قصيدة المهزوم
مهزومًا، كأنّي لن أكتب قصيدةً بعد اليوم
منكسرًا كأنَّ حجارةَ طيرِ الحزنِ قد سقطتْ على زجاجِ عينيّ
ويأكلني الثكلُ، كأنّ العالم ابتلع لسانه.. ومات
وتأتينَ أنتِ
كجرحٍ قديمٍ
كإلهٍ مهزومٍ
خارجةً من جلدكِ كمولودةٍ
وتدخلين في جلدي، فأهزم أكثر
كيفَ تنامينَ وحزني يدكّ جدرانَ قسوتِك؟
يتعبني حزني
فأرمي رأسي على فخذك، وأنساه
أمشي إلى الناس بلا حزنٍ
أرقص لهم على أغنياتٍ أغنّيها لك
أصعدُ أبنيةً شاهقةً دون أن تتحرّك فوبياي
تمرُّ السيوفُ
ثم أغرقُ في المتوسّط.. ولا أموت
هذا العالم يحتاج أجسادًا بلا رؤوس
أفتحُ عينيَّ، ينزّ جفنايَ، وأُدمى
أراكِ غارقةً بدمي
أقول لكِ: أنا جائع
ويأكلني الخوفُ
يا ربّةَ البردِ، يا فلّاحةً، يا زيتَونة البلادِ القديمةِ،
يا بابَ الذنْبِ الذي لا يُنسى،
لو عرفتْكِ هيرتا مولر، لأنكرتْ لغتها الأمّ، لأنك أمّ اللغات، وأكثرها حزنًا.
أغمضُ، تضيئينَ كألعابٍ ناريّةٍ سماءَ برلين، وأضيءُ كعود ثقابٍ.. جسدَكِ..
هذا العالمُ يحرقنا ليحتفل بهزيمتنا
يدكِ التي غرقتْ في زعتر رأسي؛ لم ينتشلْها أحد
يدي التي غسّلت حزنك من دمعه؛ لم يمسحْ دمعها أحد
فمك المليء بالعطر؛ سكب آياتٍ من كتاب لم يدّعِ تأليفه إلهٌ
لا أتذكّرُ ماذا قلتُ لك حين لم أقبّلكِ
لكنّني أتذكّر ما لم أقل:
لقد خلقتُ اللهَ على هيئتكِ
امرأةً تأكلُ بردَها
فلّاحةً لا تقرأُ الشعرَ، ولا تكشف عن مفاتنَ لغويّة.
بلهجةٍ سابحةٍ بالموسيقى
ترفع جبال النار
وتمدّ سهول الحبّ
لا فردانيّةً
لأنّها النساءُ
صوتها أغنياتُ الحقول
ماؤها يقلب اليباسَ بيّاراتٍ
وجلدُها ترابٌ
ولا تقتلُ أحدًا إلا المسافة.
كنتُ أعرفُ أنّ الشعرَ مات
جميعهم قتلوه
لأنّهم لا يستطيعون مداواته من جراحه
ورموا رماده في البحر الميّت
فعاشَ
ينامُ الشعرُ الآن تحت بحيرةٍ من الماء
يقصدهُ السيّاحُ فيلتصق بأجسادهم
تسفّه التربةُ فتحلّقُ
تحملهُ إلى قمم الجبال الطيورُ
ونأكل من لحمِه جميعًا
ونضع ملحَه في طعامنا
لهذا أصبحَ الشعراء طهاةً
وأصبحتُ مهزومًا
كأنّي لن أكتب قصيدةً بعد اليوم.