سؤال في الغضب

الجمعة 2016/04/01

يتميّز المجتمع العربي عن غيره من المجتمعات الأخرى من حيث النظرة للكاتب والشاعر وربّما يعود ذلك للدور الذي لعبه يومًا الشعراء والأدباء على مستوى القبيلة في الجاهلية وبعدها في المجتمع بصفة عامة حيث شكلوا وسيلة الإعلام في تلك الفترة فكانوا المتحدّثين باسم شريحة كبيرة من أفراد المجتمع ونقلوا لهم أحيانًا خبايا القصور وأسرارها وكل ما يدور في بلاط الحكم. وعلى الرّغم من أن الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي قد سرقت كثيرًا من وهجهم ودورهم إلا أنه ما زالت لهم مكانتهم في مجتمعاتنا وإن تقلصت بعض الشيء.

وأمام تزاحم الأحداث على ساحة وطننا العربي وما تتعرض له مجتمعاتنا من تقلبات وقمع واستبداد سياسي وديني وهجمة استعمارية خارجية واضحة يجد الكاتب نفسه معنيًا بكل ذلك بل وأحيانًا منخرطًا بما يدور حوله كاستمرارية لدوره التاريخي آنف الذكر ولكونه الساتر الأخير الذي يلجأ إليه المواطن ليجد عنده الجواب على تساؤلاته حول ما يدور. إلّا أن خوف الكاتب الدائم من أن تكون تعابيره كمّا من الشحنات والانفعالات بلا صدى أو دواء لا مفعول له فإنه يفضل أن تكون بينه وبين الواقع مسافة زمنية تختمر فيها الأفكار ويستكمل فيها المشهد وتكون الرؤية أكثر وضوحًا ليكون ما يكتبه متماسكًا واستخلاصًا للعبر.

ولا بد من ملاحظة أمر هام وهو أن ما تعانيه مجتمعاتنا في هذه المرحلة من أمراض ومشاكل فكرية واجتماعية ساهم فيها بطريقة أو بأخرى تقاعس كثير من الكتّاب والشعراء بابتعادهم عن قضايا المجتمع الحساسة وذلك عندما تراجعوا عن الدفاع عن وجهات نظرهم خوفًا من المتمسّكين بالتقاليد وخصوصًا بعض رجال الدين وإرضاء للأنظمة الحاكمة على مختلف أنواعها ومن أجل بعض المكاسب المادية.. فكانت كتاباتهم بعيدة كل البعد عن حقيقة واقع مجتمعهم وفي ذلك خيانة لدورهم المتوخى في قرع أجراس الخطر المُحْدق وفي المساهمة في توجيه دفة المجتمع.

إن الكاتب اليوم وخصوصًا في وطننا العربي مطالب أكثر ممّا مضى في الخروج من الضبابية والرمزية والانتقال إلى التلاحم مع مجتمعه والدخول إلى قلب الحدث للمساهمة بفاعلية في توجيه بوصلة المجتمع وأن يكون ضمير ذلك المجتمع وليس مؤرخًا للحدث من الدرجة الثانية فيتخطّى بذلك وسائل الإعلام التي أصبح كثير منها بوقًا للأنظمة ولأهداف قد لا تكون بالضرورة لخدمة مجتمعاتنا.

وإذا كان الشاعر نزار قباني قد حدّد بعض أطر نوعية الشعر الذي يجب أن يُكتب عندما قال:

“الشعر ليس حمامات نُطيِّرها

نحو السما.. ولا نايا.. وريح صبــا

الشعر غضب طالت أظافره

ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا”.

فإن ذلك يجب أن يكون أيضًا ديْدن الكاتب بصفة عامة في كل نواحي نتاجه الفكري والأدبي وإلا كان نتاجه هامشيًا وعبارة عن خربشات طفولية وصورًا عشوائية بلا معنى ولا صدى.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.