي‭ ‬بلمعة‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬لحمها‭ ‬البض،‭ ‬تتأمل‭ ‬محاولاتي‭ ‬للاستغاثة،‭ ‬وتبتسم‭ ‬لي‭ ‬ساخرة،‭ ‬كان‭ ‬جسدها‭ ‬وافرا،‭ ‬ولحمها‭ ‬سخيا،‭ ‬وصدرها‭ ‬متكورا،‭ ‬وبسمتها‭ ‬واسعة‭ ‬مغوية،‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬جوع،‭ ‬ووله،‭ ‬وعطش‭ ‬لمطر‭ ‬لم‭ ‬يهطل،‭ ‬مسام‭ ‬جلدها‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬واضحة،‭ ‬متفتحة،‭ ‬مشرئبة،‭ ‬مثل‭ ‬ماكياجها‭ ‬الذي‭ ‬أضفي‭ ‬لمعة‭ ‬على‭ ‬بشرتها،أحيانا‭ ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬زوجتي‭ ‬تغلق‭ ‬المزاليج‭ ‬لتحصن‭ ‬النوافذ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجارة‭ ‬الشرسة،‭ ‬العطشى،‭ ‬النهمة،‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬الوثوب،‭ ‬رغم‭ ‬لحمها‭ ‬المترهل،‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى‭ ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬زوجتي‭ ‬تخشي‭ ‬أن‭ ‬أقفز‭ ‬إلى‭ ‬شرفة‭ ‬الجارة،‭ ‬كنت‭ ‬حبيسا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬زوجتي‭ ‬معي،‭ ‬وكان‭ ‬الدخان‭ ‬مستمرا‭ ‬في‭ ‬الانبعاث‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬مجهول‭. ‬بالأمس‭ ‬كنا‭ ‬نراجع‭ ‬قائمة‭ ‬المشتريات،‭ ‬التي‭ ‬سنتحرك‭ ‬لشرائها‭ ‬بمجرد‭ ‬استلامنا‭ ‬كارت‭ ‬‮«‬الفيزا”،‭ ‬حياتنا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الجارة‭ ‬الجائعة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تتخطى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬حياتنا‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬شراء‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬خلال‭ ‬الأوكازيون،‭ ‬شراء‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نحصل‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬التخفيضات،‭ ‬مغامرة‭ ‬دائمة‭ ‬ومستمرة‭ ‬مع‭ ‬åالأوفرزò،‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬كلمة‭ ‬Sale‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مكان‭ ‬حتى‭ ‬نهرع‭ ‬بشراهة‭ ‬إلى‭ ‬أبواب‭ ‬المحلات،‭ ‬لجني‭ ‬أفضل‭ ‬الأوفرز‭.‬

بجانب‭ ‬ذلك‭ ‬كنت‭ ‬أيضا‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬عطش‭ ‬شديد‭ ‬كلما‭ ‬استمنيت،‭ ‬عطش‭ ‬يجتاحني،‭ ‬ويحوّل‭ ‬لساني‭ ‬إلى‭ ‬قطعة‭ ‬خشب،‭ ‬كأنني‭ ‬يبست‭ ‬فجأة،‭ ‬لكنني‭ ‬كنت‭ ‬بحاجة‭ ‬للاستمناء‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الجارة،‭ ‬وجسدها‭ ‬الوافر‭ ‬باللحم،‭ ‬بل‭ ‬كنت‭ ‬بحاجة‭ ‬للاستمناء‭ ‬لأتحمل‭ ‬طرق‭ ‬الأبواب‭ ‬والدخان‭ ‬الذي‭ ‬يخنقني،‭ ‬ومواسم‭ ‬التخفيضات،‭ ‬نخطط‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬لشراء‭ ‬شاشات‭ ‬البلازما،‭ ‬وقبلها‭ ‬خططنا‭ ‬لشراء‭ ‬مطبخ‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬‮«‬إيكيا”،‭ ‬حينما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬كايرو‭ ‬فستيفال‭ ‬سيتي”‭ ‬وجدت‭ ‬الشوارع‭ ‬مصقولة‭ ‬ومبلطة‭ ‬جيدا،‭ ‬وتخلو‭ ‬من‭ ‬برك‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬التي‭ ‬تطل‭ ‬عليها‭ ‬شرفاتنا‭ ‬فى‭ ‬فيصل‭ ‬والمريوطية‭ ‬وكفر‭ ‬طهرمس،‭ ‬تخلو‭ ‬‮«‬كايرو‭ ‬فستيفال‭ ‬سيتي”‭ ‬من‭ ‬برك‭ ‬المجاري،‭ ‬وتمتلئ‭ ‬بفروع‭ ‬محلات‭ ‬‮«‬إتش‭ ‬إند‭ ‬إم”‭ ‬و”ديزل”‭ ‬و”مارك‭ ‬أند‭ ‬سبنسر”،‭ ‬و”إيكيا”‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭.‬

‮ ‬أدركت‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كارفور”‭ ‬صار‭ ‬متجر‭ ‬الطبقة‭ ‬الفقيرة،‭ ‬وحولت‭ ‬بوصلتها‭ ‬تجاه‭ ‬‮«‬كايرو‭ ‬فستيفال‭ ‬سيتي”،‭ ‬دخلت‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬جدال‭ ‬متعدد‭ ‬المحاور،‭ ‬مثل‭ ‬أخطبوط‭ ‬بألف‭ ‬رأس،‭ ‬قلت‭ ‬وقتها‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬سيستنزفنا‭ ‬حتما،‭ ‬ولن‭ ‬يترك‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬يمكننا‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬نسدد‭ ‬به‭ ‬أقساط‭ ‬‮«‬الباص”‭ ‬للصغار،‭ ‬ترمقني‭ ‬زوجتي‭ ‬بغضب،‭ ‬وتهتف‭ ‬بصوت‭ ‬مكتوم،‭ ‬وهي‭ ‬ترمق‭ ‬سائق‭ ‬التاكسي‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬التجمع‭ ‬الخامس‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬فيصل”،‭ ‬‮«‬لما‭ ‬نروح‭ ‬البيت‭ ‬نتكلم”‭.‬

عندما‭ ‬نعود‭ ‬لا‭ ‬نتكلم،‭ ‬ولا‭ ‬نستأنف‭ ‬المشاجرة،‭ ‬ترتدي‭ ‬قميص‭ ‬نومها‭ ‬الذي‭ ‬اشترته‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬التخفيضات‭ ‬الأخير،‭ ‬وتعطيني‭ ‬ظهرها،‭ ‬أدلف‭ ‬إلى‭ ‬حجرة‭ ‬الأطفال،‭ ‬فأطمئن‭ ‬أنهم‭ ‬خلدوا‭ ‬للنوم،‭ ‬ثم‭ ‬أصطحب‭ ‬‮«‬اللاب‭ ‬توب”‭ ‬إلى‭ ‬الصالة،‭ ‬وأرمق‭ ‬بحذر‭ ‬باب‭ ‬حجرة‭ ‬النوم‭ ‬المظلمة،‭ ‬وأرهف‭ ‬سمعي‭ ‬لزوجتي‭ ‬بينما‭ ‬يرتفع‭ ‬غطيط‭ ‬نومها،‭ ‬ثم‭ ‬أثبت‭ ‬‮«‬كابل‭ ‬الانترنت”‭ ‬في‭ ‬الجهاز،‭ ‬أشعر‭ ‬بالضيق،‭ ‬وأنا‭ ‬أراقب‭ ‬بطء‭ ‬تحميل‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬بورنو‭ ‬هب”،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أن‭ ‬جارنا‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬‮«‬الراوتر”‭ ‬الرئيسي‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬الوصلة”،‭ ‬يتعمد‭ ‬تحميل‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬سيوزعها‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬على‭ ‬صغاره،‭ ‬هؤلاء‭ ‬بدورهم‭ ‬سينطلقون‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الكافيه‭ ‬نت”‭ ‬لتسليمها‭ ‬للعملاء‭ ‬الذين‭ ‬يشترون‭ ‬الأفلام‭ ‬الحديثة‭ ‬المضروبة‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬التورينت”،‭ ‬الشوارع‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬المجارى‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ينتظم‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الأفلام‭ ‬الحديثة‭ ‬المضروبة‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬تورينت”‭.‬

جارى‭ ‬بالطابق‭ ‬الأعلى‭ ‬يعمل‭ ‬موظفا‭ ‬بشركة‭ ‬طبية،‭ ‬تجلب‭ ‬معدات‭ ‬وأطراف‭ ‬صناعية،‭ ‬وتبيعها‭ ‬لمحلات‭ ‬التجزئة‭ ‬بالقصر‭ ‬العيني،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الليالي‭ ‬استيقظنا‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬صرخات‭ ‬زوجته،‭ ‬وصيحات‭ ‬الرجل‭ ‬المستغيثة،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يتهجم‭ ‬على‭ ‬شقته،‭ ‬نهضت‭ ‬مسرعا‭ ‬وهرعت‭ ‬لمساعدته،‭ ‬فاعترضني‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬عتبته،‭ ‬ولوّح‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬بهراوة‭ ‬غليظة،‭ ‬وقال‭ ‬شخص‭ ‬آخر‭ ‬كان‭ ‬جالسا‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬أمام‭ ‬شقة‭ ‬جارى‭ ‬الذي‭ ‬تتواصل‭ ‬صيحات‭ ‬استغاثاته‭ ‬من‭ ‬الشقة‭ ‬‮«‬انزل‭ ‬يا‭ ‬أستاذ،‭ ‬دا‭ ‬بس‭ ‬حساب‭ ‬بنصفيه‭ ‬مع‭ ‬جارك‭ ‬الحرامي”‭.‬

في‭ ‬الصباح‭ ‬التالي‭ ‬كان‭ ‬جاري‭ ‬لم‭ ‬يزل‭ ‬حيا‭ ‬لحسن‭ ‬الحظ،‭ ‬لكن‭ ‬شفته‭ ‬السفلى‭ ‬كانت‭ ‬مقطوعة،‭ ‬وعظمة‭ ‬أنفه‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬مكانها،وتتناثر‭ ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬شائعات،‭ ‬جاره‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬المواجهة‭ ‬له،‭ ‬كشف‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬ضبطه‭ ‬باختلاس‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬الصناعية‭ ‬من‭ ‬مخازن‭ ‬الشركة،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬صاحبها‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬إدانته،‭ ‬آثر‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬هجمة‭ ‬ليلية‭ ‬على‭ ‬شقته‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للعثور‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يشفي‭ ‬غليله‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬البضاعة‭ ‬المختلسة‭.‬

لم‭ ‬أكن‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬طبية‭ ‬تستورد‭ ‬الأطراف‭ ‬الصناعية،‭ ‬ولم‭ ‬أمتلك‭ ‬‮«‬راوتر”‭ ‬أستطيع‭ ‬به‭ ‬تحميل‭ ‬الأفلام‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬وبيعها‭ ‬على‭ ‬‮«‬سي‭ ‬ديهات”‭ ‬لمحلات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬كنت‭ ‬فقط‭ ‬موظفا‭ ‬عاديا‭ ‬بالنهار،‭ ‬وأطارد‭ ‬مواسم‭ ‬التخفيضات،‭ ‬وأبحث‭ ‬عن‭ ‬شاشات‭ ‬البلازما،‭ ‬ومكرونة‭ ‬اسباجيتي‭ ‬يكرهها‭ ‬الأطفال،‭ ‬ولا‭ ‬تحب‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬تطهيها،‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نشتريها‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬زجاجات‭ ‬‮«‬الزيت”‭ ‬الرخيصة،‭ ‬ودواسة‭ ‬الحمامات‭ ‬الأسفنجية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬فعلا‭ ‬نحتاجها،‭ ‬لكننا‭ ‬اشتريناها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬‮«‬داك‭ ‬باور”‭ ‬مطهرة‭ ‬قاعدة‭ ‬الحمام،‭ ‬أعصر‭ ‬جسدي‭ ‬ليطرد‭ ‬المكرونة‭ ‬والزيت‭ ‬الرخيص،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأطعمة‭ ‬التي‭ ‬نلتهمها‭ ‬رغما‭ ‬عنا،‭ ‬لنهيئ‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬دواليب‭ ‬المطبخ‭ ‬لتلك‭ ‬التي‭ ‬نحصل‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬التخفيضات،‭ ‬وأكتشف‭ ‬فجأة‭ ‬أن‭ ‬الدخان‭ ‬لا‭ ‬يقتلني،‭ ‬لكنه‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬الانبعاث،‭ ‬وأن‭ ‬دقاتي‭ ‬على‭ ‬نوافذ‭ ‬المنزل‭ ‬لا‭ ‬يسمعها‭ ‬غيري،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الجارة‭ ‬اللعوب‭ ‬نهضت‭ ‬كعادتها‭ ‬عند‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ ‬لتعد‭ ‬الطعام‭ ‬لزوجها‭ ‬الذي‭ ‬انتهي‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬المباراة‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬‮«‬البلازما”‭ ‬التي‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬نجلب‭ ‬مثلها‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.