غرقى جبليون
زَوْبَعَةٌ صَغِيرَةٌ
أَحتاجُ إلى سنواتٍ مِنَ الهِسْتِيريَا
وضجرٍ يكون فحّاما لأنْفَاسي
أجنحةٌ كثيرةٌ يهرسُها علوُّ التِّلال
ويدفنُها في هَيْكَلي المُحمَّل بـ60 كلغ من الأَعضَاء.
حتّى أنٍّي أصبحتُ مَقبرةً ثَقيلةً من الرِّيشِ والخَلاَيَا الفَاسِدة
لا سُورَ لي
ولا أَسْماءَ
لا تَوارِيخَ
أهْذي ثم أهْذي
وأستلقِي طَيِّبًا كريحٍ مُصابةٍ برَصاصَة
ها قد أصبحَ ما ضَاعَ منِّي هو الأَجْمَلُ والأكثرُ حُضُورًا وألمًا
وبدأتْ أشدُّ مناطقي بعدا وخطورة في تمزيقي
ما سيحدث: زَوْبَعَةٌ منْ بقايَا أجْنِحَة
جلَبَة دُخان
ثقلٌ يَمْحُوهُ الخَوَاء.
لأجل ضِحْكَةٍ
لا جَدْوى من الأَمْر
لكنَّنِي أَفْعَلُه
هكذا تَعوَّدْت
أن أُلْقي قَمْحًا
لعصافيرَ سيقْنُصُها الرَّصَاص
أن أحدِّثَ مارِّينَ بكلماتٍ يترُكُونها وَراءهُم
تعوَّدْتُ أن أقُولَ ما لستُ أعْرِف
وأن أصرُخَ كاتمًا صَوتِي بأصَابِعِي
أنا أفعلُ ما لا جَدْوى منْه
أفعلُهُ وأنا أضْحَك
كلُّ ذَلِكَ لأجْلِ ضِحْكَة.
لا مفرَّ
رأيتُ الغدَ
قرْبَ ميناء العاصمةٍ القَدِيم
لمْ يَكُنْ يحملُ شيئًا في يَدِه
كانَ مُحَاصِرا بمنْ ينْتَظِرُونَه
بدخانٍ بيْنَ أصَابِعِهِم
وتوارِيخُ جُوعِى على أكْتافِهِم
يجْرِي بعيْنَيْن مُغْمَضتَيْن
يجْرِي هاربًا
يجْرِي وهو مُحَاصَر.
لا تُشْعِلُوا النَّارَ
صدِّقُونا
إنْ قُلْنا إنَّنا نَقَلْنا جِبَالاً وبُحَيْرات
في عَربَاتٍ من عُلَبِ الطَّمَاطِم
إنْ تَحدَّثَ أحدُنَا
عنْ نساءٍ يَخْرُجْنَ من ثِمَار
عن أبديِّةٍ عريَانَة على ضفَّةِ نَهْر
صدِّقُوا ما نقولُهُ لكُمْ
تحتنا ملائكَةٌ بأبنائِهَا وزيَاتينَ
صدِّقُونا
بينما تُشْعلُون بنَا النَّار.
أنا ابنُك أيضا
لقد آذونِي كثيرًا
هشَّمُوا أنفِي ببندقيَّةٍ
قطعُوا أذنيَّ بعُوائهِمْ الحادِّ
مزّقُوا قلبِي الصَّغيرَ بدُمُوعهم
وأظفارهِمْ المدْسُوسةِ في أصابعِهِمْ
أذابوا قدميّ في مَتاهَةٍ من الطُّرُقات
حادفُوا ظهرِي بألسنَتِهِمْ
وأعيُنِهِمْ ذاتِ الشَّفَرَات
طعنُوا شمسِي
الهاربَةَ خلفَ التِّلال
يتبَعُهَا خيْطُ دِمَاء
دفعُونِي إلى رُكْنٍ مُظْلِم
سرقُوا لُقْمتِي وثِيَابي
وجعَّدُوا جِلْدتي من العَرَاء
فلماذا لم تَمْنَعْهُم عن ذلك؟
نقصان
الغُصّةُ تنطَحُ حُنْجرتِي كَثَوْرٍ بريّ
تنتفض في رأسِي
إنّها غابة هيّجَتْها ريح.
كيف أُوقفُ هذا البكاء؟
وخدّاي آثار عجلات في الطِّين
ها قد غادرتِ الآنَ
واكتمل المشهدُ بالنُّقْصَانِ
هل عليّ الآن أن ألطِّخ ركبتيّ على الأرْض؟
هل عليّ أن أطلق النَّار على رأسِي ؟
سأظل أسأل دائمًا
ما الذي يجعَلُ كلماتِ الحُبِّ تتحوَّلُ إلى سَكَاكِينَ بَاردَةٍ؟
كل هذا لأجل أنْ يكتمِلَ المَشْهَد؟
إمكانات للمطر
قد يبدو هذا المطرُ أسلاكًا وسياطًا
أو حُقَنًا تُدقُّ دفعةً واحدةً في عضلاتك الزَّرْقَاء
قد يكُونُ براغٍ فكَّكَتْها الرِّيحُ من كُتلِ الغَمَام
أو ثقوبًا لا عددَ لهَا
قد يكونُ رصاصًا مُذابًا
أو سرْبَ أشواكٍ يقفزُ
قد يبدو هذا المطَرُ خُيوطَ مَاءٍ
تتحوَّلُ إلى أثوابٍ باردَةٍ
لكنَّهُ مَطرٌ في النِّهَايَة
مَطَرٌ لولاَ حُزْنُك.
شَاعِرٌ
ها أنت كتبتَ ما استطَعْتَ
ألصقت أخْيلَةً على حركاتِ الحِبْر المُتْرفة
وها هي كلماتُك عاريةً أمام غُرَباء
كرِهَكَ البَعْضُ
وأحبَّكَ آخرُون
(وحقيقة لا أجد سببا مُقْنعا لهذا)
ها قد غدَوْتَ شاعِرًا
بجراحٍ لائِقَة
وشفتَيْن خبيرتين بالمِكْرُوفُونات
يعرفُكَ البَعْضُ
ويجهلُكَ آخرُون
من الغباءِ أنْ تَحْلُم بالخُلُود في أرضٍ تستَعِدُّ للزَّوال
ثم إنك لم تُغَيِّر شيئًا
حتى تلك الجوارِبُ
التي تحْبِسُ البردَ في رِجْليْك.
هَذَا المَطَر
تخطيط: حسين جمعان
كنت سأكتبُ نصًا عن خيبتِي
والتهيتُ بتنظيفِ مُفرداتِي
من أثرِ السَّنَواتِ ومَلايينِ الأفْوَاه
أخذتُ أوقِفُها بجانب بعضِهَا
أدفعُ بعضَهَا إلى عِناقٍ حارٍّ
وأنخزُ أخرى لتنزَّ
ربطتُها جيّدًا
وأخذتُ أجولُ بين خُطوطِها كآمرِ سِجْن
وأتساءلُ كيفَ لتلك الرَّخويَّات المُسنّة أن تقُول خيبتي
وتحملُها على أذْرُعها الجَافّة
إلى قارئٍ يُفَلّي الدّمَ في الكلمَاتِ..
خيبتي تهيج كعاصفة من الحجارَة
كلماتي تركُل بعضها وتهرب إلى الهَبَاء
إنّها تخُونُني هي الأُخْرى
مزَّقْتُ الوَرَقة
ورُحْتُ أُصْغِي إلى هُطُولِ المَطَر.
لأنَّكُمْ لسْتُمْ قَتَلَةً
أغلبُكُم لن يبني غُرفَة
ولن يظفرَ بوظِيفَة
أغلبُكُم لنْ يجِدَ الحُبَّ
ويربّي طمأنينةً وديعةً في أيّامه
أغلبُكُم لن يُفْلح في بحثِهِ عنْ ذَاتِه
ولو شرّح حُبَيباتِ الغُبار بمشط
نسمِّي بعضكُم عاطلينَ وعوانسَ وعزَّابًا وفشلَةً
نسمّي أغلَبَكُم “طبقةً مسحوقةً ”
وكأنَّكُم حنطة في رحَى
أنتُمْ لستُمْ قتلةً لكيْ تنتصروا.
ما سيحدث
بحزنٍ عابرٍ، ودمعةٍ طارئةٍ
يمكنك أن تكتب لي نعيا لائقا بخسارتي
ولا تنس أن تضمِّنه مقطعًا من قصيدة لي عن الموت
عليه أن يُعجب فتيات كثيراتٍ
ويقرُصَ قلوبهُنّ الطريّةَ
ستنشر إحدى الصّحف ذلك
سيقرأ بعضهم العنوانَ دون انتبَاه
وقد يهتمّ أستاذ متقاعد بالنَّعْي
لينسى اسمي بعد عشر دقائق..
بعد شهرٍ ستلاقي حبيبتكَ
بابتسامة أعرضَ من وجْهك
وسيكونُ النَّعي ممسحة للنوافذ.
أنا وحيدٌ دون ذِكرى.
حِوَارٌ مَعَ حَارِسٍ
بماذا تشعُر؟
مائة مثقابٍ تتوغَّل في كل سنتمتر منِّي
ما ثقلُك هذا؟
لا شيءَ
في ماذا تفكِّر؟
في الفرارِ
أين أنتَ؟
أنظر إلى نفسِي
إلى أين تمضٍي؟
قلبي ملعقةُ ملحٍ
أحرِّكها في الماء بإصْبعي
من أنت؟
أنا
ماذا تريد؟
أحلم بستين دقيقة وعلبة سجائر وزجاجة نبيذٍ
أريد ليلةً واحدةً
أعوم في امرأة كريشةِ عقابِ
أريد غدا واحدًا كي أضحك أكثر
وخمس دقائق لأحزمَ نفسي وأرحَل.
لاَ تُخْبِرُوهَا بِذَلِكَ
لا تُخبرُوها أنني لن أكونَ هنا غدًا
صباحَا
لا تدعُوها تعرف أنني لن أعود أبدًا
مازالت تُمسكني من أذني
وتدرِّسُني الرياضيات واللغة في المطبَخ
مازالت تحمِّمُني، تدلُكُني بزيت الزيتون
وتكمِّدُ رأسي الساخن بالخلِّ
تغنِّي لي
وتغْلِفُني بالدُّعاء
تشتُمُني
وتلفّني بالدُّعاء
وحدها بكتْ حين بكَيْتُ
وكبُرتْ حين كبُرتُ
وحدها من ستسقُط حين أسقُط
اكتبوا وأومئوا لها باسمِي
دعوها تنتظرُنِي بصمتِ السَّنوات
ولا تتركوها تعلم أنَّني لم أعدْ هُنا.
فُرْسَانٌ عَصْرِيُّونَ
قالُوا إنَّهم ذاهبُون بعيدًا
حيث لم يذهب أحد بعدُ
وإن أسماءَهُم أكبرُ من أن يحملُوها بمفردِهِم
رفعوا رؤُوسهُم وأنوفَهُم
قالوا إن لهُم معارك لينْتصِروا
وإنَّهم وحدهُم يروْن كلَّ شيء
ثم ركبوا على كراسي المقاهِي والحانَات
صَهِلُوا عاليًا
وتدلَّتْ سيقانُهم
دون أن تترُك أثرا على الإسْفلت
كنتُ أنظُرُهم
وأخفي في كُمّ سُترتي ضِحكةً واسعةً.
العودة إليها
أحاوِلُ العَودَة
لا تسألُوني إلى أيْنَ
أنا لا أعرفُ
****
رأيتها من فجْوةٍ
أجل رأيتُها
لا تسألوني منْ هي
أنا لا أذكرُها
****
كل شيء فقاقيع
حتى الموانئُ والغيماتُ
حتى صُراخُها
فقاقيعُ
****
أريد أن أعود إليها
لأعيدها إلى
ما كان وما لم يُكُن.
بَالُونٌ
دون أن أعرِفَها
من بعيد أنظُرُ إليها
حياتي الذاهبَةُ دون وجْهةِ
كبالونٍ أفلتَ من يدِ طفْلٍ.