قَصيدَةٌ غَيرُ عصماء
لاَ شَيْء أَحْمِلُهُ هَذَا الصَّبَاحَ
عَلَى كَتِفِي، إِلاَّ الأَلَمُ
يَتَسَلَّلُ إِلَى أَعْمَاقِ الرُّوحِ
الزِّلْزَالُ بِجِوَارِ بَيْتِي
مَا زَالَ يَخْبِطُ الأَسَاسَاتِ وَالحِيطَانَ
التِي تُوشِكُ عَلَى الانْهِيَارِ
عَلَيَّ تَهْرِيبُ أَطْفَالِي إِلَى بُلْدَانٍ
لاَ يَطَالُهَا الزِّلْزَالُ وَالفَيَضَانَاتُ
بُلْدَانٌ مُسْتَحِيلَةٌ
أَبْحَثُ عَنْهَا فِي خَرَائِطَ مُحْتَرِقَةً
حَامِلاً عَلَى كَتِفِي هَذِهِ المَرَّةَ طُيُورًا كَانَ يَحْمِلُهَا
فِي الزَّمَنِ الغَابِرِ، قَرَاصِنَةٌ شَرِسُونَ
الطُّيُورُ التِي تَدُلُّ القَرَاصِنَةَ إِلَى الجُزُرِ
المُسْتَبَاحَةِ حَالَ وُصُولِهِمْ إِلَى الشَّاطِئِ
حَيْثُ عَذْرَاوَات يَتَنَزَّهْنَ وَقُرُودٌ.
بَيْنَ بَيْتِي وَالشَّاطِئ دِينَاصُورَاتٌ تَصْطَفُّ
طَوَابِيرَ أَمَامَ البَاعَةِ الهُنُودِ
لَقَدْ نَسِيَهَا الانْقِرَاضُ فِي الظَّهِيرَةِ القَاتِمَةِ
فَهَا هِيَ تَحْلُمُ بِالرَّحِيلِ أَوْ المَوْتِ.
أَحْمِلُ إِرْثَكُمْ عَلَى كَتِفِي
يَا أَبْنَاءَ العُرُوبَةِ الفَارِّينَ مِنْ قِتَالِ الدِّبَبَةِ
فِي المَدَارَاتِ القُطْبِيَّةِ
بَعْدَ أَنْ فَنِيَتْ جَمِيعُ الفُقْمَاتِ وَالبَطَارِيقِ
التِي يَعْشَقُهَا أَطْفَالُ الغَدِ
أَحْمِلُ إِرْثَكُمْ مَنْ غَارٍ إِلَى سِجْنٍ
وَمِنْ كَهْفٍ إِلَى آخَرَ.
يَا أَهْلَ الكَهْفِ يَا أَهْلِي وَإِخْوَتِي
أَمَا حَانَ لَكُمُ النُّهُوضُ
غَدَاةَ قَرْنٍ قَادِمٍ
لِتُلْقُوا نَظْرَةَ الوَدَاعِ الأَخِيرَةَ
فَالقِيَامَةُ عَلَى الأَبْوَابِ
طَلاَئِعُهَا تَحْتَلُّ المُدُنَ وَالثَّكَنَات.
أُحَاوِلُ القَوْلَ أَيْضًا:
إِنَّ الجِبَالَ غَادَرَتْ مَوَاقِعَهَا
وَعَادَتْ إِلَى رَحِمِ الأُمِّ الأُولَى
ثُقُوبٌ سَوْدَاءُ تَبْتَلِعُ الشُّعُوبَ وَالمَجَرَّاتِ
أَطْفَالٌ عُرَاةٌ يَسْبَحُونَ فِي سَدِيمِهَا الهَائِجِ
وَالنَّخْلُ، فَيَالِقُ النَّخْلِ تَتَقَصَّفُ تَحْتَ
رَعْدِ الجَفَافِ.
هَلْ سَتَمْنَحُنَا الأَبَدِيَّةُ ثَانِيَةً أُخْرَى
كَيْ نَتَمَدَّدَ عَلَى فِرَاشِهَا الوَثِيرِ:
يَقُولُ القِدِّيسُ
وَهْوَ يَلْفُظُ أَنْفَاسَهُ
تَحْتَ أَقْدَامِ الدِّينَاصُورَاتِ
هَلْ سَيَعُودُ البَاعَةُ الهُنُودُ
لاسْتِقْبَالِ البَضَائِعِ التِي غَرِقَتْ فِي المُحِيطِ
المُحِيطُ الذِي مَا فَتِئَ مُنْذُ دَهْرٍ
يَبْعَثُ بِرَسَائِلَ غَضَبٍ
وَاحْتِجَاجٍ.
عَلَيْكُمْ لَمْلَمَةَ أَشْلاَءِ الضَّحَايَا
عَلَيْكُمْ القُدُومُ كُلَّ صَبَاحٍ إِلَى الثَّكْنَةِ
لِتَوْقِيعِ عَرَائِض الحُضُورِ وَالغِيَابِ
عَلَيْكُمْ النُّبَاحُ فِي المَزَابِلِ
مَعَ الكِلاَبِ الجَائِعَةِ
وَالجِمَالِ النَّافِقَةِ
التِي سَتُحَمِّلُونَهَا أَثْقَالَكُمْ كَالعَادَةِ
قَاطِعِينَ بَهَا أَقْفَالَ الصَّحْرَاءِ
الجِمَالُ التِي لاَ تَنْسَى الذُلَّ وَالمَهَانَةَ
حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهَا بِزَمَانٍ
شَآبِيبُ شَرَرِهَا تَبْعَثُ الرَّجْفَةَ
فِي الأَعْدَاءَ
كَمَا كَانَ (الصَّيْعَرُ) فِي عَتْمَةِ الصَّحْرَاءِ
الذِّئَابُ وَقَدْ نَسِيَتْ عِظَامَهَا فِي الرَّمْلِ
بَقِيَ عُوَاؤُهَا يُلْجِمُ الأَرْجَاءَ
بِنَحِيبٍ لاَ يَنْقِطِعُ.
ضِبَاعٌ تَرْعَى أَطْفَالَهَا فِي الأُفُقِ
هِيَ مَا تَبَقَّى مِنْ نَسْلِ الحَيَوَانِ
وَالإِنْسَانِ.
II
لَيْلَةٌ مُؤَرِّقَةٌ
وَحَيَوانَاتٌ تَئِنُّ أَمَامَ بَابِي
عَلَى الأَرْجَحِ، إِنَّهَا الضِّبَاعُ التِي تَتَنَزّهُ مَعَ
أَطْفَالِهَا فِي الأُفُقِ
مُسْتَوْحِشَةً تَسْفُوهَا رِيَاحٌ وَجَثَامِينُ
وَسَحَرَةٌ يَرْكَبُونَهَا بِالمَقْلُوبِ
مِنْ فَرْطِ يَأْسِهِمْ أَخَذُوا فِي الانْتِحَارِ وَالهُرُوبِ.
قَادَةُ العَالَمِ يُوَزِّعُونَ الخُبْزَ عَلَى اللاَّجِئِينَ،
وَالمَذَابِحُ
لاَ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ وَأَحْصَوْهَا فِي
كِتَابِ الحَضَارَةِ وَالحَيَوَانِ
(أَيْنَ حِصَّتِي مِنَ الخُبْزِ وَاللَّحْمِ؟)
سَأَلْت الضِّبَاعُ أُمَّهَاتِهَا، التِي انْشَغَلَتْ
بِعِنَاقِ السَّحَرَةِ وَالأَشْبَاحِ
إِلَى آخِرِ المَدَى تَلْهَثُ الضِّبَاعُ
وَرَاءَ الجَرْحَى وَالمُشَرَّدِينَ
رَائِحَةُ الدَّمِ تُغْرِيهَا بِالشَّبَقِ وَالهُيَاجِ
بِشِدَّةٍ وَهُدُوءٍ أَحْيَانًا
تَحُومُ حَوْلَ فَرَائِسِهَا مَعَ نُسُورِ الرَّخْمَةِ
فِي الأَرَاضِي المَنْسِيَّةِ وَالوِدْيَانِ
لَقَدْ أَتْخَمَتْهَا الوَلِيمَةُ
حَتَّى ضَجِرَتْ مِنَ الافْتِرَاسِ
وَلِأَنَّ المُقَدَّرَ مَكْتُوبٌ فِي الغَرِيزَةِ
وَالجَبِينِ
مَاذَا تَفْعَلُ الضِّبَاعُ بَعْدَ الآنَ؟!
III
سُفُنُهُمْ تُبْحِرُ عَبْرَ البَحْرِ
فِي الخَرَائِطِ المُحْتَرِقَةِ
يَعْبُرُ القَرَاصِنَةُ نَحْوَ المَجْهُولِ
تَقُودُهُمْ الأَحْلاَمُ
تِلْكَ التِي أَضَاءَتْ لِأَسْلاَفِهِمْ
عُتْمَ الظُّلُمَاتِ
القِدِّيسُونَ يُبَارِكُونَهُمْ..
(لَسْنَا فِي حَاجَةٍ إِلَيْكُمْ)
يَقُولُ القَرَاصِنَةُ لِلْأَسَاِقَفَةِ وَالقِدِّيسِينَ..
لَكِنَّنَا قُدْنَا السُّفُنَ مِنْ آيْبِيرِيَا، وَكُنَّا مَعَكُمْ نُبِيدُ
الأَعْرَاقَ التِي لاَ يَحْتَاجُهَا التَّارِيخُ
(ذَاكَ زَمَنٌ مَضَى، نَحْنُ الآنَ
بِلاَ خَرَائِطَ وَلاَ أَهْدَافَ)
عَدَا خَرائِطِ الدَّمِ المَسْفُوكِ وَغَرَائِزِ الافْتِرَاسِ،
نَتَوَحَّدُ مَعَ رُوحِ الضِّبَاعِ اللاَّهِثَةِ فِي الأَرْضِ
وَالأُفُقِ، نُبِيدُ الدِّيَانَةَ وَالأَعْرَاقَ، لاَ نَحْتَاجُ
إِلَى مُؤَرِّخِينَ وَلاَ دُعَاةٍ، نَمْحُو آثَارَنَا كَمَا تَلْعَقُ
الضِّبَاعُ الدَّمَ المُتَخَثِّرَ وَالأَقْدَامَ..
IV
فِي لَيْلِ الأَزَلِ القَاتِمِ
يُبْحِرُ القَرَاصِنَةُ وَالضِّبَاعُ
مَحْمُولِينَ عَلَى رَايَةِ النَّصْرِ
وَالشِّرَاعُ
وَحِيداً يُسَافِرُ تَسُوقُهُ رِيَاحُ
المَوْتِ فِي المُحِيطَاتِ.
V
أَيُّهَا الطَّائِرُ
وَسَطَ زَوَابِعِ الصَّحْرَاءِ وَالغُبَارِ
تَقِفُ مَكْسُورًا عَلَى عَمُودِ الكَهْرَبَاءِ
تُدِيرُ جِسْمَكَ الصَّغِيرَ
فِي الجِهَاتِ المُدْلَهِمَّةِ
كَأَنَّمَا تَلْهَجُ بِالمَوْتِ وَالحَنِينِ.