قرن الدكتاتوريات
في خريف هذا العام تكون قد مرت ثلاثون عاما على انهيار جدار برلين، وتفتت الأنظمة الشيوعية بقيادة ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي. من وحي ذلك الحدث التاريخي العظيم أصدر المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما كتابه الذي حمل عنوان “نهاية التاريخ”، وفيه قدم أطروحته الشهيرة التي تؤكد أن الديمقراطية في شكلها الغربي ستكون مستقبل جل دول العالم. إلاّ أن الأحداث سرعان ما كشفت عن ثقوب كثيرة في أطروحة فوكوياما، مثبتة أن الأنظمة الدكتاتورية لا تزال قائمة مثلما هو الحال في كوريا الشمالية وكوبا وإيران. وهناك بلدان تمارس ما يمكن أن نسميه بالديمقراطية المزيفة لتخفي تسلطها وعنفها واستبدادها. وهذا هو حال تركيا في ظل حكم أردوغان. كما هو حال روسيا في ظل حكم بوتين.
من جهة أخرى الديمقراطيات العريقة في البلدان الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأميركية أصبحت مهددة بمخاطر جسيمة بعد أن أصبحت أحزاب شعبوية ويمينية متطرفة تتمتع بشعبية واسعة، بل إن بعضها أصبح في السلطة مثلما هو الحال في إيطاليا والمجر.
لعل ااكاتب الفرنسي أوليفييه غوز أراد أن يحذر الشعوب من خطر عودة الأنظمة الاستبدادية، لذلك أصدر كتابا بعنوان ” قرن الدكتاتوريين”، وهو يعني بذلك القرن العشرين الذي يرى أنه كان القرن الذي شهد أعتى الأنظمة الدكتاتورية وأشدها شراسة وعنفا وبطشا وخطرا على السلام والأمن في العالم. وهو أيضا القرن الذي تعايش فيه حكام لم يترددوا في ارتكاب مجازر فظيعة، وفي ترويع شعوبهم وتعنيفها، وفي إشعال الحروب المدمرة بهدف الحفاظ على السلطة.
ويحدد أوليفييه غوز مواصفات الدكتاتور على النحو التالي “الدكتاتور هو الحاكم الذي يستأثر لنفسه بكل السلطات، ويحكم بحسب مصالحه الخاصة وغرائزه، مبيحا لنفسه تسليط المظالم، وممارسة سياسة تقوم على العنف والترهيب من دون أيّ اعتبار لأبسط المبادئ الإنسانية والدكتاتور يحب أن يكون معبودا من قبل الجماهير، وأن تقام له التماثيل في الساحات العامة، وأن تنظم القصائد في مدحه وتمجيده. ولكي يظل في كرسي السلطة هو يحارب المعارضين له بشدة، بل قد يقتلهم وينفيهم ويحرمهم من العمل”.
كيف يظهر الدكتاتور
على هذا السؤال يجيب أوليفييه غوز قائلا بأن الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية أو العالمية كما هو الحال خلال أزمة 1929، وأيضا الحروب الأهلية هي التي تؤدي إلى بروز “الرجل القوي”، أي الدكتاتور الذي يدّعي في البداية أنه الأصلح لإنهاء الفوضى، وتحقيق الأمن والاستقرار. وقد يصعد الدكتاتور إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع مثلما هو الحال في ألمانيا وإيطاليا خلال ثلاثينات القرن العشرين، أو عقب انقلاب عسكري مثلما حدث في العديد من بلدان العالم الثالث، والبلدان العربية من بينها.
ويضيف أوليفييه غوز قائلا بأن الحرب الكونية الأولى التي كان ضحاياها بالملايين، أسقطت امبراطوريتين كبيرتين هما الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية-المجرية. وكان انهيار القيصرية في روسيا من نتائج تلك الحرب أيضا. وقد أدّت تلك الأحداث الهامة إلى انتشار الفوضى والخوف في مناطق كثيرة من العالم. كما أدت إلى ظهور قوى سوداء تمكنت بسرعة من الاستحواذ على السلطة مثلما كان حال النازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا. وعقب انهيار الامبراطوريتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا برز حكام صادروا الاستقلال لصالحهم، وحكموا شعوبهم بالحديد والنار مثلما هو حال جل البلدان الأفريقية والعربية. وخلال الحرب الباردة ساندت كل من الولايات المتحدة الأميركية وما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي أنظمة دكتاتورية في العديد من البلدان.
أشهر الدكتاتوريين
في كتابه خصص أوليفييه غوز فصولا لأشهر الدكتاتوريين في العالم وأشدهم قسوة وعنفا أمثال هيتلر وموسيليني ولينين وستالين وماوتسي تونغ وأنور خوجة والجنرال فرانكو. وهو يرى أن لينين خان منذ البداية المبادئ والأفكار التي ظل يدافع عنها خلال مسيرته النضالية الطويلة. فقد حارب كل المعارضين للبلاشفة، سواء كانوا أرستقراطيين أو بورجوازيين أو رجال دين أو عسكريين أو اشتراكيين. كما أنه حارب الفلاحين الذين رفضوا التخلي عن أراضيهم، وقتل منهم أعدادا وفيرة. وخلال فترة “شيوعية الحرب” صادر لينين كل ثروات روسيا لصالح البلاشفة، مانعا كل شكل من أشكال التجارة الحرة. وفي دستور1918 أقر بأن الحزب الشيوعي سيكون له الحق في السيطرة على جميع أجهزة الدولة والتحكم فيها. ومثل النظام القيصري أرسل لينين آلافا من أبناء شعبه إلى المحتشدات الرهيبة في سيبيريا. لذلك يرى أوليفييه غوز أن لينين هو الذي مهد لظهور دكتاتوريين شيوعيين أمثال ستالين وماوتسي تونغ وفيدال كاستور وأنور خوجة وآخرين.