قصائد الخريف

الجمعة 2021/01/01
لوحة حسين جمعان

لا أملك كوناً

لا أملك مفتاحاً سحرياً يفتح لي أكوانَ عوالم تتوازى مع كون طريقي

من مترو سان غراسيان إلى ساحِ حقوق الإنسان بباريس،

إلى حيث السوريّون أتوا من كونٍ آخر بالأعلام وصور الشهداء…

لا أملك معرفةً تخبرني أين يعيش الشهداء،

ولا أملك كشفَ مواطن جنّاتٍ تحصر من يسكنها في من آمن بإله واحد،

لا أملك خارطة طريق دخول الفايكنغ الوثنيين إلى “فالهالا”،

بُغية نيل الشرف، وإن أغراني الكأسُ، بكأسٍ مع أودِن

لا أملك زورق هجرات الموتى بزوارق نحو حياة الأبدية،

لا أملك إلا حكمة شعبي في إنزال الجدّة عشتار خريفاً بدهاليز الكون السفليّ

لإحضار ربيع السوريين “آدون” المغدور بناب الأسد المِسخ بصورة خنزيرٍ برّي أرعن،

وأراها تبحث عنه الآن لكي يفتح جنّة عدن،

لا أملك كوناً، تنهي هذي الأبيات بحضن حدائقه رحلتها…

لا أملك مفتاحاً سحرياً يفتح لي باب الكون الحائر داخل نفسي

في ساح حقوق الإنسان بباريس،

لم أسمع غير حفيف الأوراق المتداخلة بخطوات الجدّة،

غير صرير الأنياب المتصاهلة بلحمي،

غير هسيس اللبلاب المستفحل في إطلاق جروحي،

في ساح حقوق الإنسان بباريس

لم أر أدونيس،

كان هنالك طفلٌ يدعى حمزه خطيب،

لم أعرف من ركّب في عقل أبيه الباكي أن الاسم سيمنحه الجرأة

في تهريب حليبٍ للأطفال الباكين ينابيع ضروع جفت،

من بين مسوخٍ الجند الشاهرة الأنياب لصلب الأطفال عليها.

لا أملك كوناً، تنهي هذي الأبيات بحضن حدائقه رحلتها…

لا أملك معرفةً تخبرني أيّ الأمكنةِ هي الجنّة تحتضن الشهداء،

وأيّ حدائق تحتضن المخطوفين، المعتقلين، المصلوبينَ…

شعوبٌ تتوالى إثر شعوبٍ،

جناتٌ تتوالد من جناتٍ،

وخريفٌ يتوالى إثر خريفٍ،

ديناصورات، بشرٌ، فيروسات

في هذي الأوراق المتمازجة الألوان، المتلامعة، المتباهتة، المتراقصة

على الأشجار، على الأرض، على الأسوار،

على الكون الحائر فيما تشهد روحي من أكوان تتفتحُ يا للدهشة…

هل تتراءى لي خطوات غياب رزان الزيتونة

في الكون السفلي لإحضار الطفل الغائب من بين الأشلاء،

وهل هي ذي تتجلّى لي حاضرةً مثل سماء،

ليست مفردةً هذي المرّة

هل هي ذي تتشكّل شجرة زيتونٍ، وتضيء الشرق، الغرب، وهل هو ذا الطفل الخارج من لوحة دولاكروا، هل هو ذا حمزة في قبّعةِ صليب، هل هذا عبدالقادر صالح يفتح مارع للحجاج، وهل ذا إبراهيم القاشوش بشطح الأفلاك، وذا عبدالباسط ساروت يلاعب أقدام الأقدار، وهل هذا فائق ابن المير، عميم الأحرار، وذا أحمد ابن الشيخ عطية بين تلاميذ الفصل يغطون الساحة منعتقين نجوماً من حبل الطابور، وهل هذا وجه أب الحرية باولو، هل هي ذي الشمس ببسمة وجه سميره خليل، وهل هذا المطر غياثٌ في يده الأولى وردٌ جوريّ، في الثانية زجاجة ماء، هل ذاك فراس الحاجْ صالح، هذا، ذاك، وتلك، هما، هذي؟ عشرات، ومئات، آلاف الأوراق تمازج لوني، تفتح لي أكواناً متوازيةً متفاتحةً مع كوني؟ لا أمكنة، ولا أزمنة، ولا طوفان، ولا صلبان، ولا جنّة، لا نار، ولا أشرار، ولا أخيار…

أهذا ما شاءتْ يدكِ الحانية على خدّي أن تفتح لي من أسرار؟

هل هذا ما شاءتْ صورتك بأن تُظهر لي من صُوَري؟

هل هذا ما شاءت أكوانك أيتها الجدة عشتار المتجلية بصُوَري؟

هل هو قدري أن تُنهي أبياتي الحائرة بصوري رحلتها بالدمع؟

***

ما بعد الآن، ليس كما قبله

ما بعد إشاعة كوفيد التاسع عشر

بَسمةَ أزهار الفجر في مطابخ النساء

ما بعد انفجار “سليماني” ببصقة مهديّ

ما بعد شنق ترامب على شجرة كوكس كلان

ما بعد تسمّم بوتين بحقنة كولاجين بشري في المؤخرة

ما بعد موت بشار الأسد برذاذ بلاهة ابنه حافظ

ما بعد سباحة بوش بمؤخرةٍ عاريةٍ في نفط العراق

ما بعد اختناق هتلر بغاز الهولوكوست

ما بعد تقطيع سايكس بسكّين بيكو

ما بعد هبوط كولومبس على القمر في فيلم فاشل لستانلي كوبريك

ما بعد شنق البابا بحبال محاكم التفتيش

ما بعد تسمّم النبيّ محمد بدم “الإسرائيليات”

ما بعد قتل قسطنطين المسيحَ بأنياب الأسود في روما

ما بعد ذبح إبراهيم لإسحاق، حين أخّرت الملاك بالكبش قبلة

ما بعد غلبة رائحة دم قابيل على رائحة الكستناء المشوية،

تحت شجرةٍ ضربتها صاعقة…

ما بعد طوفان مجارير القاهرة ببول مومياء

ما بعد تقديم آدم التفاحة لحواء، على سطح ماك بوك،

وعوائه كل نصف شهر في أروقة الفاتيكان

ما بعد تقليم أنياب الديناصورات في متجر توي آر أص

ما بعد تناثر النجوم فراشاتٍ حول ثغرك بالانفجار الكبير الساحر،

في ساحة بولون بيلانكور في باريس

ما بعد قبلتك النارية

ليس كما قبلها يا حبيبتي.

***

سامحتُ نفسي

لوحة: حسين جمعان
لوحة: حسين جمعان

منذ يومين أحاول…

إعادة مياه نياغرا إلى منبعها، ولم أستطع

حاولتُ إعادتها إلى نصف المسافة، ربعِها،

وإلى الحافّة التي تنهمر فيها على الأقلّ

شلّالَ شعرٍ يتموّج في هدير المرأة التي أحبّ في سريري

حاولت وأنا أدور أمام سخرية عقارب ساعة المطبخ

منذ يومين، ولم أستطع، فسامحتُ والدي

على عدم محوه صورةَ حافظ الأسد من غلاف دفتري المدرسيّ

كان رجلاً طيباً ولم يستطع شم رائحة غاز السارين في الدفتر.

سامحتُ، جدّي المباشر، على ما لا أعرف من أفعاله

سامحت جدّي النبيّ محمّد على ما لم يكن من داعٍ له

في وجود معتوهين يعتقدون أنهم الأفضل طالما انحدروا منه

سامحت جدّه إبراهيم، هكذا قالوا لي، فمازلت متشككاً أنه جدّه

على بكاء كبش عيد الأضحى أمام ساعة مكّة

سامحت موسى وعيسى وبقيّة الأنبياء

على استيهاماتهم في إنقاذ البشريّة،

فربّما كانوا طيّبين ولم يعرفوا أنه ستكون دماء

سامحت نوح على قائمة حيواناته البائسة،

فربّما لم يعرف أهمية لغة الحيوان الذي لا يروَّض للشعراء مثلي

سامحت جدّي آدم على خروجه من رأس رجلٍ

لم تُدِرْ رأسَه حديقةُ امرأة

سامحتُ الرومان على بنائهم البيت الأبيض من فخّار كأس المسيح

سامحتُ بني إسرائيل على اختراعهم نازيّة الشعب المختار،

فتكفيهم لعنة تناسخ البشاعة

سامحتُ الآشوريين، الفينيقيين، البابليين، الإغريق، الفراعنة، الأكاديين، السومريين،

وسامحت جدّي جلجاميش، على حرمان نيل أرمسترونغ

من اللعب بقرون ثور جدتي السماويّ المقدّس

سامحتُ جدّتي عشتار على انتقامها لقتل ثورها بالطريقة التي أشقتْني

سامحت القرد العاري الذي أشدّ بنطالي بحزام حمضه النووي

على ارتدائه ربطة عنق ترامب

سامحت الديناصورات على عدم إخافتنا في متحف العلوم بباريس

سامحت النجوم على تغيير وجه الأرض لتعيدَ فقط،

طعن الثور في ستاد برشلونة

سامحت الثور، فربّما يكفيه وجوده الجميل المنفّر في لوحة غورنيكا

سامحت بيكاسو، على عدم رسم ماري لوبين

بشفاهٍ أفريقية عندما تنبأتُ إصابتَها بفيروس كورونا

سامحتُ فايروس كورونا

وسامحتُ نفسي في النهاية

على هذه القصيدة التي لا أعرف كيف تنتهي.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.