فتنة النص
1
بعد عقود من الكتابة، وتراكم التجربة، والتنقل بين أشكال كتابية متنوعة ومتباينة، لا تعودُ تلك الملامح الأولى ساطعةً كما كانت، صافيةً كما كانت، بل صار يكتنفها سديمٌ من اللايقين والالتباس والخلط الذي يربك الصورةَ العامة. الذاكرةُ نفسُها لم تعد تسعف، وكأنها تتكئ على وقائع مشكوكٍ في صلابتها ومصداقيتها. لذا سأحاول أن أرتب عناصرَ الصورةِ كما أراها الآن، وليس كما كانت في الأصل:
حكايات تخلبُ اللبّ ترويها جدّةٌ بارعةٌ في السرد، تحزمُ المسامع وتشدّها إلى عوالم لا نشتهي الخروجَ منها. قراءات لكل ما يقع في متناول اليد، لكل قصاصةٍ مهمَلة داستها الأقدامُ بلا مبالاةٍ لكن بلا كراهية. قراءات لكتبٍ مستعارة من أصدقاء مسّهم مثلي شغفٌ بالقراءة، وأخرى مسروقة برعونةٍ وبلا مهارة من المكتبات. تصفّح مجلاتٍ وصحفٍ لا تحصى، ثم محاكاة المجلات بإصدار جرائد حائط لا أحد يقرأها من منتسبي النادي الرياضي. بعدها يأتي اختبار القدرة على الكتابة بتأليف قصصٍ ساذجةٍ لا قيمة لها، مع ذلك تجد موطئاً في ساحةٍ لم تعجّ بعد بالموهوبين والمدّعين معاً، وتستدرجك شلةٌ أدبية صغيرة مفرطة في الحماس، وتضفي عليك أهميةً زائفة. ومنها تلتحق بتجمع أكبر من أدباء لا تجانس بينهم. مع مرور الوقت، تتحرّر تدريجياً من الأوهام وتتواضع وتبدأ في الإصغاء إلى الآخرين، وتستفيد من قراءاتك واحتكاكك بالتجارب الأخرى، وتتفاعل مع المنجزات الحديثة في الأدب، وتتأثر بالحساسية الجديدة التي ولّدتها إبداعات شتى في أشكال الفن والأدب، وتقترب أكثر من العوالم الشعرية، وتشعر أخيراً بأن الكتابة ليست مهنة، ليست هواية، ليست وسيلة للتكسب ولتحقيق مجدٍ أو شهرة، بل هي حياةٌ أخرى، أكثر جمالاً ونقاوةً، تعيشها برغبةٍ حقيقية، وبشغفٍ لا حد له، وتدرك أنها وحدها التي تعطي وجودَك معنى وقيمة.
2
بدأ ولعي بقراءة القصص والروايات وأنا في المرحلة الثانوية. هذه القراءة النهمة حرّضتني، في أواخر الستينات، على أن أجرّبَ كتابةَ القصة.. لكن بسذاجة المبتدئ.
ليس فقط هذا الولع من وجّهني إلى كتابة القصة القصيرة، هناك أيضاً تأثري العميق بالحكايات التي كانت جدتي ترويها لنا ونحن صغار. كانت تسرد الحكايةَ بطريقةٍ فيها الكثير من التشويق والدراما. كانت مذهلة في السرد. من خلالها أحببت السرد.
لكن المفارقةَ أنني، في كتابة القصة، بعد البدايات البائسة، لم أكترث كثيرا بالسرد التقليدي. ربما لأني، على نحو غير واع، شعرت بأنني لا أستطيع أن أضاهي الجدّةَ في السرد. أو ربما لأني شعرت بالإشباع والامتلاء في السنوات التي أمضيتها وأنا أصغي إلى سردها.
أحببت الشعرَ كثيرا؛ أكثر من القصة والرواية. لكنني لم أجرب كتابة القصيدة. لم أشعر بأني قادر أو مؤهل لفعل ذلك. أردت أن أكون شاعراً في مجالي الخاص.
3
إنك تبدأ الكتابةَ بغايات معينة، كأن ترغب في التعبير عما يوجد بداخلك.. أفكارك وعواطفك ومشاعرك وهواجسك. ثم تضع لنفسك هدفاً سامياً، فيه الكثير من الادعاء: أن تغيّر واقعَك، حالماً بعالمٍ أفضل، بغدٍ أفضل.
كان ذلك ضرباً من البراءة والسذاجة اللتين ترافقان البدايات عادة، ويفرضهما مناخ سياسي واجتماعي معين. كنا جميعا، آنذاك، نظن أن الكتابةَ قادرةٌ في لمحةٍ على اجتراح المعجزة المرتقبة. كنا في الحقيقة نحلم، وكان حلما جميلا ونبيلا وطفوليا. لكننا خذلنا هذا الحلم، أو اتضح أنه محض وهم.
يود المرء أن يعطي لنفسه ولما يفعله شيئاً من الأهمية، من القيمة، من الامتياز؛ أن يعتبر نفسه خارقاً وذا حضورٍ طاغ. لكن هذا يعدُ خداعاً للنفس قبل أن يكون تضليلاً للآخرين. يجب أن نقبل بدورنا المتواضع، الضئيل، وبوجودنا الهش، في هذا العالم، ولا نعطي أنفسنا حجماً زائفاً. الزعم بأن الكتابةَ قادرةٌ على اجتراح تغيير ما، حتى لو كان بسيطاً، هو محض وهْم.
الكتابة، وكل الأشكال الفنية، لا تستطيع أن تغيّر الواقع. قد تقول للإنسان شيئا عن واقعه، عن معنى ذاته ووجوده، أن تعمّق وعيَه، وأن تصقل حسّه الجمالي. وإذا استطعت أن تحقق بالكتابة بعضا من هذا، تكون قد أنجزت شيئاً له قيمة وأهمية.
إن ما تكتبه يتصل بهذا الواقع، جذوره ممتدة فيه، إلا أنه يتخطى هذا الواقع ليطرح رؤيةً أشمل تتصل بأسئلة أزلية. في نصوصي لم أحاول أن أطرح الواقع في حرفيته، في قضاياه اليومية المباشرة. كنت معنياً أكثر بعوالم الحلم والمخيلة، والتي فيها أمتلك حريةً أكبر في تناول قضايا أكثر جوهريةً أو أكثر اتساعاً.. من وجهة نظري.
عالم الحلم أو المخيلة هو امتداد طبيعي لعالم الواقع، وليس منفصلا أو مستقلا عنه.
4
أي نصٍ هو بالضرورة انعكاسٌ لذات الكاتب ورؤاه وتجاربِه الشخصية ومعرفتِه الثقافية وأحلامِه وذكرياته وتخيلاته.
الكتابة، بالنسبة لي، ليست قناعا أو نتاجَ مخيلة محضة بل هي نافذةٌ تطل على الروح.. مرآةٌ للنفس تعكس الدواخل والأعماق. الذات، أو شظايا من السيرة الذاتية موجودة في النص، لكنها قد تنتحل أشكالا أو شخوصا أو أفكارا.
5
أنت تكتب بدافعٍ أو بتحريضٍ من رؤيةٍ ما، فكرةٍ ما، رغبةٍ في التعبير أو البوح عن تجربة.. قد تكون تجربةَ عشق أو ذكريات لحوحة أو أحداثا تتصل بك وتؤثر فيك عاطفيا أو نفسيا أو سياسيا، فتسعى إلى التعبير عنها من خلال نص يتشكّل تدريجيا، ويكتسب حياةً غالباً ما تكون ذاتيةَ النمو والتشكل، ومستقلةً عن الخطط والتصميمات والأفكار التي وضعتَها سلفاً، أي أن النص غالباً ما يتخذ بذاتِه كينونةً خاصة به، خارج إرادتك أحيانا وبمعزلٍ عن رغباتك ونواياك.
عند البدء بالكتابة، لا أظن أن ثمة بوصلةً تحدد مساري، صوب جهةٍ أو أخرى. ولا خرائط أيضا. إنه أشبهُ بسفرٍ إلى مجهول لا تعرف تضاريسه، ولا إلى أين تفضي بك المسالك. ثمة رغبةٌ ملحة في الكتابة، رغبةٌ يصعب مقاومتَها، وما أثار أو أيقظ هذه الرغبة بداخلي شيءٌ قد يكون غامضا (ربما صورة من حلم أو شذرة من ذاكرة) أو شيءٌ يمكن معرفتَه لكنه نتاج الصدفة (عنوان يخطر بالبال، محادثة، لقطة من فيلم، لوحة.. إلخ).
إذن الرغبة تأخذني إلى أرضٍ لم أزرها من قبل، أرضٍ عذراء، وتبدأ الأشياءُ في التشكل كلما خطوت وتعثرت. أجد عند كل منعطف شيئا ينتظرني ليلهب مخيلتي: ريحاً، مرفأ، بشراً، حقولا.. عوالم تنبثق تريد أن تحتل مكانا في النص. وأنا أمضي غير عارف إلى أين سأصل ومتى.. لا شيء واضحا، لا شيء محددا، تأخذني اللغة، تأخذني المخيلة، وترمي بي في أفران النص.
عندما أكتب نصاً وفق مخطط موضوع سلفاً، أو وفق عناصر محددة تدلني إلى المسالك والمنافذ والمخارج حتى النهاية، فإنني أشعر بالضجر وأكف عن الكتابة، لأنني عندئذ أفتقد الخاصيةَ الأهم للكتابة: المتعة. لذلك أحب أن أبدأ في الكتابة وليس بحوزتي غير خيط أو صورة.. حتى لو كانت غامضة.
النص إذن يشكّل نفسَه إنطلاقاً من صورةٍ معينة أو جملة أو انطباع. هناك أمور معقدة وغامضة جدا تحكم الكتابة وليس العكس، ليس الوضوح والمنطق والنظام المعرفي هي التي تحكم.
6
يصعب تحديد كيفية بناء الأفكار. إنها عمليةٌ معقدة جدا. ليست هناك خطة معينة، أو منهاج معين، وفقاً له وعلى ضوئه تقوم ببناء الفكرة. الفكرة تخطر لك، هكذا، من دون تصميم مسبق، وهي قد تنبع من مصادر متنوعة: من حلم، من صورة، وأنت تمشي، تتأمل، تنظر إلى لوحةٍ، أو تصغي إلى مقطوعة موسيقية.. منابع ومصادر عديدة ومتنوعة.. لكنها ليست محكومةً بمنطق خاص، وآليةٍ محددة ومفهومة. قد يحدث كل شيء بيسرٍ شديد، ومن دون إعاقات، وقد يستغرق الأمر وقتا طويلا، وربما تصرف النظر عن الفكرة.
7
أثناء الكتابة، كل العناصر تشتغل: الوعي واللاوعي، الذاكرة، المعرفة، المخيلة.. سنوات الخبرة كلها تتداخل ولا يوجد عنصر يتغلب على الآخر.
دع نفسك خمس دقائق مع المخيلة، بتركيزٍ شديد وذهنٍ منفتح، وسوف تعطيك المخيلة صوراً لا تعد، كل ما عليك هو أن تلتقط الصور، وتضعها ضمن بناءٍ محكم ومتناسق. أما في مرحلة التصويب والتنقيح وانتقاء المفردات وتحسين الجمل، فيأتي دور الوعي ليتدخل ويحسم.
8
ينبغي أن تكون اللغةُ موظفةً شعريا وإلا سقطت في العادية والتقريرية والرتابة.. وهذا ما نجده عند كتّاب لا يعتقدون أن للغة طاقة تفجيرية هائلة. باللغة العادية، التقريرية، التقليدية، لا أستطيع أن أبني نصاً يقنعني شخصيا، ويدهشني في المقام الأول.
بالطبع، الحالة هي التي تخلق لغتَها الخاصة وليس العكس. بمعنى أنا لا آتي إلى مقطع معين وأقرر أن أكتبه بلغة نثرية سردية أو بلغة شعرية. الحالات والصور تفرض لغةً متجانسة معها. ومثل هذه الأمور ليست مقررة سلفا بل إنها وليدةُ لحظةَ التعبير.
9
منذ البدايات لم أكن واثقا بأن السرد الكلاسيكي سوف يثري نصوصي أو يساهم في دعم وتعزيز رؤيتي. لذلك جعلته يأخذ منحى آخر، مستثمرا جوهرَه الشعري.
شعرية السرد عندي نابعة من إيمان عميق بأن للسرد طاقة شعرية هائلة لم تُستغل بعد، ولا يحاول كتّاب القصة والرواية سبرَها واستكشافَها واستثمارَها. هي، عندهم، معطلة، مشلولة، بالأحرى، هي موضع استنكارٍ وازدراءٍ ونبذ.
هذه الطاقة الشعرية للسرد أحاول أن أوظفها لإغناء نصي، فمن خلالها أسعى إلى تعميق علاقة كائناتي بالواقع، في تشعباته اليومية والحلمية والتخيلية، وبغير هذه الطاقة تصبح لغة السرد جافة، مباشرة، إنشائية، لا روح فيها ولا عذوبة ولا جمال.
أن يتسم نصّ بالشعرية، أو أن يتخلل الشعر أنسجة النص، فذلك ليس تهمة يتوجب على الكاتب دحضَها أو التنصلَ منها أو الدفاعَ عن نفسه إزاءها. فالشعر جوهر كل كتابة، كل فن، بمعنى أنه متجذر ومتأصل في كل فعل إبداعي.
من الخطأ الاعتقاد بأن الشعرَ يخص القصيدةَ وحدها. هذا فهم قاصر لمعنى وطبيعة الشعر. فالسرد يمتلك خاصية شعرية، كذلك الصورة السينمائية واللوحة التشكيلية والمقطوعة الموسيقية والمنظر الطبيعي في وجودنا. الشعر موجود حولنا وفي كل مكان، فلماذا تستكثر أن يوجد في القصة أو الرواية؟
من الضروري أن ندرك أن الشعرَ يوسّع تخومَه، وراء حدود الاتصال اللفظي، لمعانقة أشكالٍ أخرى من التعبير الفني.. بمعنى آخر، الشعر أفقٌ مفتوح على مداه، ليشمل كل فعالية إبداعية.
10
لست من المولعين، أو الممسوسين، بالهدم. أظن أنني بنيت لنفسي عالماً (وأعتقد أن هذا ما يفعله أغلب الكتّاب) فيه كل نص يتمّم (ولا يهدم) الآخر، سواء أكان هذا بوعي أم بلا وعي أم على نحو اتفاقي غير مقصود.
في كل نص جديد، هناك أصداء، إشارات، ومضات معينة من النص السابق أو من نصوص كتبتها في أوقات سابقة وبعيدة، تستحضرها التجربة من جهة، والذاكرة من جهة أخرى. بالتالي، هي أشبه بعملية بناء متواصلة، بواسطة الأدوات ذاتِها، والعناصر ذاتِها، مع تجديدات هنا وهناك.
إذن فعل الكتابة، بالنسبة لي، يعتمد على الاتصال (بين النصوص، أي التجارب) أكثر من الانفصال، على التراكم أكثر من الانقطاع. النص ينمو بفعل عناصر موجودة أو كامنة في تجربة الكتابة الكليّة، وليست مستقلة تتم استعارتها من مكان ما.
11
للعناوين وظائف متنوعة: إيضاحية، إيحائية، رمزية، دلالية، تفسيرية.. إلخ. شخصياً، أميل إلى العنوان الذي له رنينٌ شعري، جمالي، وفي الوقت ذاته يعبّر عن جوهر النص، ويكون مفتوحا على عدد من القراءات، من التأويلات.
قد يتولّد العنوان أثناء الكتابة، أو بعد إنجاز العمل، وأحيانا، لسبب غامض ما، يكون حاضراً وجاهزاً قبل التفكير في الكتابة. في بعض الأوقات، تستعين بصديق يقترح عليك العنوان الملائم (حيث يمكن للعنوان أن يوجد باستقلالية وعلى نحو متواز مع النصوص). لكن في كل الأحوال ينبغي للعنوان أن يكون مدهشاً، وأن يكون محركاً، جمالياً ودلالياً، لمخيلة القارئ.
12
الكاتب أحيانا لا يفهم ما يكتبه هو لسبب بسيط، فأثناء الكتابة لا يكون للوعي السيطرة الكاملة على العملية برمّتها، بل هناك تدخلات مباشرة ويتعذر اجتنابها من قبل اللاوعي والمخيلة والذاكرة والهذيان، وهذه العناصر تفرض نفسها وتوجّه الكاتب إلى مسارات لم يخطط لها وإلى معان ودلالات غامضة لا يستطيع الكاتب أن يفسرها أو يؤولها في حينها، لكنه يجدها منسجمة عضويا مع الحالات المنبثقة – كلغة ومجاز- من قلب النص.
ثمة قوة سحرية للحرف والكلمة يشعر بها الكاتب قبل أي أحد.. الكاتب الذي يقع تحت سحرها فيما هو يسعى إلى تركيب كيميائي للعناصر من خلال الاشتغال على مجاورة المفردات ورصد إيقاعية الحروف، وترددها في الجملة، واتصالها ببعضها البعض موسيقيا ودلاليا، وما ينتج عن هذا التجاور والتفاعل والتزاوج من معان تستنتجه القراءات والتأويلات.
لكن هذا ليس نتاج الوعي وحده وعلى الدوام، فعبر التداعي الحر وإطلاق المخيلة وتفعيل الذاكرة والإحساس بإيقاعية اللغة ودلالاتها الصوتية، تتولد جمالية يشكّـل فيها توظيف الحرف عنصرا أساسيا.
13
الكتابة عندي ليست عملية عقلانية، ذات دوافع واضحة ومدروسة، محكومة بمنطق وأسباب ونتائج، قابلة للشرح والتفسير.
هل يعرف المرء لِمَ يحيا؟ أو لِم يحلم؟ إنه يحيا فحسب، يحلم فحسب. التأويل والمعنى يأتيان في ما بعد. هل يعرف المرء لم يكتب؟ إنه يكتب فحسب.
هكذا أتنفس هواءَ الكتابة تاركاً التأويل للآخرين. الكتابة حاجة تقتضي الإشباع، لكنها حاجةٌ مستمرة، تبدو أزلية، لا نهائية.. هي بالأحرى رغبةٌ دائمة لا تعرف الإشباع ولا الاكتفاء، مهما تعددت أشكال وأنواع الكتابة.
ستكون وظيفةً لمن يتّخذ من الكتابة مصدرا للرزق، أو لمن يكرّس نفسه للوعظ السياسي والأخلاقي، أو لمن يشعر بأن العالم لا يستطيع الاستغناء عنه فيعلن عن حضوره بأكثر الأشكال صخباً وادعاءً. إنه الكاتب الذي لا تشكّل له الكتابة متعةً خاصة يتلذّذ بها حتى في نومه.
الكتابة، بالنسبة لي، كما أشرت سلفاً، حياةٌ أخرى أعيشَها حتى الرمق الأخير، واستمتع بها حتى الثمالة.
الكتابة ضرب من الحصانة ضد الإحساس القاهر بالهامشية في عالم لا يريد منك إلا أن تكون شيئاً أو رقماً أو أداة فحسب. الواقع صار أكثر عنفاً وشراسة ضد الفرد، وإزاءه لا بد من التحصّن بفعل يشعرنا بالقوة.. حتى لو كانت وهمية أو تخيلية إلى أبعد حد.