قصائد لشعرها الأسود الطويل بعد الحرب

الأربعاء 2020/07/01
لوحة مصطفى حسن

في الحديقة الوهمية

ما كنت أسمعه من الزقزقة هو صوتك في الحديقة الخلفية لألمي

لقد ارتجلنا عشبا في حديقة وهمية وكنا نضحك.

ليست لنا يدان غير اللتين نملكهما، لكن الزهور فاجأتنا بأيد صارت تكتب أسماءنا على الأرصفة كما لو أننا مشينا عليها قبل أن نتعلم المشي.

الزقزقة التي تركتنا وراءها بعثرتنا

رسمت خطواتنا على رمل لم تمسه أقدامنا.

جمل لغياب محتمل.

1 شفتاك الورديتان مركبان يغادران إلى جزيرة لم يصلها أحد.

2 تركت يدي على خصرك. هناك زهرة نبتت بين أصابعي.

3 على الرصيف لا تزال خطوتك تغني في انتظارك.

4 فيما تغادرين يتسلل عطرك إلى جسدي كما لو أنك هواء.

5 على الجانب الآخر هناك سيدة تشبهك تعدني بأنها ستبقى معي.

6 من خلف زجاج المقهى لمحت ساقيك. فقررت أن أتسلق السلم لأصل إلى الفردوس.

7 ثوبك الأبيض يخبئ ملاكا لم يشأ الخروج عاريا.

8 شعرك الطويل يجر النهار إلى ليله بخفة غزال تائه.

9 رأيتك من الخلف كما لو أن صلاة تتخلى عن كلماتها.

10 بلمسة إصبع تنفجر الطبول تحت بشرتك فتختفين.

طفولة غابة

 حين كانت الأشجار لا تزال تحت الأرض كانت قدمك الحافية ترشها بالموسيقى. كان اسمك الكلمة الأولى التي نطقت بها أول شجرة أخرجت رأسها فيما كانت السماء تمطر. كان على تلك الشجرة أن تنتظر تحت المطر فيما كان البشر يطيرون بعد أن يلمسوا ثوبك الأبيض.

الملاك في السوق

كان هناك ملاك يمشي معي وأنا أتبعك مثل طفل تقوده أمه إلى السوق أول مرة. كان ذلك الملاك يشجعني على المضي وهو يبتسم لعثراتي التي يرافقها سيل من الكلمات المبعثرة. أما حين سمعت ضحكته فقد التفت إليه لأعاتبه فكان أن فقدت أثرك واختفى الملاك.

إيقاع باطني

أخبرتك أني أخشى أن ألمسك بأصابعي لئلا تقفز قصيدة من تحتها.

كل ذلك الشعر الذي يقيم تحت بشرتك هو ما تبقى من لغات قبائل بدائية مضطربة كانت قد تسللت إليك فيما كنت تلوذين بصمتك. لم يكن العالم الذي تنظرين إليه ممكنا إلا باعتباره صورة عن حياة سبق لك وأن عشتها. أنت تنظرين بقوة الإيقاع الذي يهب جسدك توازنه.

لوحة لمصطفى حسن
لوحة لمصطفى حسن

بعد أن اختفت

 ليس الفردوس. ضوء بين ساقيها يجمع الملائكة إلى مائدته

لقد وعدتها بأن أصمت حين تضع يدها على رأسي

“الشاعر الذي أحببته بكى على ركبتيك”

حين مضيت كانت يده تتبعك بالرغم من أنه لم بغادر مكانه

لقد وضعها على خصرك ونساها هناك.

جدل عاطفي

1 ترتجل الطبيعة خضرتها حين تمس نضارة قدميك أعشابها. هناك من ينسب إلى باطن قدميك اللون الأخضر.

2 بين شباك ينفتح على المحيط وآخر ينفتح على الجبل هناك ضيفة تملأ المائدة صحونا من الفاكهة المنزلة من خيالها.

3 مر القرويون ولم يروك. كنت الشجرة التي ألهمني مشهدها القدرة على التحليق. لقد طرتُ فيما كان جسدك يتعرى من أوراق الشجرة.

4 على ساحل البحيرة لا تزال آثار قدميك تومئ للطيور هناك سحابة تضحك قبل أن تخفي ستارة أمطارها تلك الآثار.

5 سيكون عليّ أن أعد الخطوات التي لم أحصها حين التقيتك

لأعرف أن المسافة التي تفصل بيننا لا تُقاس بالخطوات.

6 الأم، الأخت، الابنة. كلهن يهبطن إلى البئر معا لانتشال مرآتك

هناك تظهر وجوههن التي تقاسمت وجهك.

7 تقف فراشة على ركبتك فأحاول أن أمسك بها غير أنها تطير تاركة بين أصابعي أجنحة من غبار رقتك.

8 السلسلة الذهبية التي تتدلى على صدرك تطلق صفيرا يذكر بأصوات الملائكة.

9 شعرك الأسود الطويل يخفي يدي هناك تقع ممالك لم يزرها أحد.

10 تقع خطوتك على الأرض لتوقظ الطواويس من نومها. لشعرك الطويل

تنتظره النساء على النهر. ما يربك الأسماك في نومها. ذلك لأن الأعشاب رأت خضرتها في مرآته. ولأنها أنصتت إلى عصفه فقد صارت تراه في إيقاع خطوتين. أنت هناك بين النساء اللواتي ينتظرن.

“ما لا ينتهي هو الموت“

مشى بقدميها فأطاعته

غير أنها تركته وحيدا عند البئر وهو يلتهم قبلتها

كان الموت خفيفا مثل زهرة،

تركت عطرها في الآنية وغرقت في الماء.

ليس له شفتان

شبحه الذي يطوف بين الحقول بابتسامة باردة

يترك قبلة عل كل شجرة

يداه تقلب صفحات كتاب لم يقرأه أحد من قبل

بأصابع ناحلة يمحو سطورا لا يراها

لتظل الصفحات بيضاء كما لو أن القراصنة لعقوا الحبر وغابوا.

الحرب عند النافذة

1 لا يزال الصفير يقيم في رأسي. البنايات التي انهارت والموتى، أشباحهم تتجول في غرفتي والقنبلة وضعت رأسها على الوسادة. كما لو أنني كنت شعبا خرجت من النافذة لأقتلع أشجار الغابة بأسناني فيما كان الصفير يرعى قنافذ خائفة كانت تبحث عن مأوى يقيها مما تلقيه الطائرات من هدايا.

2 يفتح الكوخ بابه على البحر. وللكوخ نافذتان تضربهما العاصفة حين تتخلى الحقول عن أشجارها فتبدو الأرض ملساء، يصقل الليل مرآتها بيد مرتجفة. وإذا لم يكن على الساحل قارب فإن الصياد كان قد ترك كوخه للعاصفة بعد ليلة من الأرق.

3 في قلب حصاة أغمضت عيوني على سرير من القش، كانت طفولتي قد نامت عليه مثل حمامة حين تركت النوافذ مفتوحة لكي تدخل الأحلام التي غالبا ما تكون زرقاء لأنها تهبط مباشرة من السماء.

قضيت طفولتي كلها هناك وكانت لدي مرآة يجري فيها جدول، لم تكف أسماكه عن الضحك. أنا الآخر كنتُ أضحك لأن أحلامي كانت سعيدة إلى درجة أنني لم أعد أصدقها.

4 كنت شبيها بنفسي حين نادتني امرأة “أيها السيد قبعتك على المنضدة” تلمست رأسي فلم أجده. لم أجد رأسي في مكانه فيما كانت قبعتي تستقر على المنضدة. بكت المرأة لأنها تذكرت ابنها الذي عاد من الحرب قتيلا من غير رأس.

5 النهار ليس شمسه، بل صيحة ديكه التي تكسر زجاج النافذة بمنقارها.

6 أنت واسعة أيتها اليد لتكوني حقلا، تطارد فيه الشمس الفراشات إلى لونها الأخير. سأكون واقفا. أنت واسعة أيتها اليد لتكوني سماء، تلجأ إليها الفراشات بلونها الأخير بعد أن تكون الشمس قد أوت إلى فراشها.

7  أيتها الخفيفة يا قدمي ما من أرض ثابتة تنتظرك. ستظل الأرض مثل عجلة وأنت واقفة في الهواء.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.