صمت النوافير
الشيخ: وتدفعني قدمي فأشرّق
فإذا بمنارة الإسكندريّة مظلمة
والبحّارة لا يهتدون
مراكب الهند واليمن لا ترسي
حرائق في نخيل الكوفة
بسائط الحلّة قفر
والفرات دم وحبر
يا للظّلمة في قيظ الهاجرة!
"كأنّي بالمشرق قد نزل به مثلما نزل بالمغرب
وكأنّما نادى لسان الكون في العالم
بالخمول والانقباض
فبادر بالإجابة".
الجوق: الطّطر قادمون
دمشق ذات الأنهار السّبعة
تغلق أبوابها الثّمانية
الطّطر قادمون.
الشيخ: أدخلها كمن يستغرقه كتاب فريد
صفحاته باهرة الخطّ بديعة الزّخارف
من أيّ منعطف أنعطف أرى
قبّة النّسر ذاهبة بشموخ في الهواء
أمرّ من باب جيرون إلى باب البريد
أتمشى في دهليز الباب الغربيّ
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشيخ: أدخل الجامع المكرّم
فينكسر ظلّي تحت ضوء شمسياته المتوهّجة
وتحتويني قبّة الرّصاص في فلكها المرصّع الجليل
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشيخ: أرتقي جبل قاسيون مصعد الأنبياء
أوقد السّروج في مغارة الجوع
أقف على الرّبوة ذات القرار المعين
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشيخ: أسير بين دكاكين الجوهريّين والكتبيّين
الشمّاعين وصانعي العطور، والنحّاس والقناديل
أمرّ بالمدارس والخوافق والرّباطات
وبالأرباض الفسيحة والسماطات
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشّيخ: أنشر بصري في الغوطة الخضراء
أشرب من مياه النّيرب
وأمهل خطوتي في رياض المزّة
فتثمل عيني...
وها من تربة منجك يرتجّ فضاء دمشق
قرع طبول، ونفخ قرون، وأبواق...
فأرفع وجهي إلى السّماء
أمّا من لطفك يا إلاهي!
بين جبل قاسيون وباب الفراديس مدفن
سبعمائة نبيّ
أمّا من لطفك يا إلاهي!
تسيل من عيني المرهقة دمعة خرساء
وأغمغم متفجّعا
كلّ مدينة تحرق كتاب يحرق
كتاب من النّفائس لا يستعاد...
آه! يا مراصد سمرقند ومراغة ونيسابور
ماذا تقول قرانات النّجوم؟
الجوق: من أين لي بعشبة مسكره
فلا أرى ما أرى
من أين لي بعشبة مسكره
فهذي المسالك جمر
والمدى مقبره.