كتابة الصرخة
ما يحدث من مآس وفتن في سوريا وعديد البلدان العربية الأخرى يصيبني بالهلع كمثقفة، ما كنت أظنّ أننا ننام منذ قرون طويلة على هذا الكمّ الهائل من الحقد السّياسي والجهل والغطرسة والجنون ولست أدري إن كان من حسن حظنا كمبدعين أن نعايش كلّ هذا العبث ونكون شهودًا عليه، فمن المؤكّد أن ما يحدث يشكّل مادّة خصبة وحيوية لنصوصنا التي أرجو ألا تحيد في زخمها عن شرطها الإبداعي، ففي لحظة الدّم والدّمع والخراب والتشرّد والغرق هذه أحاول أن ألتقط أنفاسي وأنا ألاحق عذابات الشعوب التي نكّل بها العهر السّياسي والجهل بالدين، منذ سقيفة بني ساعدة والمسلمون يقتتلون وكلّما خمدت حروبهم عادت لتندلع بشكل أعنف، لقد آن الأوان لكي نضع حدّا نهائيًا للاستبداد باسم الدين أو باسم شرعية سياسية أثبت الواقع فشلها، لم يعد بإمكاننا أن نخسر أكثر ممّا خسرنا ودورنا كمثقفين كبير جدًّا في هذه المرحلة، علينا أن نجرؤ على مساءلة التاريخ أوّلًا ونفهم على نحو جيّد الواقع الحالي حتى يمكننا الكتابة للمستقبل ونبني بعيدًا عن هذا الخراب قيمًا إنسانيّة متطورة تقوم على إحياء الفطرة والضمير واحترام الحريّات وتقيّد رجل السياسة بقوانين صارمة، فالرّوائيّ قادر أكثر من غيره على صناعة وعي جماعي مغاير وتشكيل أفق جديد يزاحم الواقع ويستنهض إنسانيّة الإنسان.
من هذا المنظور أستمرّ في كتابة روايتي التي تتناول الظاهرة الدّينية المتطرفة الإسلامية والمسيحية وأحاول من خلال أحداثها التي تدور بين كلّ من باريس وتونس أن أناقش بعض المسلّمات وأتجاوز العتبات، تعود أحداث الرّواية إلى ما قبل العام 2011 ممّا يؤكّد أن لهذا التطرف الأرعن جذورًا في الماضي وهو ليس وليد “الثورات العربية”. وكما هو الشأن لدى كثير من الأدباء أترك الرّواية لفترات حتى تنضج وأمارس الكتابة القصصية التي هي من أحبّ الفنون إلى نفسي، هناك لحظات سريعة ومكثّفة في الحياة لا يمكن سوى لفن القصّة القصيرة أن يحيط بها ويختزلها، لقد بلغ واقعنا درجة عالية من الفانتازيا وفاقت بشاعته قدراتنا الخلاقة على التخييل وبتنا نشعر أننا نعيش عراة في عهد بدائي، الكتابة الآن أشبه بصرخة موجعة، الإشكال الأكبر هو كم مواطنًا عربيًا يقرأ الآن؟ كم مثقفًا عربيًا ينتبه إلى نصّ جادّ ويعرّف به بعيدًا عن الحسابات الشخصية الضيّقة؟ كم تجارب سطحية توّجت وكم رواية جادّة همّشت، في عالم الرّواية هناك أيضًا إرهاب واستبداد ومغالطات كبرى.