عقبات ومعوقات تهميش ذكوري
المرأة الناقدة حاضرة وبقوة في حقل التفكير النقدي، ولكن تكمن المشكلة في تهميش ذكوري للمرأة من قبل المؤسسات الثقافية والنقدية المختلفة سواء على صعيد كون المرأة ناقدة أو كاتبة، لنأخذ مثالا الجوائز العالمية والعربية نادرا ما تحصدها امرأة رغم وجود عدد لا بأس به من باحثات جادات على المستوى العربي وكأنها حصريا للنقاد والأدباء الرجال.
ما زالت المرأة تعاني من تمييز في الهوية الجندرية، فعند إطلاق مصطلح الأدب النسوي، فهذا المصطلح بحدّ ذاته هو تهميش للمرأة وقدرتها المائزة في الكتابة، فإذا قبلنا بمصطلح الأدب النسوي فهذا يجعلنا نقول بوجود أدب ذكوري، صحيح أن لغة المرأة الأديبة قد تعج بالأنثوية ولكنها تعالج مواضيع مختلفة بأساليب لا تقل تقنية عن الأديب الرجل. وبالتالي فلا يوجد نقد خاص بالنساء ونقد خاص بالرجال، والمرأة قادرة على الكتابة النقدية ببراعة.
إن جهود المرأة النقدية واضحة ولها قواعد راسخة، ولكن لم يتم تسليط الضوء عليها، بل وتهميشها وحصر اهتماماتها في صراعها مع الرجل، صحيح أنها اهتمت بأمور المرأة الأديبة ولكن لأنها لمست هذا التهميش الحاصل على أدب المرأة.
لا أنكر أنّ هناك عددًا كبيًرا من الناقدات قد وقعن في النمطية في دراستهن التقليدية، ولكن هذا لا يعني التعميم، فهناك باحثات وناقدات جادات لا تقلّ بحوثهن عن الناقد الرجل، ولكن نصيحتي للمرأة الناقدة أن تخرج من القوالب الذاتية. على سبيل المثال في مسيرتي النقدية اهتممت بالأدب الفلسطيني وحرصت على الثورة في التحليل وعدم الغرق في نمطية البحث والتفكير، فالعمل الأدبي يناديني للمنهج والأسلوب اللذين سأتخذهما في دراستي فمثلا طرقت عوالم كثيرة في كتاباتي النقدية قمت بمقاربة بين الرواية وعلم الخلية وبين القصة والأدب العجائبي والنوستالجيا وعالم الموسيقى والفلسفة، فنحن بحاجة ماسة للخروج من بوتقة رسمت لنا. ومن هناك جاءت كتبي الثلاثة؛ “تطور الرواية العربية في فلسطين” و”فضاءات ثقافية في الأدب الفلسطيني المعاصر” و”أدب الأطفال الفلسطيني” محاولة للخروج من التقليد، وحاليا أعمل على كتاب سيصدر قريبا حول الأديبات الفلسطينيات، وأعمل على كتاب حول المسرحيين الفلسطينيين، كما أنني أقوم بمقاربة بين الفن التشكيلي والأدب، فالمجالات النقدية واسعة، وهناك أسماء نسائية لامعة في مجال النقد الحديث أمثال العراقية بشرى موسى صالح والتونسية حياة الخياري والمغربية زهور كرّام والأمثلة كثيرة، ولكن تحتاج المرأة الناقدة إلى بذل جهود أكبر لتتضح معالم ثابتة في مسيرتها النقدية.
لا ننكر أن المرأة برعت في المشهد الأدبي وأخذت مكانة مرموقة مقارنة بالمشهد الفكري والنقدي، ويعود هذا لعدة أسباب ومعوقات. المرأة الأديبة تتمتع بحرية التعبير في أدبها من خلال امتلاكها لأدوات أنثوية قد تشد القارئ فتنبني قصتها أو روايتها أو قصيدتها بطريقة جاذبة قادرة على حبك النص الأدبي فيفرض النص الأدبي ذاته على القارئ الناقد والمثقف.
بينما في مجال النقد فإنّ كثيرات يفتقدن الآليات النقدية والتقنيات الحديثة ومواكبة كل ما هو جديد من مناهج وأساليب كما أن المشهد النقدي لا ينصف المرأة الناقدة ويحاول تهميش قدرتها النقدية وذلك بعدم دعمها في المسابقات والجوائز النقدية العربية.
كذلك هناك معوقات تقف عقبة أمام تقدم المرأة النقدي كأن لا تتجرأ على الخوض في موضوعات نقدية معينة كالثالوث المحرم: الجنس، السياسة، الدين في بعض المجتمعات المحافظة.