فلينهض‭ ‬الشارع

الخميس 2015/10/01
تخطيط لـ ساي سرحان

أريد أن أقول، منذ البداية، ما قلته سابقا: إن الحرية أهم من الشعر الذي يكتب عنها، وأن الكرامة البشرية أهم من تجلياتها التعبيرية‭.‬ وقيمة الشعر الذي لا يموت، في السعي إليهما معا‭.‬ وليس، الذي أقوله، استخفاف مني بالشعر، ولا باستقلاليته المفترضة، ولا بحريّة الشاعر، لأن الشاعر كما أرى ليس كائنا علويا، يعيش خارج جماعته البشرية، مهما كانت سوية وعيها، وسوية إدراكها لمفهوم الحرية الفلسفي! فليس شرط الحرية عند المواطن، بصفته مواطنا، أن يبحث في جذور الحرية الفلسفية كي يستحقها‭.‬

إن حرية الشاعر في المجتمعات التي لم تحقق شرط وجودها الإنساني، هي في الانحياز لحريتها، حتى ولو اتخذت أشكال المطالبة بها شكلا رعويا! حتى ولو انطلقت من جامع أو كنيسة أو خمارة، وعلى الشاعر أن يحمي نفسه، من براثن الوقت العربي: الطائفية والمذهبية والشوفينية والتعصب الديني والعمى الأقلوي، وأن يعلن انحيازه للضحايا بصفتهم هذه، وهم في حالنا ضحايا التسلط والاستبداد وإقامة الحد وعمى الأقليات، وجزعها من ضياع ⊇استثمارات الأنظمة الباطلة‭.‬ نعم‭..‬ إن الضحية الآن تلبس ثوب جلاديها وتزيد في أساليبه وتسرف‭.‬

المحن، كما يقولون تظهر المعادن، فالطائفيون والمنتفعون بين الشعراء ليسوا قلة، والصيارفة وباعة الخردوات اللغوية والساكتون على القتل والتذبيح -من أيّ جهة كانت- متوفرون، والتحايل على النزعات المضمرة بات مكشوفا، فالشعر في بلد تكثر فيه المظالم -يفرض- نعم يفرض على الشاعر الحق أن يكون ضد الظلم ومسببه وأشكاله‭.‬

ولكن هذا للأسف لم يظهر كما يفترض عند من داخت اللغة على يديهم وهم يدعون للحرية المطلقة أمام الظواهر والأديان والتقاليد

إن شاعرا كبيرا كأدونيس، شاعرا بهذه المكانة، لم يستطع التغلب على قواه الدفينة، وصار يخوض في مياه عكرة بأساليب، كان من الممكن تلافي أسبابها، دون هذا التحايل اللغوي المكشوف الذي صيره شاعرا مبتسرا ومفكرا أكثر ابتسارا، ويبدد ما جمعه بإصرار، بلحظة كشف هبلاء‭.‬

إن أحدا لم يطلب من أدونيس أن يكون مايكوفسكي أو غوميلوف، فهذا بعيد عنه، بل أن يبتعد -مع فارق القيمة- عن مواقع صابر فلحوط وجوزيف حرب وعمر الفرا -الرحمة عليهم جميعا-‭.‬

حرية الكاتب في انحيازه للحرية، حرية ناسه وجماعته البشرية غير المبتسرة‭.‬

إذ لا قيمة للشعر ولا للكيمياء ولا للفن التشكيلي ولا للمسرح إن لم يخدم بالشكل الذي يرتضيه قضية الإنسان‭.‬هل أبدو سوفييتيا في هذا القول؟ ليكن ما دام الأمر يتعلق بشعبي وأرضي ووطني‭.‬

الشاعر مواطن أولا ومواطن ثانيا ومواطن ثالثا، وإن كان مواطنا من سوية خاصة كما يقولون‭.‬ والشعر سلوك حين يتطلب الأمر ذلك، وأيّ أمر يتجاهل التشريد والتهجير والقتل والتذبيح والاستخفاف بمصير الناس وحياتهم‭.‬

لتنهض التراجيديا، ولينهض الشاعر الحق على طوله ويعلن على الأقل الاحتجاج وهو أضعف الإيمان إذا بقي شيء من ذلك!

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.