سوريا التي هناك

الأربعاء 2020/07/01
العراةُ كثر، والربيع لم يأت بعد (لوحة ريم يسوف)

صمت العالم

التأنيث لغايةٍ لم تُذع – فاتحة

باسمِ الحلقات المفرغة التي ضاقت

باسم طريقٍ ممتلئةٍ بالنتوءات تخفيها الريح

هذا الصوتُ الخام كلوثةٍ سمعيّةٍ فوق أبواب المدينة

غداً سيلاحقه الدم

سيلاحقه نحو عتبةِ الكونِ المتقزّمِ كزهرةٍ مُيَبّسة

إنّه الهواءُ الذي يغسلُ أعضائي بالدخان

وأنتِ فوّهة سيجارةٍ عملاقةٍ يدخّنها الزمن

فقفي إذن

قفي ناظرةً إلى الثقوبِ المضيئة في السقف كنجوم الظهر

لا يمكنني القولُ إنّ الدم الهائجَ في يدي قرباناً لإلهٍ مجهول

ولا العرق مصباحي الذي أقود به الموتى نحو مقبرةٍ آمنة

الدم – العرق

شقيقان هربَ كلاهما من فم هذه المدينة الخائفةِ، بل وضعا آخر ما قاله الرب على الرصيف الحجري وتركاه مذروّاً بالهواء كغبارِ قطعة أنتيكا

جسدُكِ جالسٌ هناك، جسدكِ الثمل عقبَ آخر سهرةٍ على الكورنيش

وأنا

أفتح ورق اللعبَ وأجد أنّ الملوك الأربعة قُتلوا

والملكات يعملن راقصاتٍ

والشبان يحملونَ البنادق ويصوّبون على بعضهم.

***

إنّه الهواءُ الذي يغسلُ أعضاءه بالدخان

وأنتِ ما تركه الوقت من عقبِ السيجارة وداسهُ العابرون.

“فلنتعارك كفارسين”

لسان حال صديقين تحاول النارُ أن ترسم خطّاً لها بينهما

تعالي أنت

أنظري إليهما كما كانت نساء القياصرة ينظرن إلى المصارعين

وتوسّدي كرسيّاً من القشّ لئلا ينتابك النوم لحظة؛

الشتاء وحده

إنّي أراه واقفاً فوق الشجرة يسعلُ، والشجرةُ محرمة يضعها على فمه لئلا ينقل العدوى إلينا.

***

Wait Wait

لا تحاولي النوم، سيصطلح الصديقان وتنطفئ النار

لكن ابقي فوق الكرسي، وناولي الشجرة المزيد من دموعكِ لئلا تصل عدوى الشتاء

إلينا

وحال يقف العالم شيخ صلحٍ أحرقي كرسيّ القش

ضعيه في مدفأتك الضخمة

فالعراةُ كثر، والربيع لم يأت بعد

***

لا تحاولي النوم، ستنطفئ النار.

دمشق

ابتسامة الماء الصامت تكاد من الحزن تسقط
ابتسامة الماء الصامت تكاد من الحزن تسقط (لوحة ريم يسوف)

يومٌ لا يبدأ دون رؤية الباب

يومٌ يهيّئ لزائريه بعضاً من الكحول لينسوه في الليل

يومٌ يرغب بألا يتكلم

والزائرون منذ فكروا باستكماله

لا يتكلّمون

اليوم هو مهندس أمّي للغد، الغد الذي لا زال يفكّر كيف سيمضي

اليوم هو ماء جاء على لسان بائع الكرواسان في القيمرية، وما تحدّثت به أزقةٌ سبق وأن انسلّت عبرها عشيقة تنصت لجعجعة الدم، جعجعة السنوات الحادة فوق رؤوس اعشوشبت من الصدأ.

لاوديسيا

ريح الجبل المطمئن، تعاليم لا ينصت لها العقال، تمدّ أصابعها بحذرٍ مشيرةً لأجساد مرّت وتركت رائحتها طلوعاً ونزولاً وعلى الجنبات وحيث زار القتلى وسطاء أربابهم وتركوا خارج حجراتهم جسد حيوانٍ خائرٍ والقليل من أعقاب السجائر البخسة.

ريح الجبل الخفيفة تجالس العشاق في منازلهم الواطئة، أولئك من يكتفون بريّ الشجرة داخلهم دون تخصيبها.

البرج الذي يحملُ الصليب متثاقلاً

الرأس الناتئ بخشونة فوق المقبرة، رأس الشاهد الأخير على الرعب ومغنيه الصامت، يحاولُ أن يتخيّل شكل لحده الذي سيلتقي به يوماً، مغمضاً لعينيه حيناً ومفنجراً لهما أحياناً.

مدنّسٌ رأسه بصورِ راحلين لم تجردّ ملامحها بعد.

إنها الجنازة الأخيرة – أو تكاد تكون كذلك، ففي كلّ يومٍ كانت هذه العبارة تتكرّر لئلا يُرهق سمع الشيوخ، ولو أنّهم لا يسمعون لحظة انشغالهم بتنقية حبات البلّوط الجيّدة.

بيد أنّهم سيصيخون السمع يوماً، وسيدلفون تحت الظل ليخبّئوا تجهّم وجوههم.

حسناً أيّها البرج، بإمكانك الاسترخاء، هؤلاء لا انصلاب لهم.

خروج عن قوسين

أغنية بأغنية

لنقل كذلك

ولتكن الأرض آخر المغنين

والماء جدّ الدم الأكبر.

***

لتكن هذه الأرض صاخبةً قليلاً

فقط لأدحرج زرازير الموت عن ثيابي المهترئة وأقفز.

لاوديسيا 2

إنّك ارتداد الوقت

ولا ينبغي عليّ الاكتفاء بقياس مسافته

سآكله متوحشاً

سآكله وسيتضاعف جوعي لوجهك من قضمةٍ إلى قضمة

أعاودُ حرقَ المراثي بأسناني

أو

أتذكر ما حكاه لي السائق عن عشيقته التي رمت نفسها من السطح.

خائفةٌ أنتِ، ونصيبكِ من الفراغ كبير.

هذا الفراغ سيترك لك يوماً خرماً كبيراً تنزلق منه شهقاتنا الخشنة حال تستلقي أجسادنا، وأعيننا التي قنصت أقداماً تطارد عمرها السريع.

هذا الفراغ

سيغنّي عشاقاً تركوا العمرَ حكماً

وبحرٌ لم تغرق به دمية.

بُلُنياس

كأنّ الشايُ أعده دمُ الصخور الكلسية.

وكأن هذا الدم شاء فيما يرتخي على الكورنيش أن يوقظ الأسماك قبل طلوع النهار فابتسم ملوّحاً بابتسامته من طاولةٍ إلى طاولة، وما في الهواء سوى دخان المحطة وثكالى يرون في الماء وجوه أبنائهنّ.

لكنّك – أيها الدم -لا تفكر بالاسترخاء

فيما تسمع في جهات المدينة طقطقة قباقيب الحمامات.

النواعير فيما تعلمنا السباحة

الماء الهارب نحو الشمال يتنتّفُ خفيفاً في الجو

جسده يأخذ شكلَ ندفِ قطنٍ طازج

وبركضه المتواصل يسابق الأسماك وحركاتها المرتجلة

ابتسامة الماء الصامت تكاد من الحزن تسقط.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.