صرخة في حنجرة
على الشاعر أن يكتب عن الحقيقة، على اعتباره شاهدا على العصر، عن الأحلام التي أصبحت كسرة خبز وظلاّ يأوي إليه المرء بأمان، عن الوطن الذي كان جنة النخيل ودار السلام، وأصبح حفنة تراب نتوسدها كل ليلة، عن الآمال المعلقة على سماء حجرية، وعن الحياة التي تترنح في ريح الموت الهوجاء، التي لا يعرف لها هوية، عن الدموع التي تنسكب في القلب، أن تقف كيوسف، وحيدا، بعد أن تخلى عنه إخوته، وأنت تخلى عنك الجميع، بين سكين الظالم وأنياب العدو، تحاول أن تمسك بوطن يشبهك، أنت وهو مهددان بالانقراض.
إن ما يجري حاليا في أوطاننا لا يمكن أن يتصوره عقل يجعل حتى النهر يتعثر في خطوات وهو نتيجة لسوء تصرف الحكام والذين دائما يدّعون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة هؤلاء جعلوا الوطن مكبل اليدين ومكمّم الفم.
فكيف بالحرية يحلم، وأحلامه مهدورة الدم، في زمن كسيح يتعكز على الأمل، ساندا عارضيه على الوهم، متشبثا بالخيبة رغم مرارة الانكسار، موجها اتهامه إلى اليأس.
على الشاعر أن يعي كل هذا وينفض كل هذا الغبار والهمّ عن وجه وطنه عليه أن يكون الصرخة في حنجرة الجماهير واليد التي تلوح للحرية، حرية الإنسان والفكر.
هذا إذا كان شاعرا حقيقيا يمتلك رؤيا وفكرا خلاقا وخيالا إبداعيا فسيكون صوته الفجر وكلماته المدى.
"الجاهلية الثانية"
النهار ابتلعته الهتافات
والهتافات ابتلعها الوهم
و الوجوه الحربائية
بأفواهها المفتوحة على الموت
ولعابها اللزج
تمضغ حتى الأحلام
تقول إنها تملك الحقيقة المطلقة
تلك الوجوه..
أصنام الجاهلية الثانية
بشريعة الفوضى الخلاقة
بأفكار لا تحويها العبارات
*تراب البحر*
يتوسد ذاكرته
بعدما..
هجرتها الطيور والأحلام
والذكريات
يرقد كموجة لفظها
البحر.. اللجيّ
أيها البحر
لماذا سرقت أحلامي
وحولتها إلى موجات ميتة.
