في‭ ‬المواجهة

الخميس 2015/10/01

إزاء أقدارنا المؤججة بالشرور والكوارث والدمار والخراب‭..‬ وإزاء سمائنا الممطرة نارا وذعرا، وفى ظل موت الضمير العربي وجحود عاطفته‭..‬ ووقوفه على الحياد واللامبالاة والفرجة تجاه ما يحصل من مجازر ومذابح ومآس وجرائم في حق الإنسان من موت جماعي في البحر وموت جماعي في اليابسة‭..‬

وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية والسياسية وما تتسم به من تراجعات فادحة على مستويات عديدة وما يصاحب ذلك من تردّ وتشرذم وتفرقة وإقصاء وانهيار القيم والإبعاد عن الهوية والدفاع عن كينونتها بكل ما أوتينا من قوة وحزم‭.‬

إزاء هذا كله تعجز قصائد الشعر أن ترتدي مجوهرات البهجة وأثواب الفرح وتتنكر للمأساة وتحيا على الملهاة، وتتجاهل براحة بال كل الدماء المراقة على أرصفة شوارعنا وأبواب بيوتنا وحين يصبح الدم والنار وحدهما يرويان أوقاتنا العربية وزمننا في كل وقت وحين‭.‬

الوضع العربي أصابه الانهيار والتفكك‭..‬ كل شيء يدعو إلى القلق والذهول بمذاق المرارة والخذلان والأشجان‭.‬ للأسف الشديد الشعر وبقية الأجناس الثقافية والتعبيرية الأخرى مازال يمشي على ألغام الشوك شوقا للانعتاق ظمأ للضوء وللنور وللشمس‭..‬ وللحرية‭.‬

مازال الشعر يرنو إلى عالم أكثر اتساعا ويبحث عن رقعة أكبر لتحتويه‭..‬ مازال يحاول جاهدا وبشكل متواضع وبئيس الخروج من شتاته وانفلاته وإرهاصاته وبالتالي اكتساب القدرة على الدهشة والتأثير، كما كان عهد القصيدة الستينية التي حققت الشيء الكثير للأدب حيث كان الشاعر يستطيع أن يقبض على الواقع بآلامه وآماله‭..‬

فلكي يتميز صوت الشعر ويبقى الشاعر ضمير عصره والجندي الأول في معركة الحرية عليه أساسا وقبل كل شيء أن يتحرر هو من الداخل وأن يكسر قيود عبوديته‭.‬ فالقصيدة ليست فقط تجسيدا لتحرر اللغة وحدها وإنما هي تجسيد لتحرر الواقع والإنسان، فلا يقدر الشاعر أن يخلق قصيدة عظيمة إلا بدءا من مواجهة الحياة كلها‭.‬

فالشاعر ليس راصدا للواقع ولا هو مطالب بذلك ولا يمكن له أن يكون بأيّ حال من الأحوال منتقما للحياة ولا للبشاعة المقيتة المتوارثة، وإنما هو محاولة خلق إضافية‭..‬ إضافة حروف وأفكار مضيئة حبلى بالاختلاف والتميز والشرارة والجمال والعمق‭.‬ فالمفروض كلما ازدادت رقعة البشاعة فينا والمآسي واستفحلت كلما انحازت القصيدة لقيم الخير والحق والعدل بالمعنى العميق للكلمة‭.‬

فالشعر يجب أن يدين بولائه للحرية وحدها، لا شريك لها في رحلة البحث عن الماهية الحقيقية‭.‬ وإعادة بناء الذات من الداخل، حيث يتجسد فيها البوح والانصهار والرفض والاحتجاج وروعة الالتصاق بالصدق‭..‬ الحرية وحدها تجعله يرفض الانهزامية والفوضى واليأس والظلم‭.‬ فالمطلوب: حرية الفكر لا فوضى القتل‭.‬ حينها سيصبح الحرف أقوى من السلاح‭..‬ فلا إبداع دون حرية‭..‬، الشعر سيصبح شعاعا من لهب حين نطلق سراحه ونفك وثاقه‭.‬

الشعر منفتح على اللانهاية وهو مرآة للحساسية وللجمال وتحقق للجوهر وللماهية المفطورة على الحب‭..‬ الحب ذاك الإحساس المتفجر والمطموس والمقموع والمغيّب فينا‭.‬

أعتقد أنه بالحب وبالغناء سنداوي هذا الشغف ونصل بقصيدة تواجه المستقبل وتحلم بغد أفضل‭.‬ المحبة وحدها درع قلوبنا العارية‭.‬

فابن خلدون قال إن الشعر علم لا موضوع له‭.‬

والمعرفة هي تجربة من نوع خاص فردي رؤيا تنبئ وتقوم على الحدس والاستكشاف وتلامس الواقع، وتحيط به وتنبع من الذات‭.‬ بعيدا عن الشعارات وتخلص للأبجدية وللحقيقة والتاريخ‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.