قصائد
شمس صغيرة
أجلس الآن وحدي أمام النافذة
قرب الأشجار
في الأرض المُعشبة يسابق الحلزون
نفسهُ للوصول حتى النهاية
لكن من أين تبدأ النهاية طالما
أفكرُ بطرقةٍ على الباب
وأنتظرُ منكِ كلمةً تأتي من
أبعد الضفاف
تعلمّتُ منكِ أسرارَ
الصبر الطويل
تعلمتُ أن أتنزّه في بلداتٍ
تطفو فوق المتاريس
لكن ها أنا أنتظرُ وحدي شعلة
في البيت
طرقةً على الباب
شمساً صغيرةً فوق المائدة
تدعوني للبحثِ بين الأيقونات المكسورة
ربما أضعتُ البوصلة
في أنهارٍ مُلطخةٍ برسائل
لا تصل إلى أحد
ليس مصادفةً أن أكون هنا بينما تبحثُ يداي
عن دليل الوصول
إلى ظهركِ العالي في الماضي السحيق
كأن الذكرى موطنٌ أول في مدينة
مقصوفة
حيث تُهاجرُ إلى أصقاع العالم
وفي الأخير تختاركَ المدينة لتجثوَ على ركبتيك
وتصادق الحلزون.
****************
موتٌ مُضاعف
ميتٌ في السرير
لكنني أرى، لهذا سأتركُ
لكم الشعرَ
يكفيني أن أرى تلويحة اليد
من أعلى السحابة
وأن أرى خيط الحلزون
في ممرِ الصالةِ مُضاء
بشمس الشتاء
هذه الظلال تنمو كما ينمو الكرزُ فوق شجرة
الكف.
لا بد أن هناك من كان يرمي
خفيةً إبرةً مغموسةً في الفيروزات
في الخزان الكبير،
يا للخسارة
لقد وصلنا جميعاً إلى الأرض المُحرمة
أرض الذكرى والينابيع الجافة
وصلنا جميعاً بلغة الإشارات
ولن تكون العودةُ إلا بأنوارٍ جريحةٍ
محمولةٍ فوق الأيدي
أرى الخوفَ في الأمواجِ مسبوقاً بلذةٍ مريرة
بينما البحرُ قد اختفى كلياً.
********************
مرثية مروين
آه أين أنتَ الآنَ يا مروين
بعدكَ انطفأ القمرُ تحتَ
الستائر المُغلقة ولم تعد السماءُ
مُزهرةً بالطيور
مع ذلك كأنني أسمعُ صوتَ
الناسكِ يُغني فوق الشجرة
بينما ينامُ بحّارتُكَ على
الشاطئ
أذكرُ الأكاليلَ في الحديقةِ
خلف بيتِكَ في هايكو في هاواي
أذكر الفناراتِ التي استقبلتكَ
في سفن الرياح
عندما كانت اليابسةُ موضعَ
شكوكٍ كثيرة.
دون خوفٍ ينعقدُ الخيطُ في الغابةِ
على الأرجح هناكَ أرواحٌ تستيقظُ
أمامَ بئرٍ مهجورةٍ
تحت الجسر الخشبي يتدفقُ
ماءُ النارنج
وذلك الشيءُ انحدرَ
إلى داخل القاعة
هل كان صوتكَ مروحةً
في الظلال
هل كانت الأمسيةُ صافيةً
إلى ذلك الحد بين النجوم؟
ثم قل لي كيف التقينا في
مطر الليل فوق المصطبة
الفارغة
بينما تودعكَ الطيورُ وحشراتُ
الأرضِ
تودعكَ نيويورك بفقراءِ
ناطحات السحاب
منْ يدري ربما كان الموتُ في العينين الحزينتين
عندما أخذكَ الملاكُ
إلى بلاده الحرة
شكراً للكلمة التي عبرتْ
الأنهارَ واستقرتْ
في طين الضفاف
سيكون علينا الآن
أن نرفعَ البرقَ من رُكَبٍ مجهولةٍ
دون أن نكتفي بربيعٍ يُهاجرُ
من قبضةِ عتّالِ السلالمَ
آه يا مروين كأنكَ كنتَ تعرفُ حانة
غاري سنايدر [1] في المحيطات
المليئة بالأوبئة
هذا هو الجسد عندما يخلقُ
لنفسهِ عمراً إضافياً
إنه فصلُ الشتاء
يسقطُ الثلجُ فوق شاهدة
القبرِ لتطرية العظام
لم تعد يدكَ تنسجُ غير التراب
تكلموا أيها الغرباء عن الشاعرِ
النائم تحت الظلال
انطفأ القمرُ كما لو لم ينطفئ
من قبلُ
مناراتٌ تُديرُ قبابها ناحية اللامكان
هناك سهرتٌ في العشبِ أمام أقدامِ بنات الملوك
لكنّ آلاماً كثيرةً في ريح المساء
تحجبُ رمادَ الكوكب
كنتَ وحدكَ تنتظرُ على
حافة الجرف قطاراً لن يأتي
ذهبَ الذين ودعوا أنفسهم
وناموا
وبقيتَ أنتَ وحيداً
تفكرُ في الخلاءِ والشقوقِ
التي تظهرُ في أعماق البحر
ليسَ تعباً من حياة المسرّة ولكن من دم الحجارة في مزارع الحروب
آه يا مروين أرقد الآن فالعالم لن يُنقذَ
.نفسهُ
علينا أن نصّفقَ للأشجار
حيث ما كانت
.ونتركَ لؤلؤةً فوق حجرة
***************
المرفأ
يركض الملوك في ممرات الصالة الكبيرة
الغبار لا يُرى من بعيد كما لا ترى اليد بالخاتم المذهّب
في إصبع واحدة
فقراء العاصفة وحدهم يحملون النار في البرد القارس
بأعين زجاجية جائعة ينظرون إلى نوافذ القصور
فوق التلال
يُسمعُ الضجيج من بين الأكواخ والحجارة
العراة في الساحات يتأملون القمر كما لو كان كرة من البلاستيك
يشربون من النهر في طاساتٍ صدئة
على الأرجح لن يُخلّف موعداً مع صيحة
النَفَس الأخير في صدورهم
لن يهرب الملوك بعد أن سرقوا
الهواء
ليس في بيروت بحرٌ
آلام كثيرةٌ يتم مسحها بالجرافات
زجاجٌ ومعدنٌ وفي الأفق أجسادٌ متطايرة
في المرفأ دخان نوويٌ يتسربُ
إلى النوافذ والأبواب
عروس الشرق تنتعلُ حذاءً ممزقاً
بينما ذراعاها تتطوحان في الهواء
بلا جسد
لقد أتى البرابرة من الداخل والخارج
والفينيقيون المجازفون يبعثرون حكمتهم على السفوح.
[1] شاعر أميركي من جيل مروين مازال يعيش وقد بلغ عمره فوق التسعينات.